المرّة الأخيرة الآن — هذا هو اسم البطولة التي تنافس فيها 16 من عمالقة المصارعة ليصبح أحدهم الخصم الأخير في قتال جون سينا الختامي قبل اعتزاله.
النهائي صار اليوم — ليلة السبت في واشنطن العاصمة — لتُسدَّ الستارة على مسيرة بارزة جعلت من الأمريكي نجمًا من أكبر نجوم المصارعة وأكثرهم ربحًا.
منذ ظهوره الأوّل وحتى اليوم، أي خلال 8,570 يومًا، توّج سينا بسبعة عشر لقبًا عالميًا وخلّد شعاره الشهير «لا يمكنك رؤيتي»، لكن أثره يمتد إلى ما هو أبعد من إنجازات الحلبة.
من يسأل «من هو جون سينا؟» قد يتلقى إجابات متباينة: أسطورة في عالم WWE، ممثل ناجح، و«سيد» مؤسسة الميث-أ-ويش (المزيد عن ذلك لاحقًا).
كيف تشاهد مباراة سينا الأخيرة:
– وقت البدء: برنامج Saturday Night’s Main Event من WWE من المقرر أن يبدأ الساعة 01:00 بتوقيت غرينتش فجر الأحد 14 ديسمبر.
– أماكن العرض: في المملكة المتحدة يُمكن مشاهدتها مجانًا عبر القناة الرسمية لـWWE على يوتيوب؛ دوليًا تُعرض على نتفليكس، وفي الولايات المتحدة على بيكوك.
تطوّر شخصيّة المصارع
منذ ظهوره عام 2002 شهدت شخصية سينا تحوّلات متعددة: من مبتدئ يحمل «عدوانية بلا رحمة»، إلى رابٍ تحت اسم «دكتور ثوجانوميكس»، ثم إلى البطل الأخلاقي المعروف بشعار «لا تستسلم أبدًا». ورغم انتقادات بعض المشجعين لمستوى تدريبه داخل الحلبة، وحتى هتافات «لا تستطيع المصارعة» في بعض الأحيان، يؤكد براندون ثورستون، محرر ومالك موقع Wrestlenomics، أنه «لا شك في أنه موهبة مصارعية استثنائية».
ثورستون يرى أن سنة 2005 مثّلت نقطة فاصلة، إذ دخلت WWE عصرًا أكثر ضبطًا وودّية للعائلة، لكن سينا تمكن من الازدهار خلال هذه الحقبة، وصار أهم عنصر جذب تجاري من نحو 2005 حتى حوالي 2015، سواء من حيث مبيعات السلع أو عائدات العروض المدفوعة أو نسب المشاهدة للبرامج التلفزيونية.
القرار وعلى من ارتكز
مع تراجع حضور نجوم مثل ذا روك وستون كولد ستيف أوستن كمؤدين متفرغين، كانت الإدارة تبحث عن نجم جديد، ويُعتقد على نطاق واسع أن القرار النهائي بتعزيز سينا كبطل جاء من رئيس مجلس إدارة WWE آنذاك فينس مكمان، الذي راجع قدرة سينا على مخاطبة الجمهور، وقابليته التسويقية، وإمكانية بقائه في الصناعة بما يضمن ربحًا.
تأثيره خارج الحلبة
حين بدأ سينا تقليص نشاطه في الحلبة عام 2015 شعر البعض بتراجع جودة المنتج، فيما يرى آخرون أن وجوده عبر السنوات ساعد في تباطؤ هبوط نسب المشاهدة التي شهدت انخفاضًا بين 2010 و2015. أما د. جيليان بروكس، أستاذة التسويق بمدرسة كينغز للأعمال، فتقول إن سينا لم يكتفِ بأن يكون مصارعًا ناجحًا فحسب، بل بنى علامة شخصية تبدو حقيقية ومقنعة.
الالتزامات الإنسانية والعلامات التجارية
من بين التعاونات التجارية التي خاضها سينا كانت حملته مع نيتروجينا لمستحضرات الحماية من الشمس، بعد كشفه عن بقع جلدية ناجمة عن سرطان جلدي نسبها إلى إهماله السابق في التعرض للشمس. كما يحمل الرقم القياسي في موسوعة غينيس لعدد الأمنيات التي حققها عبر مؤسسة Make-A-Wish، بأكثر من 650 أمنية مُنفَّذة — شراكة وصفها بأنها بدأت «بالصدفة» وظلّت مستمرة منذ 2002 لأنها «أروع تجربة».
