في الليلة التي فازت فيها رواية باسم خندقجي بجائزة «البوكر العربية» 2024، اقتحم حراس سجن إسرائيلي زنزانته، اعتدوا عليه، قَيّدوا يديه وقدميه وهددوه. بعد ذلك وُضع، بحسب قوله، في العزل الانفرادي في سجن عوفر لمدة اثني عشر يوماً.
يقول الرجل الأربعيني إنه يربط هذا التصرف برد فعل انتقامي من إدارة السجون لإحراجه النظام، بعدما تمكن من نشر كتابه خلسة تحت أنف الحراس، وجذب الانتباه إلى معاناته وظروف اعتقاله. اليوم هو خارج السجن بعد أن أَمضى 21 عاماً من أحكام ثلاث مؤبدات، لكنه لا يزال يردد: «أشعر كأنني أحلم، وخائف أن أستيقظ لأجدني عائداً إلى زنزانة».
بعد الإفراج عنه، لم يُسمح له بالعودة إلى أسرته في نابلس؛ إسرائيل نَفَتهِ عن وطنه، وهو الآن في انتظار في مصر بينما تحاول عائلته الوصول إليه.
رأينا فظائع جديدة
رغم الفرح بخروجه من «مقبرة الأحياء» داخل السجون الإسرائيليه، لا يزال خندقجي يحاول استيعاب الفظائع التي رآها والحزن لتركه رفاقاً وراء القضبان. حُكم عليه في 2004 بتهم الانتماء إلى «خلية عسكرية» والمشاركة في تفجير انتحاري بتل أبيب، وهي تهم يقول إنه اضطر للاعتراف بها قسراً.
«المحامِي أخبرني أن عليّ توقيع اعتراف… لكي يُنجى ثلاثة شباب من أحكام المؤبد. كان هناك نوع من المقايضة: تعترف بتهمة محددة مقابل إنقاذ بعض الشبان من السجن مدى الحياة، وهكذا حصل الأمر»، يروي.
تقدر الأمم المتحدة أن ما لا يقل عن 75 فلسطينياً لاقوا حتفهم داخل السجون الإسرائيلية منذ أكتوبر 2023، وكشفت منظمات مثل بتسيلم والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان عن سوء معاملة ممنهج. أمضى خندقجي شهوراً في العزل، وتَنَقَّل بين أغلب سجون إسرائيل التي تحتجز فلسطينيين — تسعة عشر مرفقاً يصف كل واحد منها بأنه «جحيم» بحد ذاته.
«هناك سياسات متعمدة للجوع، وإساءة معاملة، وتعذيب نفسي وجسدي، وإذلال مستمر، وإهمال طبي متعمد»، يقول. صور الأسرى المُفرج عنهم أثارت استنكار العالم؛ أولئك الذين بدوا أصحاء وممتلئين قبل الاعتقال، ظهرت صور إفراجهم وهم هياكل هزيلة شبه جثثية.
تؤكد روايته أن الأمور تفاقمت بعد 7 أكتوبر 2023 — تاريخ هجوم قادته حماس أسفر عن مقتل 1,139 شخصاً في إسرائيل وأسر نحو 250، والذي تبعته إسرائيل بحرب مدمرة على غزة. حسب قوله، بدأ الموت يتكرر بوتيرة مروعة داخل السجون، حيث طوّر الحراس «أساليب فظيعة جديدة» وخصوصاً بحق المعتقلين الذين جُمعوا بالمئات من غزة.
«رأى النزلاء الحراس يعلّقون جثث قتلى في الزنازين ويتركونها تتحلل»، قال. وأضاف: «روى لي آخر أنه رأى أكثر من اثنتي عشرة جثة محشورة في زنازين مركز التوقيف بالجلمة». الذكريات القاسية للقتلى والتعذيب البشع الذي شهده وعاناه ستطارده مدى الحياة.
