قدّم رئيس وزراء السودان، كامل ادريس، خطة لوقف الحرب التي تقترب من عامها الثالث أمام مجلس الأمن الدولي، داعياً أعضاء المجلس إلى التكاتف والوقوف “على الجانب الصحيح من التاريخ”، في وقت لا تزال المواجهات مستمرة في ولايتي كردفان وشمال كردفان.
مضمون الخطة
الخطة تقترح وقفاً لإطلاق النار تكون مراقبته مشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، وسحب قوات الدعم السريع من الأراضي التي تسيطر عليها. كما تقضي بوضع عناصر هذه القوات في معسكرات وتعقيم سلاحهم كشرط أساسي لإعطاء الهدنة “فرصة للنجاح”. واضاف أن المرحلة الانتقالية ستُمهّد لحوار سوداني داخلي ثم لانتخابات حرة، مع إدماج المقاتلين الذين لا تُنسب إليهم جرائم حرب في المجتمع.
رسائل ومواقف
قال رئيس الوزراء: “الأمر ليس تحقيق نصر في معركة، بل إنهاء دورة من العنف أضرت بالسودان لعقود”. ونادى أعضاء المجلس الخمسة عشر بتأييد الخطة بوصفها فرصة لابتعاد السودان عن حافة الهاوية ويمضي المجتمع الدولي إلى جانب الحق والتاريخ. لم يعلق جيش الدعم السريع فوراً على المقترح، ويبدو من غير المرجّح أن يؤيده.
وتزامن عرض الخطة على مجلس الأمن مع استمرار القتال؛ فقد أعلن الجيش السوداني استعادته لمدينة جنوب غرب الرحاد في شمال كردفان. وفي أكتوبر سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر في دارفور الغربية، فيما قالت تقارير إن أكثر من 1500 شخص قُتلوا في تلك الحملة، بينما تشير الأمم المتحدة إلى أن عشرات الآلاف لقوا حتفهم ونحو 14 مليون مشردين منذ اندلاع الصراع على خلفية صراع السلطة بين قائد القوات المسلحة عبد الفتاح البرهان وزعيم قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”.
مبادرة الرباعية والبعد الإنساني
من جانب آخر، قدّم السفير الأمريكي جفري بارتوس أمام المجلس مقترحاً آخر يركز على التخفيف من الأزمة الإنسانية في السودان. وحث الجيش وقوات الدعم السريع على قبول تهدئة إنسانية اقترحتها الولايات المتحدة مع دول وساطة رئيسية (السعودية ومصر والإمارات) — ما بات يُعرف بـ “الرباعية” — كطريق عملي لتوصيل المساعدات وفتح قناة انتقال سياسي مدني.
ودعت الرباعية في بيان إلى هدنة فورية لمدة ثلاثة أشهر تقود إلى وقف دائم لإطلاق النار، وتؤمن وصول المساعدات للمدنيين وتؤسس لعملية سياسية انتقالية بقيادة مدنية. وقالت الرباعية في نوفمبر إن قوات الدعم السريع وافقت مبدئياً على هدنة إنسانية، إلا أن القتال استمر، وكان أعنفه في كردفان حيث قُتل ما لا يقل عن مئة مدني منذ أوائل ديسمبر وتعرض أكثر من خمسين ألف شخص للتشريد.
الحصيلة الإنسانية
تقول الأمم المتحدة إن الحرب أودت بحياة أكثر من 40 ألف شخص — بينما تحذر منظمات الإغاثة من أن الرقم قد يكون أعلى بكثير — وخلقت أكبر أزمة إنسانية في العالم مع انتشار الأوبئة والمجاعات في أجزاء من البلاد. ووصل نحو 1700 نازح داخلي، غالبيتهم من النساء والأطفال، إلى مخيم قرب كوستي في ولاية النيل الأبيض هرباً من تقدم قوات الدعم السريع في مناطق الاضطراب، وفق مسؤولين محليين. ونقل مراسل الجزيرة من المخيم أن الاحتياجات الأساسية غير كافية: “لا خيام كافية، ولا طعام كافٍ، ولا تجهيزات تكفي”.
“صنع في الداخل — وليس مفروضاً علينا”
وصف رئيس الوزراء الخطة بأنها «محلية الصنع وليست مفروضة علينا»، في إشارة واضحة إلى مبادرة الرباعية. وقد جاء ذلك قرب ختام جلسة مجلس الأمن، وسط غموض حول مستوى الدعم الذي حظيت به الخطة بين أعضاء المجلس. وعلى هامش الاجتماع أكّد رئيس الوزراء أن مقترحه واقعي وقابل للتنفيذ.
مواقف دولية متباينة
بدوره، أبدى السفير الإماراتي محمد أبو شهاب دعماً لاقتراح الرباعية للهدنة الإنسانية، معلناً أن ثمة فرصة فورية لتوصيل المساعدات إلى المدنيين في حاجة ماسة. وحذّر من أن الجهود الأحادية لأي من الطرفين لن تكون مستدامة وستطيل أمد الحرب وتفاقم الأزمة. كما أشار بعض أعضاء المجلس إلى مخاوفهم الخاصة بشأن قابلية تطبيق الخطة وضرورة ضمان آليات مراقبة فعّالة وتقديم المساعدات دون عوائق، في حين ظل مصير القبول من قبل أطراف النزاع غير محسوم. (ملاحظة: بعض التقارير تشير إلى بطء الاستجابة الدولية واللوجستية في إيصال الإغاثة إلى المناطق الأكثر تضرراً، أي مشكلات في الاستجبة).