كيف حافظ بوتين على ولاء المليارديرات الروس خلال الحرب

فيتالي شيفتشينكو — محرر رصد روسيا في بي بي سي
أليكسي نيكولسكي/سبوتنيك/وكالة فرانس برس

استدعى بوتين زعماء الأعمال إلى الكرملين في اليوم نفسه الذي أصدر فيه أمر الغزو الشامل لأوكرانيا.

خلال الحرب مع أوكرانيا بلغ عدد المليارديرات في روسيا مستوى قياسياً. لكن خلال خمسة وعشرين عاماً من حكم فلاديمير بوتين فقد الأثرياء والنافذون في روسيا — المعروفون بالأوليغارشيين — معظم نفوذهم السياسي تقريباً.

كل هذا يصبّ في صالح الرئيس الروسي. العقوبات الغربية لم تستطع تحويل الأثرياء الفاحشي الثراء إلى معارضين له، وسياسات العصا والجزرة التي انتهجها جعلتهم مؤيدين صامتين.

أوليغ تنكوف، الذي كان مصرفياً ومليارديراً سابقاً، يعرف تماماً كيف تعمل العصا. بعد يوم واحد من انتقاده للحرب واصفاً إياها بـ«الجنون» في منشور على إنستغرام، تواصل الكرملين مع مدرائه. قيل لهم إن بنك تينكوف، ثاني أكبر بنك في روسيا آنذاك، سيُؤمَّم إن لم تُقطع كل الصلات بمؤسسه.

«لم أستطع أن أُجري مفاوضات بشأن السعر،» قال تينكوف لصحيفة نيويورك تايمز. «كان الوضع أشبه بخطف — تأخذ ما يُعرض عليك. لم أستطع التفاوض.»

في غضون أسبوع، أعلنت شركة مرتبطة بفلاديمير بوتانين — الذي يحتل حالياً مرتبة خامسة بين أغنى رجال الأعمال في روسيا ويزوّد محركات المقاتلات بالنيكل — أنها ستشتري البنك. بيعت الصفقة بنسبة لا تتجاوز 3% من قيمته الحقيقية، وفقاً لتصريح تينكوف.

في النهاية خسر تينكوف ما يقرب من 9 مليارات دولار وغادر روسيا.

خسارة تينكوف للمليارات ومغادرته روسيا بعد انتقاده الحرب ضد أوكرانيا تُظهر اختلاف الواقع عما كان عليه الحال قبل وصول بوتين إلى سدة الرئاسة.

في السنوات التي تلت تفكك الاتحاد السوفيتي أصبح بعض الروس أثرياء بشكل خرافي عبر استحواذهم على مؤسسات عملاقة كانت مملوكة للدولة سابقاً واستغلالهم لفرص رأسمالية ناشئة في بلادهم. ثرواتهم المكتسبة حديثاً منحتهم نفوذاً وقوة خلال فترة اضطراب سياسي، فأُطلق عليهم لقب الأوليغارشيين.

يقرأ  صفقة بقيمة ٥٥ مليار دولارصندوق سعودي وشركة كوشنر يستحوذان على شركة الألعاب «إلكترونيك آرتس»

أقوى أوليغارشي في روسيا، بوريس بيريزوفسكي، ادّعى أنه نسّق صعود بوتين إلى الرئاسة عام 2000، وبعد سنوات ناشد بالغفران على ذلك: «لم أر فيه ذلك الطاغية الجشع المستبد الذي سيدهس الحرية ويعوق تطور روسيا،» كتب في 2012.

قد يكون بيريزوفسكي بالغ في مبالغة دوره، لكن أوليغارشية روسيا كانت قادرة بالتأكيد على تحريك خيوط السلطة في أعلى المستويات.

بعد أكثر من عام على اعتذاره، وُجد بيريزوفسكي ميتاً في ظروف غامضة أثناء منفاه في المملكة المتحدة. وبحلول ذلك الوقت كانت الأوليغارشية الروسية قد ماتت هي الأخرى عملياً.

لذلك، عندما جمع بوتين أغنى رجال روسيا في الكرملين بعد ساعات فقط من إصداره أمر الغزو الشامل لأوكرانيا في 24 شباط/فبراير 2022، لم يكن أمامهم شيء يذكر ليعترضوا به، رغم علمهم بأن ثرواتهم ستتكبد ضربة قاسية.

«آمل أن نواصل في هذه الظروف الجديدة العمل معاً بنفس الكفاءة أو أقل قليلاً،» قال لهم.

