قبل ستين عاماً — محاولة العالم لوقف التمييز العنصري باءت بالفشل | حقوق الإنسان

السرد الشائع أن الدول الغربية منحت العالم حقوق الإنسان وتعتبر الحارسة الوحيدة لها، تضليل في جوهره. في الواقع، الاطار القانوني الدولي لحظر التمييز العنصري قائم إلى حدّ كبير على جهود دول الجنوب العالمي.

في عام 1963، وفي خضم موجة إنهاء الاستعمار، قدّمت مجموعة من تسع دول أفريقية حديثة الاستقلال قراراً إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة تطالب فيه بصياغة معاهدة دولية للقضاء على التمييز العنصري. كما أشار ممثل السنغال آنذاك: «كان التمييز العنصري لا يزال القاعدة في الأقاليم الاستعمارية الأفريقية وفي جنوب أفريقيا، ولم يكن غريباً عن أجزاء أخرى من العالم … وقد حان الوقت لأن يدخل جميع الدول هذا النضال.»

بعد عامين، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، التي رفضت أي مذهب للتفوق المبني على الاختلافات العرقية واعتبرته «خطأً علمياً، وإدانة أخلاقية، وظلماً اجتماعياً».

بعد ستين عاماً على اعتمادها، لا يزال ملايين الأشخاص حول العالم يواجهون التمييز العنصري في شتى الميادين: إنفاذ القانون، سياسات الهجرة، وظروف العمل الاستغلالية.

في البرازيل وثّقت منظمة العفو الدولية كيف أسفرت عملية شرطية مميتة هذا أكتوبر في فافات ريو دي جانيرو عن مذبحة نفّذتها قوات الأمن راح ضحيتها أكثر من مئة شخص، غالبيتهم من ذوي الأصول الأفرو‑برازيلية ويعيشون في فقر.

في تونس شهدنا خلال السنوات الثلاث الماضية كيف استُخدمت سياسات الهجرة لتنفيذ اعتقالات واحتجازات وطرد جماعي مستهدفة عنصرياً بحق لاجئين وطالبي لجوء من السود.

وفي السعودية تتعرّض العاملات المنزليات الكينيات للعنصرية والاستغلال من أصحاب العمل، ما يقود إلى ظروف عمل قاسية ومسيئة.

في الولايات المتحدة أُلغيت مبادرات التنوع والإنصاف والشمول عبر الوكالات الفدرالية، بينما تشكل حملات مداهمات دائرة الهجرة والجمارك (ICE) ضد المهاجرين واللاجئين جزءاً مريعاً من أجندة ترحيل واحتجاز جماعية رعتها روايات تفوق عنصري بيضاء.

يقرأ  وفاة مارشاون نيلاند، لاعب كرة القدم الأمريكية، عن عمر ٢٤ عاماً

المحتجزون في مراكز الاحتجاز تعرضوا للتعذيب ولنمط من الإهمال المتعمد المصمم لتجريدهم من إنسانيتهم ومعاقبتهم.

في فضاءات أخرى، وثّقت العفو الدولية كيف تعمل تقنيات رقمية حديثة على آلية وأتمتة وتعميق العنصرية، بينما تتيح منصات التواصل الاجتماعي منتديات تفتقر إلى رقابة كافية لنشر محتوى عنصري وكريه للأجانب. على سبيل المثال، أظهرت تحقيقاتنا في أعمال شغب الجنوب في بريطانيا أن تصميم منصة X وسياساتها وفرّتا مناخاً خصباً للسرديات التحريضية والعنصرية التي أدّت إلى استهداف عنيف للمسلمين والمهاجرين.

حتى المدافعون عن حقوق الإنسان من دول الجنوب يواجهون تمييزاً عنصرياً عندما يتقدمون بطلبات تأشيرات للدول الشمالية لحضور اجتماعات تُتخذ فيها قرارات مصيرية بشأن حقوق الإنسان.

جميع هذه صور العنصرية المؤسسية جذورها في إرث الهيمنة الاستعمارية الأوروبية والأيديولوجيات العنصرية التي بنيت عليها؛ حقبة دامت قروناً امتدت عبر قارات وخلّفت فظائع لها عواقب تاريخية ـ من محو الشعوب الأصلية إلى تجارة العبيد عبر المحيط الأطلسي.

وعودة حركات معادية للحقوق حول العالم أدّت إلى تجدد الخطاب العنصري والكراهية للأجانب، وتحوّل المهاجرين واللاجئين إلى كبش فداء، وتراجع في إجراءات وحمايات مناهضة للتمييز.

في الوقت نفسه، باتت بعض الدول الغربية على استعداد لتقويض القانون الدولي والمؤسسات الدولية لتبرير ما يجري من جرائم ترتكبها اسرائيل بحق الفلسطينيين في غزة ولحماية السلطات الإسرائيلية من المساءلة والعدالة.

تماماً كما قادت دول أفريقية إنشاء الاتفاقية قبل ستين عاماً، تواصل دول الجنوب قيادة النضال ضد القمع العنصري والظلم واللامساواة. وفي خطوة بارزة رفعت جنوب أفريقيا دعوى ضد اسرائيل أمام محكمة العدل الدولية وأسست إلى جانب دول أخرى ما عُرف بمجموعة لاهاي — تحالف ثماني دول من الجنوب العالمي ينظم جهود مقاضاة اسرائيل بتهمة الإبادة.

على صعيد التعويضات، تتزعّم دول الكاريبي وأفريقيا، جنباً إلى جنب مع الشعوب الأصلية والأفارقة ومنحدريهم، مسار المطالبة بالعدالة. فقد كثّفت مجموعة دول الكاريبي ضغوطها على الحكومات الأوروبية لمواجهة ماضيها الاستعماري، من خلال زيارات ومبادرات، بينها زيارة لجنة التعويضات التابعة لمجموعة الكاريبي إلى المملكة المتحدة مؤخراً.

يقرأ  مكتب التحقيقات الفدرالي يعيد إلى المكسيك وثيقة مسروقة موقعة من قِبَل فاتحٍ إسباني

وأعلنت الاتحاد الأفريقي عام 2026–2036 عقدَ عقد التعويضات الشهر الماضي، واجتمع زعماء أفارقة في الجزائر لمؤتمر دولي حول جرائم الاستعمار حيث وحدوا مطالبهم بتجريم الاستعمار في القانون الدولي.

ومع ذلك، فإن ذلك لا يكفي. على الدول أن تواجه العنصرية كقضية بنيوية ونظامية، وأن تتوقف عن التظاهر بأن العبودية والاستعمار أمور من الماضي لا أثر لها على حاضرنا.

في كل أنحاء العالم يقاوم الناس. في البرازيل قادت مئات الآلاف من النساء الأفرو‑برازيليات الشهر الماضي مسيرة النساء السود للمطالبة بالتعويض والرفاهية ضد العنف التاريخي العنصري والجندري. وفي الولايات المتحدة تصدّى الناس لموجة المداهمات الفدرالية هذا العام، فتظاهر آلاف في لوس أنجلوس، وتحرك سكان شيكاغو لحماية مجتمعات ومؤسسات مهاجرين من مداهمات ICE.

على الحكومات أن تستمع لشعوبها وتفي بالتزاماتها بموجب الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري وبموجب التشريعات الوطنية لحماية المهمشين والمضطهدين من التمييز.

الآراء الواردة في هذا النص تخص كاتبيه ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

أضف تعليق