في عام 1909 عاد الصحفي الفرنسي-التحول إلى رائد أعمال بيير-فرانسوا لارديه من رحلة إلى نيكاراغوا مصمماً على استنساخ مشروب تذوّقه هناك. وبعد خمس سنوات، في آب/أغسطس 1914، وُلدت علامة «بانانيا».
ظهر مشروب بودرة الموز بطعم الشوكولاتة في وقت وجدت فيه فرنسا نفسها في حالة حرب. وفي العام التالي ظهرت أولى صور تميمة العلامة: جندي أسود يرتدي الطربوش الأحمر، على ملصق دعائي. خلال الحرب العالمية الأولى حارب نحو 200 ألف جندي أفريقي فرنسا في جبهات أوروبا، وافريقيا واناضوليا، إذ جاؤوا من مستعمرات فرنسا في غرب ووسط افريقيا، وكثيرون منهم جُندوا قسرياً.
كان جندي بانانيا شبيهاً بجنود عُرفوا باسم «التيرايور» السينغاليين (rifilleurs) الذين كانوا يلبسون الطربوش الأحمر المميز. تأسس هذا السلاح في 1857 وسُمّي بذلك لأن أولى تجنيداته أتت من السنغال. اكتسب التيرايور شهرة لشجاعته، وأُرسِل بداية لخوض حروب الاستعمار في غرب ووسط افريقيا قبل أن يشارك في الحرب العالمية الأولى (1914–1918) وفي الثانية (1939–1945) حيث خدموا في فرنسا وشمال افريقيا والشرق الأوسط. قُدر أن ما لا يقل عن 30 ألف تيرايور لقوا حتفهم في الحرب الأولى، وحوالي 8 آلاف في الثانية.
في ملصق بانانيا يبدو التيرايور مبتسماً، جالساً على الأعشاب وبجواره وعاء من المسحوق وبندقية إلى جانبه. ابتسامته المبالغ فيها وسمات وجهه تختزل النماذج العنصرية الشائعة آنذاك التي ظهرت في اعلانات للشكولاتة والصابون وملمع الأحذية. وكان شعار الملصق «Y’a bon» — أي «C’est bon» بالفرنسية المبسطة التي كان يعلّمها الجنود المستعمرون — يكرّس الصورة الكاريكاتورية للإنسان الأفريقي «المرح» وبسيط التفكير. وأطلقت الشركة على التميمة تسمية «L’ami Y’a bon» — صديق «يا بون».
في ظل الحرب العالمية الأولى استثمر لارديه في هذه الصورة لاستدعاء مشاعر الوطنية والفخر بالإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية، لكنها في الوقت ذاته ساعدت على ترسيخ قبول الجمهور لوجود جنود أفارقة يقاتلون على التراب الفرنسي، وفقاً لساندرين لومير، مؤرِّخة ومشاركة في تأليف كتب حول الاستعمار الفرنسي. لم تكن بانانيا وحدها؛ فقد سعت السلطات الفرنسية أيضاً إلى تصوير جنودها الأفارقة باعتبارهم أوفياء وذوي مزايا عسكرية من خلال دعاية وبطاقات بريدية ومقالات صحفية.
وصف باب نداي، السياسي والمؤرخ، التيرايور بأنه «اختراع دعائي انتهازي من لارديه … جعل استهلاك بانانيا فعلًا شِبه وطني»، خلال محاضرة عام 2010 تناولت بانانيا والاضطهاد الاستعماري.
روّجت للعلامة أيضاً عبر قصص مصورة للأطفال يظهر فيها التميمة. في إحدى القصص يعود إلى وطنه من فرنسا حاملاً صندوقي بانانيا ليقدمهما لأفارقة يرتدون الأفيال. وفي كتيب مصوّر صدر عام 1933 يأخذ التميمة بانانيا إلى فرنسا ثم إلى جزر الأنتيل وغرناطة والجزر الكنارية ثم إلى الهند الصينية الفرنسية ليؤسس مزارع موز. في عشرينيات وثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي كانت بانانيا حاضرة في كل مكان: السينما، التغليف، هدايا ترويجية ودفاتر، بحسب خبير العلامات التجارية جان واتان-أوغوارد. وبين أواخر الثلاثينيات وبدايات الخمسينيات ضاعفت الشركة إنتاجها ثلاث مرات؛ كانت هذه سنوات بانانيا الذهبية قبل بزوغ نجم نيسكويك في الستينيات.
ظلّت التميمة متداولة في الإعلانات والتغليف ومقتنيات الجمع مثل الألعاب خلال القرن العشرين، لأنها عزّزت لدى الفرنسيين شعور الفخر بإمبراطوريتهم الاستعمارية وبـ«مساهمة رعاياهم» في المجهود الحربي، على حد قول إتيان أتشيل، أستاذ مشارك في الدراسات الفرنسية والفرنكوفونية بجامعة فيلانوفا.
متيّمة بتأثير إنهاء الاستعمار
لكن مع تصاعد حركات الاستقلال في مستعمرات فرنسا خلال خمسينيات وستينيات القرن العشرين، اهتزت بانانيا أيضاً. صار شعارها وتميمتها المبتذلة مرادفين للاستعمار والعنصرية؛ وصار التيرايور، بصفته مجبراً على القتال في صفوف فرنسا، تجسيداً للظلم الذي انتقدته الحركات المناهضة للاستعمار. كتب ليوبولد سيدار سنغور، الذي صار أول رئيس للسنغال عام 1960، في قصيدة مكرّسة للتيرايور عام 1948: «سأمزق ابتسامات بانانيا عن جميع جدران فرنسا».
