في الأيام الأخيرة، ومع اقتراب مجلس النواب الأميركي من التصويت المحتمل على الإفراج عن ملفات جيفري إبستاين، تراجع الرئيس دونالد ترامب عن موقفه السابق تجاه هذه القضية المثيرة للجدل.
سابقاً سعى ترامب وأعضاء في إدارته إلى تقويض جهود الكشف عن ملفات المدان بجرائم جنسية، وكان ترامب متهاوناً في الحديث عن القضية، واصفاً إياها في يوليو بأنها «أمر ممل إلى حدّ ما» وراجعاً إياها مراراً كـ«خدعة ديمقراطية». ثم، في 16 نوفمبر، دعا الجمهوريين في مجلس النواب إلى التصويت لصالح الإفراج عن الملفات — تحوّل جاء بعد أن جمع مشرعون توقيعات كافية في عريضة لإجبار المجلس على التصويت، إذ حشدت العريضة 218 توقيعاً في 12 نوفمبر، ومن المتوقَّع أن يصوّت المجلس على مشروع القانون هذا خلال الأسبوع نفسه. وكان يُعتقد سابقاً أن تمرير تشريع من هذا النوع في مجلس الشيوخ أمراً غير مرجح؛ ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان تصريح ترامب الأخير سيؤثر على موقف أعضاء الشيوخ.
خلفية سريعة
في التسعينيات تحرّك إبستاين وترامب في دوائر اجتماعية متقاربة، وحضرا معاً حفلات في مار-أ-لاجو، ناد ترامب الخاص في بالم بيتش بفلوريدا، والتقطت لهما عدة صور اجتماعية. ثم وقع بينهما فتور عُدّ تاريخ بدايته إلى أواخر 2007 لدى بعض المراسلين.
حقق مكتب مدّعي مقاطعة بالم بيتش في إبستاين بعد تقارير تفيد بتعرّض فتاة تبلغ من العمر 14 عاماً للتحرّش في قصره. وفي 2008 أقام إبستاين صفقة ادعاء بالذنب في محاكمة على مستوى الولاية تتعلق بالتحرّش ببغاء — عفوا — استدراج قاصرة للدخول في دعارة، وتلقّى معاملة تفضيلية أثناء التحقيق الجنائي وقضى نحو عام في السجن بمعظمها على نظام الإفراج العملي للعمل.
في 2018 نشرت صحيفة تحقيقاً موسعاً، ثم أُلقي القبض على إبستاين في العام التالي بتهم فيدرالية تتعلق بتجنيد عشرات الفتيات القاصرات في منزله بمدينة نيويورك ومقره في بالم بيتش خلال الفترة 2002–2005 لممارسة أعمال جنسية مقابل أجر. عُثر عليه ميتاً في زنزانته بنيويورك في 10 أغسطس 2019، وخلص المحققون إلى أن الوفاة كانت انتحاراً.
لماذا تغيّر موقف البيت الأبيض؟
سألنا متحدثة البيت الأبيض عن سبب تغيير موقف ترامب. قالت المتحدثة أبيغيل جاكسون في بيان إن «الرئيس ترامب ظل يدعو باستمرار إلى الشفافية بشأن ملفات إبستاين لسنوات — من خلال الإفراج عن عشرات الآلاف من الصفحات، والتعاون مع طلب لجنة الرقابة في مجلس النواب لاستدعاء المستندات»، كما طالبت بفتح تحقيقات في «أصدقاء إبستاين من الديمقراطيين».
ماذا قال ترامب في 2024 و2025؟
أثناء حملته في 2024، وفي مقابلة حزتمية في يونيو، سئل ترامب عما إذا كان سيُصنّف ملفات متعددة ويفصح عنها، ومن بينها ملفات إبستاين. أجاب بلا تردد بأنه «نعم، سأفعل ذلك». انتشر مقطع المقابلة على وسائل التواصل وشاركه فريق حملته.
خلال نقاش لاحق على بودكاست في سبتمبر 2024 قال إنه «سينظر بالتأكيد» في بعض وثائق إبستاين وأضاف أنه يميل إلى الإفصاح وأنه «لا يمانع» ذلك.
في 2025 كان له موقف أكثر استهانة بالملفات في عدة مناسبات. في بدايات الإدارة الثانية، أعلن مسؤولون مثل المدّعية العامة بام بوندي وكاش باتيل دعمهم لطرح تلك الملفات، وأطلقت بوندي ما وصفتها «المرحلة الأولى» من «الملفات المصنفة» لمؤثرين محافظين، لكنها شملت في جوهرها مستندات كانت قد نُشرت سابقاً.
في 12 يوليو نشر ترامب على منصته تعبيرات عن استيائه من الملفّات، وفي 15 يوليو صرح على عشب البيت الأبيض بأن الملفات «اختلقها كومي، اختلقها أوباما، اختلقها بايدن» — وقد قيَّم المحققون ذلك بأنه ادعاء كاذب تماماً. طالب ترامب بأن يركّز مكتب التحقيقات الفيدرالي على قضايا أخرى كالاحتيال الانتخابي، وقال إنه لا ينبغي «إهدار الوقت والطاقة على جيفري إبستاين، شخص لا يهتم به أحد».
في مقابلات لاحقة قال إن التحقيقات جرت «ومن الممكن أن يتم نشر أي شيئٍ موثوق»، لكنه وصف القضية في وقت آخر بأنها «خدعة ديموقراطية» تهدف لصرف الانتباه عن نجاحات الحزب الجمهوري.
التحول الأخير في نوفمبر
ظهر ترامب داعماً لإفادة الملفات بعد أن بدا أن مجلس النواب يسير في ذلك الاتجاه. وفي 12 نوفمبر أطلقت لجنة الرقابة في المجلس نحو 20 ألف صفحة من مستندات من تركة إبستاين. وجه ترامب المدعين بالتحقيق في ديمقراطيين ودعا الجمهوريين للتصويت لصالح الإفراج عن الملفات، وغرّد مطالباً وزارة العدل بالتحقيق في علاقة إبستاين بيث كلينتون. ومع ذلك، عادةً لا يُفرَج عن ملفات أثناء تحقيق جارٍ، وما إذا كانت وزارة العدل ستحجب أجزاءً حتى لو صوت الكونغرس للإفراج يبقى أمراً غير محسوم.
عند سؤاله في 14 نوفمبر قال ترامب «لا يهمني إن أُطلقت أم لا». وبعد يومين، في 16 نوفمبر، كتب أن «الجمهوريين في مجلس النواب يجب أن يصوّتوا للإفراج عن ملفات إبستاين، لأن ليس لدينا ما نخبئه، وحان الوقت للانتقال من هذه الخدعة الديمقراطية التي نفذها متشددو اليسار من أجل صرف الانتباه عن النجاح الكبير للحزب الجمهوري…» — كلمات تُظهر كيف أن موقفه تحوّل استراتيجياً مع تبلور مسار الكونغرس.
ملاحظات ختامية
المسألة لا تقتصر على موقف سياسي فوري؛ فهي تثير أسئلة عملية وقانونية حول السرية أثناء التحقيقات الجارية، وحول مدى الإفصاح الكامل عن المستندات التي قد تضم أسماء أشخاص لم يُدانوا. وستبقى نتائج تصويت مجلس النواب وموقف مجلس الشيوخ وقرار وزارة العدل محورية في تحديد مصير هذه الملفات والآثار السياسية والقانونية المترتبة عليها.