دعوة ترامب وتجدد التأييد الأوروبي
عندما دعا رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب نظيره الاوكراني فولوديمير زيلينسكي لإجراء محادثات في البيت الأبيض يوم الإثنين، سارعت قيادات أوروبية إلى واشنطن لتأييده والوقوف إلى جانبه كإشارة دعم واضحة. اللقاء السابق بين ترامب وزيلينسكي في فبراير في المكتب البيضاوي لم يأتِ بنتائج جيدة للرئيس الأوكراني، إذ تعرّض هناك للتوبيخ واللوم بشأن الحرب في أوكرانيا التي اندلعت فعلياً على يد روسيا في فبراير 2022.
الخلفية والرهانات
القادة الأوروبيون أرادوا ضمان أن تُؤخذ مصالح كييف بعين الاعتبار بعد استقبال ترامب الحافل بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في محادثات ألاسكا. ومن ثم بدا أن ملف ضمانات الأمن الأوكراني ظهر كأحد المحاور الرئيسة للنقاشات في البيت الأبيض، حيث استبعد ترامب انضمام أوكرانيا إلى الناتو لكنه عرض دوراً أميركياً في أمن البلاد، مكرراً أن الدول الأوروبية ستكون «خط الدفاع الأول».
ماذا قال ترامب؟
قال ترامب للصحفيين إن «هناك الكثير من العون عندما يتعلق الأمر بالأمن»، مشيراً إلى الدور الأميركي في حماية أوكرانيا، وأضاف أن دولاً أوروبية ستشارك في تقديم تلك الضمانات. وخلال قمة حضرها زيلينسكي ومجموعة من الحلفاء الأوروبيين قال ترامب: «لدينا أشخاص ينتظرون في غرفة أخرى الآن، إنهم كلهم من أوروبا… أكبر الشخصيات في أوروبا. ويرغبون في تقديم الحماية. هم يشعرون بقوة تجاه ذلك، وسنساعدهم». وكرر أن «هم خط الدفاع الأول لأنهم موجودون هناك، لكننا سنعينهم».
ماذا قال زيلينسكي؟
نشر زيلينسكي على منصة X ملخصاً عن لقائه مع ترامب واصفاً قضايا الأمن بأنها «قضية محورية، نقطة انطلاق نحو إنهاء الحرب». وأعرب عن تقديره للإشارة المهمة من الولايات المتحدة بشأن استعدادها للدعم والمشاركة في تلك الضمناات، لكنه لم يحدد ماهية الضمانات. وعندما سأله صحفي عن الضمانات التي تحتاجها أوكرانيا رد باختصار: «كل شيء». ثم قال لاحقاً للصحفيين إن الضمانات ستُصاغ «ورقياً خلال الأسبوع إلى عشرة أيام القادمة»، مضيفاً أن مستشاري الأمن القومي على تواصل دائم الآن. كما أعلن زيلينسكي منفصلاً أن أوكرانيا ستشتري أسلحة أميركية بقيمة تسعين مليار دولار.
ما الذي قد تتضمنه الضمانات الأمنية؟
تتنوع أشكال الدعم الممكنة لأوكرانيا بين وعود مكتوبة — التي تحمل مخاطر أن تكون بلا تأثير كما حدث في مذكّرة بودابست 1994 عندما تعهّدت روسيا باحترام سيادة أوكرانيا لكنها لم تلتزم — وبين نشر قوات غربية على الأرض كوسيلة لردع مزيد من العدوان الروسي. من بين الخيارات المطروحة إرسال قوات حفظ سلام على الأرض لدعم الجيش الأوكراني، لكن هذه الإمكانية ظلت حتى الآن مُستبعدة بثبات من قبل الولايات المتحدة، ومن قبل دول أوروبية دون دعم أميركي.
في مارس أعلن كير ستارمر عن «تحالف الراغبين» لوضع خطة سلام لوقف الحرب في أوكرانيا؛ تحالف مؤقت من دول متطوّعة قد يقدم ضمانات أمنية لضمان نهاية النزاع. لم يوضح ستارمر إن كانت هذه المجموعة ستستمر في تقديم الضمانات بعد انتهاء الحرب أو إن كانت ستضع قوات على الأرض.
المعوقات والاعتبارات الاستراتيجية
استشهدت روسيا بطموح كييف للانضمام للناتو وتوسّع الحلف شرقاً كأحد أسباب بدء الحرب. ومنذ الغزو الروسي دفعت أوكرانيا بقوة نحو عضوية الناتو التي كانت ستمنحها حماية وفق المادة الخامسة من ميثاق الحلف، التي تعتبر أي هجوم مسلّح على عضو واحد هجوماً على الجميع. ومع ذلك، لا تزال عضوية أوكرانيا في الناتو معطلة حالياً؛ وقبل القمة قال ترامب إنه «لن يكون هناك دخول أوكرانيا إلى الناتو» كجزء من أي اتفاق لوقف إطلاق النار.
قالت مارينا ميرون، باحثة ما بعد الدكتوراه في دراسات الدفاع بكلية كينجز في لندن، لقناة الجزيرة إن لغة ترامب كانت غامضة بوضوح لأن الإدارة الأميركية لا تبدو مستعدة فعلياً للانخراط المباشر. كذلك أعرب خبراء مثل كير جايلز من تشاتام هاوس عن أن الدعم قد يتراوح بين تعهدات مكتوبة وتقوية عسكرية فعلية تشمل نشر قوات غربية.
موقف الوسيط الأميركي وتصريحات أخرى
أفاد مبعوث ترامب الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، لوكالة CNN أن روسيا وافقت على السماح للولايات المتحدة وأوروبا بـ«تقديم لغة شبيهة بالمادة الخامسة فعلياً لتغطية ضمان أمني» لأوكرانيا. لكن الموقف العملي يبقى معقوداً على تردد الحلفاء ورفض البعض لنشر قوات برية.
الخيارات القادمة وصعوبة القرار الأوكراني
ترى ميرون أن ترامب سيضغط باتجاه صفقة سلام تُشير إلى أن استعادة الأراضي المحتلة عسكرياً أمراً غير مرجح، مما يضع أوكرانيا أمام معضلة صعبة: إما الاستمرار في القتال مع مخاطرة خسارة أراضٍ إضافية أو قبول الوضع القائم بالمقابل الحصول على ضمانات قد تكون محدودة وبدون عضوية في الناتو. وإذا عادت روسيا للعدوان فلا وضوح حول ما إذا كانت دول الناتو ستتدخل فعلياً، إذ يبدو أن الحلف غير راغب في المواجهة المباشرة مع موسكو.
المسار المقبل
لا تزال بوادر اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا غائبة. بعد قمة البيت الأبيض قال ترامب إنه تحدث مع بوتين ويجري ترتيبات لعقد لقاء بين بوتين وزيلينسكي، وأكد زيلينسكي استعداده للقاء القائد الروسي بشكل ثنائي. وفي خطة طرحها ترامب على منصة «تروث سوشيال» أوضح أن ثمّة موعداً ثنائياً بين زيلينسكي وبوتين يتبعه اجتماع ثلاثي مشترك مع ترامب. وفي الوقت نفسه يعتزم ستارمر استضافة اجتماع افتراضي لتحالف الراغبين لبحث خارطة طريق للسلام.