قمة العشرين في جنوب أفريقيا: من الحضور وما أبرز بنود جدول الأعمال؟ — أخبار عدم المساواة

يتجمّع قادة العالم هذا الأسبوع في جوهانسبرغ، العاصمة الاقتصادية لجنوب أفريقيا، لحضور قمة زعماء مجموعة العشرين السنوية — الأولى من نوعها التي تُعقد في دولة إفريقية — في ظل مقاطعة من الوليات المتحدة على خلفية مزاعم مُفندة على نطاق واسع بأن البلد المضيف يسيء معاملة البيض.

سيُمثل الاجتماع، الذي يبدأ يوم السبت، نحو 42 دولة ومؤسسة، لكن الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب — الذي أدان موقف جنوب أفريقيا كمضيف — ستكون غائبة بشكل لافت.

قصص موصى بها

واشنطن، إحدى الدول المؤسسة للمجموعة، هي التالية في تولي الرئاسة الدورية من بريتوريا، ووعد الرئيس سيريل رامافوسا بتسليم الرئاسة رمزياً إلى كرسي فارغ إذا اقتضت الضرورة.

في يوم الخميس قال رامافوسا إن الولايات المتحدة تواصلت في اللحظة الأخيرة للاتفاق على شكل من أشكال المشاركة، لكنه لم يفصح عن التفاصيل. وردت متحدثة البيت الأبيض كارولين ليفيت سريعًا، ووصفت تصريحات رامافوسا بأنها «ثرثرة»، مؤكدة أن موقف واشنطن لم يتغير وأن تعليقات زعيم جنوب أفريقيا «غير مرحب بها لدى الرئيس وفريقه».

مع ذلك، أشارت إلى أن الولايات المتحدة سترسل مسؤولاً لحفل تسليم الرئاسة، إذ ستتولى الرئاسة الدورية لمجموعة العشرين. وربما يكون السفير الأمريكي القائم بالأعمال لدى جنوب أفريقيا مارك د. ديلارد هو المكلف بهذه المهمة، رغم أن ذلك لم يؤكد بعد.

على الرغم من الجدل حول حضور الولايات المتحدة، بدت جوهانسبرغ نشيطة طوال الأسبوع استعدادًا للقمة؛ حيث يقوم العمال بأعمال تنظيف وتزيين المدينة، وفاجأ رامافوسا كثيرين بارتدائه مريول العمل وحمله أدوات التنظيف.

تزيّن الشوارع، التي سيمرّ عبرها الوفود من مطار أور تامبو الدولي إلى وسط المدينة، بأزهار زاهية ولوحات إعلانية ملونة لمجموعة العشرين.

نُشر ما لا يقل عن 3500 عنصر شرطة إضافي لتعزيز الأمن للضيوف رفيعي المستوى، كما وضع الجيش في حالة تأهب.

في المقابل، أعرب بعض الجنوب أفريقيين عن استيائهم من الإنفاق الباهظ في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد، وهناك احتجاجات مخططة من منظمات تتراوح بين مجموعات مناصرة للعمل المناخي إلى منظمات حقوق المرأة حول المطار وموقع القمة.

إليك ما نعرفه عن القمة:

تُعرض لافتات تظهر رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس وزراء كندا مارك كارني، ورئيس وزراء أستراليا أنتوني ألبانيز ورئيس أنغولا جواو لورينسو داخل المنطقة المحمية لمكان انعقاد قمة العشرين قبيل اجتماع مقرّر في 22–23 نوفمبر في جوهانسبرغ، جنوب أفريقيا — 21 نوفمبر 2025 [Yves Herman/Reuters]

ما هي مجموعة العشرين ومتى تُعقد القمة؟

تأسست مجموعة العشرين عام 1999 كهيئة اقتصادية غير رسمية تضم أكبر القوى الاقتصادية في العالم.

لكنّ الأزمة الاقتصادية عام 2008 كانت الحافز الذي أدخل مجموعة العشرين إلى دائرة الأضواء: في عالم باتت فيه اقتصاديات جنوب الكرة الأرضية الكبرى مثل الصين والهند تلعب أدوارًا حاسمة، لم تعد مجموعة السبع من الدول الغنية كافية لوقف النزيف المالي الذي اجتاح القارات.

