واشنطن — قالت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنها أخطرت مسؤولين قطريين قبل الضربة الإسرائيلية التي استهدفت مفاوضي حماس في الدوحة، فيما نفت الدوحة تلك الرواية بشدة.
أتى بيان البيت الأبيض بعد ساعات من قصف وقع في منطقة سكنية بالعاصمة القطرية، التي لعبت دور الوسيط الرئيسي في محادثات هدنة مدعومة أمريكياً تهدف لإنهاء الحرب في غزة. وأفادت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، بأن “الجيش الأمريكي أبلغ إدارة ترامب بأن إسرائيل كانت تشنّ هجوماً على عناصر من حماس كانت موجودة، للأسف، في جزء من الدوحة”. وأضافت أن القصف داخل قطر، وهي دولة ذات سيادة وحليف مقرب للولايات المتحدة يغامر لتأمين السلام، “لا يخدم أهداف إسرائيل أو أميركا”، لكنها استدركت بأن “القضاء على حماس، التي استفادت من معاناة أهل غزة، هدف مشروع”.
وقالت ليفيت أيضاً إن ترامب أوعز لمبعوثه الخاص، ستيف ويتكوف، بإبلاغ القطريين بالهجوم المرتقب.
غير أن الدوحة أنكرت هذا العرض، ووصفت وزارة الخارجية أي ادعاءات بأنها “كاذبة تماماً”. وكتب ماجد الأنصاري على منصة إكس أن “الاتصال الذي تلقته الدوحة من مسؤول أمريكي وقع أثناء دوي الانفجارات الناجمة عن الهجوم الإسرائيلي”، في تنديد واضح بسيناريو التأهب المسبق.
من جهتها، أعلنت حماس أن الضربة أودت بحياة خمسة من عناصرها، بينما نجا الفريق التفاوضي الرئيسي. وأكدت وزارة الداخلية القطرية مقتل ضابط أمني قطري بين القتلى. ووصفت وزارة الخارجية القطرية الهجوم بأنه “عمل جبان”، وأدانت أي مساس بأمن وسيادة البلاد.
سبق لقطر أن لعبت دوراً محورياً في التوسط لوقف إطلاق نار مؤقت في نوفمبر 2023، ولقـرار هدنة استمر ستة أسابيع في يناير 2025، وقد نالت الدوحة إشادة كل من إدارة الرئيس السابق جو بايدن وإدارة ترامب على حد سواء لدورها الوسيط.
وقع القصف في وسط الدوحة بعد أيام من تحذير ترامب لفريق مفاوضي حماس أثناء سعيه لتمرير هدنة جديدة؛ وقد كرر البيت الأبيض اتهامات متبادلة بأن حماس تعرقل المفاوضات، فيما وُجهت اتهامات لإسرائيل بتقويضها للمحادثات. ونشر ترامب رسائل على منصته قال فيها إن “الإسرائيليين قبلوا شروطي، وحان الوقت لحماس أن تقبل أيضاً” ووجّه إنذاراً أخيراً بـ”عواقب” رفض العرض.
ردت حماس بأن الضربة التي استهدفت مناقشات الاقتراح الأمريكي تؤكد دون شك أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته “لا ترغبان في التوصل إلى اتفاق وتسعيان عمداً لعرقلة كل الفرص والجهود الدولية”. وأضافت أنها “تحمل الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية المسؤولية المشتركة عن هذه الجريمة” بسبب استمرار الدعم الأمريكي للعدوان.
من جهتها قالت ليفيت إن ترامب “يعتقد أن هذا الحادث المؤسف قد يشكل فرصة للسلام”، وإنه تواصل مع نتنياهو والشيخ تميم بن حمد آل ثاني بعد الضربة، من دون الإفصاح عن أي تهديدات محتملة تجاه الحليف الأمريكي القوي أو تجاه الدوحة.
يرى بعض المحللين أن بيان البيت الأبيض لن يطمئن دولاً وشعوباً في المنطقة. خالد جهشان، المدير التنفيذي للمركز العربي في واشنطن، قال إن الكثيرين سيعتبرون إدارة ترامب متواطئة، متسائلاً: “عندما يُمنح لإسرائيل ضوء أخضر لإحداث خراب في المنطقة وانتهاك القانون الدولي وسيادة دول ليست حتى أعداء، بل حلفاء مقربون للولايات المتحدة، أين تقف إسرائيل؟ ولماذا يُسمح لها بهذا؟” وأضاف أن المكانة الرسمية التي منحتها واشنطن لقطر كـ«حليف رئيسي خارج الناتو» في 2022 — وصفتها وزارة الخارجية الأمريكية بأنها رمز لعلاقات استراتيجية وثيقة — قد تكون “قد نُسفت تماماً.”
وقال جهشان بمرارة: “إن كانت هذه المكانة تعني أن تُتعرض لهجمات بتصريح أمريكي لحليف أمريكي، فأفضّل ألّا يكون لدينا أصدقاء من هذا النوع.”
تُستَضاف في قطر أيضاً قاعدة العديد الجوية، أكبر منشأة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، والتي تضم قوات أمريكية وقوات قطرية وقوات من المملكة المتحدة، ويعمل فيها نحو 10 آلاف فرد. وعلى مدار سنوات تعدّ الدوحة أداة دبلوماسية مهمة للولايات المتحدة والقوى الغربية، مستضيفة مكاتب سياسية لحركات مثل حماس وطالبان، وقد أكد مسؤولون قطريون أن استضافة مكتب حماس تمت قبل أكثر من عقد بدافع رغبة واشنطن.
نبيل خوري، الذي شغل منصب نائب رئيس البعثة في السفارة الأمريكية بصنعاء سابقاً، قال إن اختيار وسط الدوحة كموقع للضربة وبالقرب من قاعدة العديد تركه مصدومًا. وأضاف: “حتى بكوني متشائماً ومألوفاً بتجاوزات إسرائيل، لم أكن أتوقع هذه الجرأة؛ يجب أن نصحوا من أي أحلام ونواجه واقع أن إسرائيل صارت دولة مارقة تماماً.” ورأى خوري أن الضربة ستبرّد كلّ آفاق الدبلوماسية وتضعف مصداقية الولايات المتحدة في المنطقة، ما سيجعل أي أطراف أو حلفاء مترددين عن المشاركة في مفاوضات تحت رعاية واشنطن.
أشار جهشان إلى أن دولاً مجاورة لقطر، مثل الإمارات التي طبّعت العلاقات مع إسرائيل، والسعودية التي تُعد محط أنظار جهود التطبيع، ستشعر بضغط لاتخاذ موقف حازم. وقال: “إذا سمحوا باستهداف دولة من بينهم، فكلّهم سيصبحون أهدافاً مستقبلية. كيف يتقدمون بعد ذلك؟”
الدوحه — موجز الأثر: الحادث يرفع تساؤلات عميقة حول حدود العمل العسكري، وقدرة الوساطة القطرية، ومصداقية الضمانات الأمريكية لحلفائها في منطقة بالغة الحساسية.