وصف أحد الصحفيين الحاضرين اللقاء بأن المليارديارات المجتمعين كانوا «شاحبي الوجوه ومحرومين من النوم». (ملاحظة: هنا وقع سهو في كتابة كلمة أحد المترجمين)

فترة ما قبل الغزو كانت سيئة للغاية بالنسبة لمليارديرات روسيا، وكان ما تلاها مباشَرةً أسوأ. بحسب مجلة فوربس، انخفض عددهم من 117 إلى 83 في السنة المنتهية في أبريل 2022 بسبب الحرب والعقوبات وضعف الروبل. فقدوا مجتمعين 263 مليار دولار — ما يعادل فقدان نحو 27% من ثرواتهم في المتوسط لكل واحد منهم.

لكن السنوات التالية أظهرت أن الانخراط في «اقتصاد حرب» بوتين يمكن أن يجلب فوائد هائلة. الإنفاق الباذخ على الحرب دفع بنمو اقتصادي يتجاوز 4% سنوياً في روسيا عامي 2023 و2024، وكان ذلك مفيداً حتى لأولئك بين الأثرياء الذين لم يجنوا المليارات مباشرة من عقود الدفاع.

يقرأ  مجلة جوكستابوزنظرة إم زائد بي على التصوير الفوتوغرافي لمايك برودي

في 2024، شارك أكثر من نصف المليارديرات الروس إما في تزويد الجيش أو استفادوا من الغزو، بحسب جاكomo توغنيني من فريق ثروات فوربس. «وهذا لا يشمل حتى من ليسوا متورطين مباشرة ولكنهم يحتاجون لعلاقة ما مع الكرملين. وأظن أنه من العدل القول إن أي شخص يدير عملاً في روسيا يحتاج لعلاقة مع الحكومة،» قال للبي بي سي.

شهد هذا العام أكبر عدد على الإطلاق من المليارديرات الروس — 140 اسماً في قائمة فوربس. بلغت قيمتهم المشتركة 580 مليار دولار، أي أقل بمقدار 3 مليارات فقط عن أعلى مستوى سجل قبل الغزو.

بينما سمح بوتين للموالين له بالاستفادة مالياً عقاباً لآخرين، فقد عاقب باستمرار من رفض الانصياع. يتذكر الروس جيداً ما حدث لعملاق النفط ميخائيل خودوركوفسكي؛ الذي كان أغنى رجل في روسيا وقضى عشر سنوات في السجن بعد تأسيس منظمة مؤيدة للديمقراطية في 2001.

منذ الغزو، بقي تقريباً كل الأغنياء الضخام صامتين، وأولئك القلائل الذين عارضوا علناً اضطروا إلى مغادرة بلادهم والتخلي عن جزء كبير من ثروتهم.

أغنى الروسيين هم جزء أساسي من جهود بوتين الحربية، والعديد منهم، بمن فيهم 37 شخص أعمال استدُعوا إلى الكرملين في 24 فبراير 2022، تعرضوا لعقوبات غربية. لكن إذا كان الهدف الغربي هو إذلالهم مالياً ودفعهم للانقلاب على الكرملين، فقد أخفقت، بالنظر إلى استمرار ثرواتهم وغياب المعارضة بينهم.

لو فكّر أي منهم في الانشقاق إلى الغرب ومعه ملياراته، فقد جعلت العقوبات ذلك مستحيلاً. «فعل الغرب كل ما في وسعه لضمان تجمع المليارديرات الروس حول العلم،» يقول ألكسندر كولياندر من مركز تحليل السياسات الأوروبية (CEPA). «لم يكن هناك خطة، ولا فكرة، ولا مسار واضح لأي منهم ليقفز السفينة. جُمدت الأصول، وحُظرت الحسابات، وصودِرت الممتلكات. كل ذلك ساعد بوتين عملياً على تعبئة المليارديرات وأصولهم وأموالهم لاستخدامها في دعم اقتصاد الحرب الروسي.»

يقرأ  من جنون وسائل التواصل إلى إعماء الأطفال: كيف تحوّل مفرقع يدوي في الهند إلى كارثة

خلق خروج الشركات الأجنبية بعد الغزو فراغاً ملأه سريعاً رجال أعمال موالون للكرملين سُمح لهم بشراء أصول مربحة جداً بثمن بخس. هذا أسفر عن «جيش جديد من الموالين المؤثرين والنشطين»، كما تجادل ألكسندرا پروكوپنكو من مركز كارنيغي لروسيا وأوراسيا.

«رفاهيتهم المستقبلية تعتمد على استمرار المواجهة بين روسيا والغرب،» وتضيف أن أسوأ ما يخشونه هو عودة المالك السابق، بحسب قولها.

في عام 2024 وحده ظهر 11 مليارديراً جديداً في روسيا بهذه الطريقة، وفقاً لجاكomo توغنيني.

رئيس روسيا حافظ على قبضة محكمة على الفاعلين الرئيسيين في البلاد، على الرغم من الحرب والعقوبات الغربية — وفي بعض النواحي بفضلها.

أضف تعليق