«الاستراتيجية الأساسية التي اعتمدتها السلطات لكسر الأسرى كانت الجوع»، يشرح. «كان هناك أيضاً ما يسمونه ‘التبريد’، أي حرمان من الملابس والبطانيات أو أي تدفئة في شتاء قارس. وكان هناك ضرب متواصل — يستخدمون أساليب وحشية تهاجم الرأس والرقبة والعمود الفقري».
تواصلت الجزيرة مع السلطات السجنية الإسرائيلية للتعليق على اتهاماته، ولم تتلق رداً.
حرِم من التواصل مع الأهل، ولم يسمح له بالاطلاع على أخبار العالم الخارجي، رغم أنه تلقى نبأ وفاة والده. «حُرمت من والدي وهو على قيد الحياة، وبعد موته حُرمت حتى من دفنه».
ما يقرب من 9,000 فلسطيني لا يزالون في سجون الاحتلال، كثيرون اعتقلوا في حملات مداهمات جماعية، وأكثر من 3,500 محتجزون إدارياً — آلية استُخدمت لتبرير احتجاز أشخاص لفترات غير محددة بلا تهمة أو محاكمة.
تهريب رواية حائزة جوائز
داخل الزنزانة يقول خندقجي: «الكتابة منحتني ملاذاً، مخبأً أهرب من خلاله من وحشية السجن وأستعيد حريتي ولو في الخيال». اضطر إلى إضرابات متكررة عن الطعام ليحصل على دفاتر وأقلام. كان يكتب قدر استطاعته، يخفي مخطوطاته عن الحراس ويتجنبهم حتى يتمكن من تهريب الكتاب عبر محاميه أو أي زائر.
في 2023 نُشرت روايته الحائزة، «قناع بلون السماء»، في لبنان باللغة العربية، وتم ترشيحها للقائمة القصيرة لجائزة الدولية للرواية العربية «البوكر». تحكي الرواية قصة نور، عالم آثار فلسطيني يعثر على هوية إسرائيلية يأخذ بها اسم «أور»، وينضم إلى حفريات أثرية في مستوطنة إسرائيلية غير قانونية، فتتقاطع في النص مسألة كشف عهود فلسطين الأثرية مع الفرق بين حياة نور المقيدة بهويته الفلسطينية وحياة أور التي سمحت له بطاقة زرقاء بالتحرك في كل مكان.
عندما أُعلن ترشيح الرواية، طالب وزير الأمن القومي اليميني المتطرف، إيتامار بن غفير، بتشديد شروط اعتقال خندقجي، ودعا عناصر من اليمين المتطرف الإسرائيلي إلى قتله. فاز بالجائزة التي تضمنت 50 ألف دولار وتمويل ترجمة إلى الإنجليزية، ما مهد طريقاً لانتشار عالمي لروايته.
مع اندلاع الحرب على غزة تفاقمت ظروفه داخل السجن؛ صادَر الحراس أدواته للكتابة وكسروا نظارته للقراءة. «شعرت بالعجز التام»، يقول. «حرماني من الأقلام والدفاتر كان كحرماني من الهواء».
الآن وهو طليق، يعتزم النشر مجدداً — رواية جديدة صاغها في ذهنه خلال عامه الأخير من الأسر. يعتمد سردُه على واحدٍ من أقرب أصدقائه، الكاتب وليد دقة، الذي توفّي نتيجة السرطان بعد ما يُزعم أنه تعمّد تجاهله طبياً من قِبل سلطات السجون.
بعيداً عن الكتابة، كان العزاء الوحيد لخندقجي داخل الزنزانة هو الصداقات التي كوّنها «التي لا يمحوها حتى الموت».
«أعيشُ في حزنٍ وألم لأنني تركت خلفي أصدقاء كثيرين في السجون لا يزالون يعانون»، يضيف.
من بين هؤلاء الأصدقاء، الذي شارك معه زنزانة الاحتجاز، كان ماروان البرغوثي، قيادي حركة فتح والمُدان بخمس أحكامٍ بالمؤبد إضافةً إلى أربعين عاماً عام 2004.