يقرأ  رئيس وزراء أستراليا يعرب عن قلقه إزاء تقارير تفيد بتوقّف الصين عن شراء خام الحديد من شركة BHP

منذ ذلك الحين، يلتقي قادة مجموعة العشرين على الأقل مرة كل عام لعقد قمة.

تكوّنت المجموعة في الأصل من 19 دولة (الأرجنتين، أستراليا، البرازيل، كندا، الصين، فرنسا، ألمانيا، الهند، إندونيسيا، إيطاليا، اليابان، كوريا الجنوبية، المكسيك، روسيا، السعودية، جنوب أفريقيا، تركيا، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة)، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي ككيانٍ عشرين. ومنذ 2023، انضم الاتحاد الأفريقي كعضو أيضًا. وبحسب مجموعة العشرين، تمثل هذه الأعضاء مجتمعين نحو 85% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي ونحو ثلثي سكان العالم.

يجتمع ممثلو دول مجموعة العشرين طوال العام لمناقشة القضايا الملحّة، لكنّ القمة السنوية في نوفمبر تجمع القادة أنفسهم.

تشكل قمة القادة ذروة عهد البلد المضيف الذي يدوم عاماً كاملاً، وعادة ما تختتم بإصدار إعلان قادة غير ملزم. ففي البرازيل في نوفمبر الماضي، أصدرت الدول بيانًا أعادت فيه التأكيد على التزامها بتحقيق أهداف التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة بحلول عام 2030.

تولت جنوب أفريقيا الرئاسة منذ نوفمبر 2024 وستسلم الرئاسه للولايات المتحدة في 30 نوفمبر 2025. الاجتماع الذي يُعقد هذا الأسبوع سيستمر يومين اعتباراً من السبت 22 نوفمبر في مركز ناسرك للمعارض بجوهانسبرغ، الذي يمتد على مساحة تقارب 150,000 متر مربع ويعد أكبر مركز مؤتمرات في البلاد.

من سيحضُر؟
أكدت سلطات جنوب أفريقيا للصحفيين حضور 42 دولة ومنظمة. ورغم أن ستة رؤساء دول على الأقل لن يحضروا القمة، قال وزير الخارجية رونالد لامولا إن معظم تلك الدول سترسل ممثلين رفيعي المستوى، واعتبر هذا المستوى من الحضور «نجاحاً» لجنوب أفريقيا.

من بين الأسماء البارزة المتوقعة: رئيس وزراء الصين لي تشيانغ، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، مستشار ألمانيا فريدريش ميرتس، رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر، رئيس البرازيل لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، رئيس تركيا رجب طيب أردوغان، رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، رئيسة وزراء اليابان ساناي تاكايتشي، رئيس وزراء كندا مارك كارني ورئيس وزراء أستراليا أنتوني ألبانيز.

كما سيحضر قادة وممثلون كبار آخرون، منهم رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي محمود علي يوسف، رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

لماذا تقاطع الولايات المتحدة القمة هذا العام؟
غياب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن القمة كان اللافت ومن شأنه أن يطغى على جدول الأعمال ويضعف من المكانة الدبلوماسية لجنوب أفريقيا. ترامب أعلن الأسبوع الماضي أنه لن يحضر، متهماً قيادات البلاد بـ«التمييز» ضد الأقلية البيضاء ومتهماً -بدون أدلة موثقة- بارتكاب «إبادة» ضد مزارعين بيض، في إشارة إلى تغييرات تشريعية بشأن ملكية الأراضي تهدف إلى معالجة الاختلالات التاريخية في التملّك (ثلاثة أرباع الأراضي بملكية الأقلية البيضاء).

