أنتوني زورشر وستيف روزنبرغ
لقاء مرتقب في الاسكا بين ترامب وبوتين
من المتوقع أن يلتقي رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في قمة تُعقد يوم الجمعة في مدينة أنكوراج بولاية الاسكا، فيما يحمل كل طرف أولويات متباينة وهو يستعد لمناقشة سبل وضع حد لحرب روسيا في أوكرانيا.
بوتين: الاعتراف الدولي والنصر الإقليمي
بقلم: ستيف روزنبرغ، محرر الشؤون الروسية
أول ما يسعى إليه بوتين من هذه القمة هو ما حصل عليه بالفعل: اعتراف رمزي من أقوى دولة في العالم بأن محاولات الغرب لعزل القيادة الروسية لم تكلّل بالنجاح. انعقاد لقاء رفيع المستوى من هذا النوع، وإعلان الكرملين عن مؤتمر صحفي مشترك، يمنح موسكو مادة للدلالة بأنها عادت إلى “طاولة القيادة” في السياسة الدولية.
أما مكان انعقاد القمة فليس بلا دلالة؛ فالاسكا تقدم مزايا عملية ورمزية للكرملين. من الناحية الأمنية، فإن أقرب نقطة من البر الرئيسي للولاية تبعد نحو 90 كم عن تشوكوتكا الروسية، ما يتيح حرية حركة دون التحليق فوق دول يُنظر إليها على أنها “معادية”. ومن ناحية أخرى، فإن بُعدها الجغرافي عن أوكرانيا وأوروبا ينسجم مع رغبة موسكو في تهميش كييف وزعماء الاتحاد الأوروبي والتعامل مباشرة مع واشنطن.
هناك أيضاً بُعد تاريخي يستغله الإعلام الموالي لموسكو: بيع روسيا القيصرية لألاسكا لأمريكا في القرن التاسع عشر يُعرض أحياناً كنموذج على أن الحدود قد تتغير وأن أراضٍ شاسعة يمكن أن تنتقل من مالك إلى آخر — حجج تُستغل لتبرير محاولات تغيير الحدود بالقوة في القرن الحادي والعشرين.
لكن طموح بوتين يتجاوز الرموز: فهو يريد نصراً واقعياً واعترافاً بسيادياً على الأرض. يصرّ على بقاء روسيا على كامل الأراضي التي سيطرت عليها في أربع مقاطعات أوكرانية — دونيتسك ولوهانسك وزابوريجيا وخيرسون — ويتطلب انسحاب كييف من أجزاء تلك المناطق التي لا تزال تحت سيطرتها. هذا المطلب غير مقبول لأوكرانيا، التي تشدد قيادتها على أن “الأوكرانيين لن يفرطوا بأرضهم”.
الكرملين يدرك ذلك، لكنّ كسب تأييد ترامب لمطالبه الإقليمية قد يُعدّل موازين اللعبة: إذا أمّن بوتين دعماً أمريكياً أو ضمناً لموقفه، فقد يحسب أن رفض أوكرانيا سيرافقه تقليص أميركي للدعم لكييف، بينما تتجه موسكو وواشنطن لتعزيز علاقاتهما وتوسيع التعاون الاقتصادي. مع ذلك، ثمة سيناريو معاكس: الضغوط الاقتصادية المتصاعدة على روسيا — عجز متزايد في الموازنة وتراجع إيرادات النفط والغاز — قد تدفع بالكرملين نحو تسوية ما. حتى الآن، لا توجد مؤشرات قوية على تراجع الموقف الروسي، مع إصرار المسؤولين على أن روسيا لا تزال المبادرة في الميدان.
ترامب: فرصة ليُسجّل إنجازاً بصفة “صانع سلام”
بقلم: أنتوني زورشر، مراسل أمريكا الشمالية
وعد ترامب خلال حملته الانتخابية لعام 2024 بأنه سيُنهي الحرب الأوكرانية بسهولة وفي غضون أيام، وهو وعد ظل يطارده منذ عودته إلى البيت الأبيض. تحركاته منذ يناير لم تتسم بالثبات: تبدلت مواقفه بين اتهام كييف والتشدّد تجاه موسكو، وبلغت ذروتها حين وبّخ زيلينسكي في قاعة البيت الأبيض في فبراير، ثم علق مؤقتاً المساعدة العسكرية وتبادل المعلومات الاستخبارية مع أوكرانيا.
في الأشهر الأخيرة بدا أكثر انتقاداً لتصلب بوتين واستهدافه للمدنيين، ووضع سلسلة مواعيد نهائية لفرض عقوبات جديدة على روسيا والدول التي تتعامل معها، لكنه تراجع عن تنفيذ كثير من هذه التهديدات. والآن، بينما يستضيف ترامب الرئيس الروسي على أرض أمريكية ويناقش فكرة “مقايضات للأراضي” التي تخشاها كييف باعتبارها تنازلات عن أراضٍ مقابل هدنة، يبقى تحديد ما يريده ترامب من هذه الجولة أمراً معقداً بفعل تقلباته.
حاول ترامب تخفيض سقف التوقعات هذا الأسبوع — ربما اعترافاً ضمنياً بحدود ما يمكن تحقيقه حين يحضر إلى طاولة المفاوضات طرف واحد فقط من طرفي النزاع. وصف القمة بأنها “لقاء استكشافي” وقال إنه قد يعرف خلال “الدقيقتين الأوليين” ما إذا كان يمكن التوصل إلى اتفاق؛ وأضاف أنه قد يرحل ويقول “حظاً سعيداً” وإن اللقاء قد لا يفضي إلى حل. المتحدثة باسم البيت الأبيض وصفت القمة بـ”جلسة استماع”، في محاولة لتلطيف التوقعات.
ومع ذلك، كانت حقيقة واحدة ثابتة طوال العام: رغبة ترامب في أن يُنسب إليه الفضل في إنهاء الحرب. في خطابه الافتتاحي عبّر عن أمنيته في أن يُظلّ إرثه كـ”صانع سلام” العمل الذي يفخر به، ولا يخفى رغبته بالحصول على الاعتراف الدولي، وربما حتى جائزة نوبل للسلام. ترامب لا يحب الانغماس في التفاصيل، فإذا أتيحت له فرصة ليعلن تقدماً ملموساً نحو السلام في أنكوراج فسوف ينتهزها. وبخبرة تفاوضية عالية، قد يتعاون بوتين مع هذا المنحى ليتيح لترامب تحقيق مظهر الانتصار — لكن ذلك سيكون دائماً وفق شروط روسيا.
تابع تغطية بي بي سي للحرب في أوكرانيا