غالباً ما يُقارَن البرغوثي بالقائد الجنوب أفريقي ضد الفصل العنصري نيلسون مانديلا، نظراً لعقودٍ أمضاها كأسير سياسي ولشعبية توحيدية تحظى بها قضيته بين الفلسطينيين.
«مروان البرغوثي رجل عظيم،» قال خندقجي. «لو أُفرِج عنه، لربما صار شخصية وطنية موحِّدة.»
يُذكر أن الرجل البالغ من العمر 66 عاماً تعرّض للضرب حتى فقد الوعي الشهر الماضي على يد سلطات السجون الإسرائيلية، وقال ابنه عرب لوسائل الإعلام الدولية إن والده يخشى على حياته مع استمرار إسرائيل في تجاهل النداءات الدولية بالإفراج عنه.
وطنه يسكنه
اعتُقل خندقجي عام 2004 عن عمرٍ يناهز الحادية والعشرين، وهو في سنتَه الأخيرة في دراسة الصحافة والعلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية في مدينته نابلس.
ترعرع في أسرة اشتراكية، فانخرط في شبابِه في صفوف الحزب الشعبي الفلسطيني، وهو الآن عضوٌ منتخب في مكتبه السياسي.
لكن خلال الانتفاضة الثانية في أوائل الألفية، قرّر الانضمام إلى المقاومة المسلحة ضمن صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
وبعيد النظر الآن يقول: «في النهاية، العنف بكل أشكاله لا إنساني. كمخلوقات بشرية ينبغي أن نجرب أولاً حل قضايانا بوسائل سلمية ومتحضرة. لكن عندما يسعى من يريد أن يمحِيك—أن يقضي عليك—تصبح الكفاح مسألة وجودية.»
«ولو عاد الزمن… ربما كنت أبحث عن طرق أخرى،» يضيف، قاصداً طريقاً لم يحرمّه من عائلته طوال واحدٍ وعشرين عاماً.
كان من بين 250 معتقلاً بارزاً أُفرِج عنهم في 13 أكتوبر ضمن صفقة وقف إطلاق النار بوساطة الولايات المتحدة بين حماس وإسرائيل.
وأُطْلِق سراح الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس مقابل ما يقرب من ألفي معتقل فلسطيني، غالبيتهم اختُفوا قسراً من قبل إسرائيل داخل قطاع غزة، حسبما أفادت الأمم المتحدة.
وصف خندقجي ليلة الإفراج عنها بأنها «مروعة»، قائلاً إن جسده كان يرتجف لأنه أدرك أن لحظة الحرية قد حانت أخيراً.
لكن عندما تجاوز حاجز السجن ووجّهت الحافلة جنوباً بدلاً من التوجّه إلى نابلس، شعر أن حريته الكاملة ستُؤجل قليلاً.
«المنفى عن الوطن إحساسٌ حارق ومؤلم،» قال. «كانت فرحتي الأولى وحزني الأول وأحلامي الأولى كلها في مدينتي نابلس.»
«الفلسطينيون، خلافاً للآخرين، لا يعيشون في وطنهم بقدر ما يعيش الوطن فيهم.»
لأجل ذلك، سيواصل خندقجي الكتابة ويخطط لمتابعة دراساتٍ عليا حتى نيل درجة الدكتوراه بعد أن أحرز ماجستير في الدراسات الإسرائيلية أثناء اعتقاله.
أسرتُه تكافح بكل قواها للالتحاق به في مصر، لكن إسرائيل تعيق تلك المحاولات مراراً.
«ما زلت آمل أن يتيح بعض العدل الإنساني في الفترة المقبلة أن أحتضن أمي،» يقول. «ليس كسجينٍ مُفرَج عنه—بل ببساطة كطفلٍ يبحث عن عبير طفولته في حضن والدته.»