يقرأ  مئات الآلاف يشاركون في مسيرات بتركيا وهولندا وإسبانيا — تضامناً مع الفلسطينيين

في فبراير، قطّعت إدارة ترامب جزءاً من المساعدات الخارجية لجنوب أفريقيا، وهو ما حذّر خبراء أنه قد يضر استجابة البلاد لفيروس نقص المناعة. وبعد تبادل حاد للكلام بين ترامب والرئيس سيريل رامافوزا في البيت الأبيض، نفى رامافوزا وجود «إبادة بيضاء» وشدّد على أن معدلات الجريمة العالية تؤثر على جميع المجموعات العرقية.

على الرغم من تصريحاته في يوليو بأنه قد يرسل نائب الرئيس، جاي دي فانس، عاد ترامب في 8 نوفمبر ليؤكد عبر منصته أن «لا مسؤول أمريكي سيحضر» القمة، ووصف انعقادها في جنوب أفريقيا بأنه «فضيحة كاملة» ومضى قائلاً إنه يتطلع إلى استضافة قمة العام 2026 في ميامي بفلوريدا. ردّ رامافوزا بتقليل أهمية مقاطعة الولايات المتحدة واصفاً إياها بأنها «خسارتهم». وفي فعل رمزي أعلن أنه سيوضح كرسي الرئاسة المخصصة للوفد الأمريكي كرسيًا فارغاً، مؤكداً في الوقت نفسه على الحاجة لإصلاح العلاقات مع واشنطن.

صورة من المكتب البيضاوي ظهرت فيها شاشة تُعرض مقاطع تُزعم وجود «إبادة» للجماعات البيضاء في جنوب أفريقيا، خلال لقاء في مايو — تقرير لوكالة رويترز.

من لن يحضر أيضاً؟
– الأرجنتين: الرئيس خافيير ميلي لن يحضر، لكنه سيرسل وزير الخارجية بابلو كيرينو.
– الصين: أعلن وزير الخارجية في 14 نوفمبر أن الرئيس شي جينبينغ ألغى حضوره وسيُمثل بلاده رئيس الوزراء لي تشيانغ.
– روسيا: الكرملين أعلن في أكتوبر أن الرئيس فلاديمير بوتين لن يحضر وسيُعهد بالتمثيل إلى ماكسيم أوريشكين، وهو قرار يأتي في سياق مظلة مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية تتعلق بجرائم حرب مزعومة في أوكرانيا، وبهذا تلتزم جنوب أفريقيا قانونياً بواجبات اعتقال وفق التزاماتها الدولية لو وطأت قدم أي شخصية محل ملاحقة قضائية.
– نيجيريا: الرئيس بولا أحمد تينوبو ألغى الرحلة بعد اختطاف 25 فتاة من مدرستهن في خضم أزمة أمنية.
– المكسيك: الرئيسة كلوديا شينباوم لن تحضر لأسباب ترتبط بارتباطات داخلية، وعادة ما تمثلها وزارة الخارجية.

ما الذي على جدول الأعمال؟
بصفتها الدولة المضيفة، ستركز جنوب أفريقيا على قضايا تهمّ دول الجنوب العالمي، وتسعى لإقناع القادة بالتعهدات الجماعية لمواجهة تفاوتات اقتصادية ولتحسين تمويل التنمية للدول الضعيفة. من بين الأولويات المطروحة:
– تشجيع إنفاق أكبر على قدرات التكيّف مع الكوارث المناخية والاستجابة لها؛
– زيادة تدفّق التمويل المناخي من الدول الغنية إلى الدول الفقيرة؛
– تحسين آليات إعادة هيكلة الديون وتخفيفها عبر المؤسسات المالية الدولية والاتفاقات الثنائية؛
– إعطاء الأولوية للمجتمعات المحلية ودول المصدر ضمن سباق القوى العالمية على المعادن الحيوية، التي تتركز مواردها في دول افريقيا.

تجدر الإشارة إلى أن جنوب أفريقيا لم تستضف فعالية دولية بهذا الحجم منذ كأس العالم لكرة القدم عام 2010. رغم تجاهل الولايات المتحدة، تبقى هذه لحظة محورية لجنوب أفريقيا وللقارة الإفريقية، وفق ما قال غيلاد إيزاكس، المدير التنفيذي لمعهد العدالة الاقتصادية في جنوب أفريقيا، ل‍ـ”الجزيرة”. وأضاف أن بريتوريا وضعت على طاولة القمة هذه المرة “قضايا حقيقية” تمس دول القارة.