وبعد سنوات أشار الفيلسوف والطبيب النفسي فرانتس فانون في كتابه «الجلد الأسود والأقنعة البيضاء» (1952) مراراً إلى «Y’a bon Banania» كمَثال على الطريقة التي تُرى بها السود في فرنسا عبر عدسة التنميطات العنصرية.
ومع ذلك بقيت التميمة، وإن بتعديلات. في 1967، ومع تحول الإعلانات إلى صور تبشيرية للحياة العصرية، تحوّلت إلى شكل مبسّط هندسياً: وجه مثلثي بُني اللون مع عيون كرتونية وطاقية حمراء على خلفية صفراء. لكن الشعار تقاعد عام 1977. في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي أدخلت بعض منتجات العلامة وجه طفل كرتوني بينما احتفظت منتجات أخرى بالتميمة.
في 2004، وبعد استحواذ شركة نوتريال الفرنسية على بانانيا ضمن مجموعة هولدينغ تُدعى نوتريمان، كشفت الشركة عن تميمة جديدة اعتُبرت «حفيد» تيرايور 1915، ووصفتها نوتريمان بأنها رمز للتنوّع واندماج المهاجرين الناجح في المجتمع الفرنسي. ورغم ذلك لم تختلف سماته النمطية كثيراً عن سلفه: ابتسامة مبتهجة وأسنان بيضاء وطربوش أحمر.
في العقود الأخيرة من القرن العشرين لم تستعد العلامة مكانتها المهيمنة واستمرت تفقد حصتها أمام منافسين مثل نيسكويك. واجهت صعوبات مالية وفقدت جاذبيتها لدى الأجيال الشابة. كما أوضح أتشيل: «كان عليهم الرجوع إلى عصر الذهب لإنقاذ الشركة. لم يكن أمامهم سوى خيار واحد: العودة إلى الشعار. قليل جداً من العلامات مرتبطة بشعارها بهذه القوة». هذه النسخة المتجددّة لعبت على فكرة التراكب: حين تراها يتبادر إلى ذهنك فوراً التيرايور القديم.
وقد لفت التصميم انتباه كتاب ونشطاء على منصة غريو (Grioo.com)، المنبر الإلكتروني للمجتمع الأسود الناطق بالفرنسية في أوروبا وافريقيا. «هل نحتمل أن نُصوَّر في 2005 بالطريقة نفسها التي صوِّر بها أسلافنا قبل تسعين عاماً؟» تساءل موقع غريو أمام قرائه، وأطلق عريضة إلكترونية ضد علامة بانانيا.
عواطف بن طاهر، مصممة جرافيك، أعادت تخيل عبوة مشروب شكل جزءاً من طفولتها، وقد نشرت تصاميمها البديلة كجزء من مشروعٍ شخصي يهدف إلى «إزالة الاستعمار» من الهوية البصرية للعلامة.
تراث مؤلم
ما يزال «الحفيد» يبتسم على صناديق بانانيا في متاجر فرنسا بعد أكثر من عقدين على ظهور الصورة لأول مرة.
بالنسبة إلى أشيل، تجسد حملات بانانيا غياب النقاش العام في فرنسا حول الاستعمار والعنصرية ما بعد الاستعمارية. يقول: «لا يمكن تفسير استمرار عمل بانانيا دون مساءلة إلاّ بتداخل الاستعمار في الثقافة الشعبية؛ في دولٍ أخرى، لم يكن ذلك ليُسمح به». متحدث باسم شركة نوتريماين امتنع عن الإدلاء بتصريح لهذا التقرير.
عواطف، البالغة من العمر 37 عاماً، نشأت وهي ترى بانانيا على رفوف السوبرماركت وتتناول المشروب أحياناً. تؤكد أن الشركة لم تفهم كيف يمكن لتراثها أن يؤذي شريحة واسعة من السكان. «أطفال فرنسا من أصول مهاجرة يرون في هذه الصورة التاريخ المؤلم للاستعمار والكفاح الذي نخوضه اليوم لنُعامل باحترام في مجتمع يصرّ يومياً على تذكيرنا بأننا فرنسيون «مختلفون»».
كمصممة وكامرأة فرنسية من أصول مغربية، تأمل عواطف أن تتطور بانانيا. كمشروعٍ شخصي، صممت عبوات بديلة «مُستعمرة لإيجاد لغة بصرية جديدة» بإزالة التميمة واعتماد عناصر مرحة كالعيون والابتسامة المستعارة من تصاميم سابقة.
تكتب في مدونتها أنها قررت إعادة تسمية العلامة ليس بدافع الكراهية بل من منطلق الإعجاب بإمكانات ما قد تصبح عليه: «العلامات التجارية جزء من حياتنا، سواء أحببنا ذلك أم لا. هذه العلامة كانت جزءاً من طفولتي، وأتمنى أن أراها تقف إلى جانب التاريخ الصحيح أخيراً.»
هذه المادة جزء من سلسلة «أشياء عادية، قصص غير عادية»، التي تكشف عن الحكايات المدهشة وراء أشياء مألوفة. من بين الموضوعات الأخرى في السلسلة: كيف أن مخترع القلعة النطاطة أنقذ أرواحاً؛ كيف واجه مشروب بيروفي شعبي كوكاكولا؛ كيف تحوّل ضحية غرق إلى رمز لإنقاذ الأرواح؛ كيف صنع حب أب وجائحة اسمًا مألوفاً في المنازل؛ وكيف أعاد النيجيريون ابتكار علامة إيطالية لمعجون الطماطم.