مدى المكانة في القاعدة الجماهيرية
مؤيدوه من المشجعين يذكرون أنه استطاع أن يحافظ على شخصية البطل الطيب بغض النظر عن مدى تقلب آراء الجمهور، وأن كاريزما سينا وطول فترة بقائه في المشهد جعلت الناس يكتسبون احترامًا متزايدًا تجاهه، ليس فقط كمؤدي، بل كإنسان أيضًا. أحدهم قال إن متابعة مسيرته لأكثر من عقدين في صناعة تُرهق الجسد بهذه النمطية تُعد أمرًا مذهلاً، بينما ترى أخرى أن قدرته على الحفاظ على حضور قوي وشخصية متماسكة هي ما أبقاه في القمة.
نقطة البداية
ظهر سينا لأول مرة في مواجهة كورت أنجل على حلقة من سماك داون في يونيو 2002، ومن تلك اللحظة بدأ مسار أفرز واحدًا من أبرز الوجوه في عالم المصارعة الحديثة. كذالك، يبقى السؤال عن الإرث الذي يتركه سينا — إرثٌ يجمع بين الإنجازات الرياضية، والحضور الإعلامي، والعمل الإنساني — محور نقاش سيستمر طويلاً بعد إسدال الستارة على ليلته الختامية. امريكياً، سيُذكر كأحد القلة الذين حولوا الرياضة إلى علامة تجارية عالمية. أعماله الخيرية وكتابه الموجّه للأطفال ومشاركته في الأفلام وتجاربه الموسيقية كلها عناصر تُظهِر أنه أكثر من مجرد نجم مصارعة واحد؛ إنها دلائل على تنوّع مساره وصدق شخصيته. ما يقدّمه يُنقل بطريقة تبدو أصيلة ونقية إلى حدّ كبير، تعكس من هو على حقيقتها.
شخصية سينا العامة وكاريزمته مرشّحتان للاستمرار في الذاكرة الجماهيرية، لكن مسيرته داخل الحلبة تبدو وكأنها تقترب من نهايتها بعد إعلانه العام الماضي أن عام 2025 سيكون آخر مواسمه كمنافس. وفي 2015 بلغ سينا محطة هامة عندما حقّق الخمسميئة في تحقيق الأمنيات.
جولة الاعتزال
عزا سينا قراره إلى الأثر البدني الكبير الذي خلّفته المصارعة على جسده؛ فقد خضع لعمليات جراحية متعدّدة شملت الرقبة وعضلات الصدر والعضلة ثلاثية الرؤوس، وقال في مقابلات إن جسده “يؤلمه” وأنه “يصرخ لإغلاق هذا الفصل”. ورغم مقولة “لا تقل أبداً”، فقد كرّر أنه سيكون “منهياً بنسبةٍ مئة بالمئة”، واستقبلت ظهوره الأخير توديعياً حاراً في مدن متعدّدة حول العالم.
من وجهة نظر أحد المشجعين، جو، فإنّ ما سُمّي بجولة الاعتزال قدّم ميزات فريدة؛ إذ شهدت مواجهات مع خصوم قدامى مثل أيه جي ستايلز وراندي أورتن وسي إم بانك، ومع نجومٍ جدد أمثال دومينيك ميستريو وغونتر. ومع ذلك، يرى جو أن التنفيذ العام للسنة الختامية كان يمكن أن يكون أفضل، مشيراً إلى تحول سينا المؤقت إلى دور الخصم في حدث Elimination Chamber في مارس الذي لاقى انتقادات.
«كان يمكن التعامل معه بشكلٍ أفضل»، يقول جو. «لكنه اختبر تميّزاً لم يختبره أحد من قبل بجولة اعتزال بهذا الشكل الفريد. من المحزن رؤيته يعتزل الآن، لكن أعتقد أنه قالها بنفسه — الوقت مناسب.»
لا يعني ذلك أن جماهير WWE لن ترَ سينا ثانيةً؛ فقد وقع عقداً لخمس سنوات كسفير للشركة. وبعد فوزه في بطولة “المرّة الأخيرة هي الآن”، سيكون خصمه في النزال الختامي هو البطل السابق للوزن الثقيل العالمي غونتر. وبما أن الحدث لن يُبَثّ على التلفزيون الأرضي بل على منصات البث المباشره، تردّدت أنباء عن عدم وجود حد زمني للمباراة — وغونتر، الذي لم يواجه سينا من قبل، لم يَكفّ عن إطلاق تحدّيات قاسية.
شيء واحد مؤكد: قد تكون عبارته الاستفزازية “لا تستطيع رؤيتي” جزءاً من لعبته النفسية، لكن النزال الأخير سيُشاهَد وسيُحفظ في ذاكرة الكثيرين.
جون سينا ينفّذ ضربة “فايف ناكل شافل” على أيه جي ستايلز في بيرث، أستراليا.