يقرأ  مسلحون يشعلون النار في ناقلات وقود ويفرضون حصاراً على طريق تجاري حيوي بين السنغال ومالي

«مقاطعة الولايات المتحدة لن تعطل سير العمل»، قال إيزاكس. «مصدر مصداقية الرئاسة لن يُقاس بوجود دولة بعينها، بل بمدى تنفيذ جدول الأعمال الذي صُمم لصالح الجنوب العالمي واستثماره في منتديات أخرى».

لافتات تحمل صور قادة العالم داخل المنطقة المؤمنة لمقر قمة العشرين قبيل اجتماعَي 22–23 نوفمبر، في جوهانسبرج في 21 نوفمبر 2025.

ما التظاهررات المخططة؟
تخطط مجموعات عديدة لتنظيم احتجاجات تبدأ يوم الجمعة. ونقلت وسائل الإعلام عن نائب المفوض الوطني للشرطة، الفريق تيبيلو موسيكلي، قوله يوم الثلاثاء إن الأمن يتوقع تنظيم احتجاجات في جوهانسبرج ومدن كبرى أخرى. وأضاف: «سنسمح بممارسة هذا الحق، لكن ضمن التوجيهات والضوابط القانونية المناسبة».

احتجاجات ضد قتل النساء
واحدة من أكبر التظاهرات دعت إليها منظمة “نساء من أجل التغيير”، التي دعت إلى إغلاقٍ وطني يوم الجمعة، عشية القمة، للاحتجاج على تصاعد العنف ضد النساء وظاهرة القتل الجنسي. وتشير أرقام الحكومة إلى أن ثلاث نساء يُقْتَلن يومياً على يد شركائهن.

قادَت المنظمة حملة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام التي سبقت الفعالية لرفع مستوى الوعي. وتدعو المرأة الجنوب إفريقية إلى مقاطعة العمل والمدارس وارتداء الأسود حداداً يوم الجمعة، وإلى الاستلقاء لمدة 15 دقيقة عند الساعة 12:00 بالتوقيت المحلي (10:00 غرينتش) تكريماً للضحايا.

«لأنّه، حتى تتوقّف جنوب أفريقيا عن دفن امرأة كل ساعتين ونصف، لا تستطيع مجموعة العشرين الحديث عن النمو والتقدّم»، جاء في بيان الحملة.

في كلمة عاطفية على هامش فعالية مرتبطة بالقمة مساء الخميس، حاول الرئيس سيريل رامافوزا إظهار التضامن مع النساء معلناً أن العنف القائم على النوع الاجتماعي وظاهرة قتل النساء تُعدّان أزمة وطنية وعالمية. من جانبها، تطالب منظمات حقوق المرأة بتصنيف ظاهرة القتل الجنسي ككارثة وطنية.

احتجاجات مناخية
أطلق ائتلاف من نشطاء التغير المناخي والعدالة الاقتصادية باسم “ذا سيتزن” قمة بديلة في جوهانسبرج يوم الخميس، وندّدوا بقمة العشرين ووصموها بأنها «لأجل الأغنياء».

احتجاجات الأقلية البيضاء
من جهة أخرى، تستعد نقابة “سوليداريتي” التي تمثّل أعضاء الأقلية البيضاء من الأفريكانرز لتنظيم احتجاجات ضد ما تصفه بالتهميش المزعوم للبيض في جنوب أفريقيا. ووضعت النقابة لافتات جدلية في أماكن مختلفة من جوهانسبرج تقول: «مرحبًا بكم في أكثر دولة تنظيماً للعرق في العالم».

احتجاجات البطالة
تقول حركة “أوبريشن دودولا”، وهي مجموعة مناهضة للهجرة، إنها ستحتج على البطالة والفقر المتفشّيَين في البلاد. ويُعدُّ معدل البطالة في جنوب أفريقيا، الذي يصل إلى نحو 31%، من بين الأعلى على مستوى العالم.

أضف تعليق