بمنح جائزة نوبل للسلام إلى ماريا كورينا ماتشادو، يكون اللّجنة قد كرّست فعليًا رؤية ترامب التي تصوّر القوة والتدخّل باسم «السلام».
بقلم: ستيف ستريفلر
ستيف ستريفلر مدير مركز موارد العمل وأستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة ماساتشوستس–بوسطن.
نُشر في: 16 أكتوبر 2025
رغم أن البيت الأبيض سارَع إلى توجيه لائحة اتهام إلى لجنة نوبل متّهمًا إيّاها بوضع «السياسة فوق السلام» بعد أن لم تُمنح الجائزة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فقد كان من المربح للإدارة أن تُمنح الجائزة لماتشادو. فترامب وماتشادو نفس القماشة السلطوية اليمينية، وهذا يفسّر جزئيًا تهنئة الرئيس السريعة لها، وتخصيص ماتشادو بدورها جائزتها له.
بصفتها زعيمة للمعارضة اليمينية المتشددة في فنزويلا، دافعت ماتشادو عن نموذج سلام سعى منذ أكثر من ربع قرن إلى تقويض ديمقراطية وسيادة البلاد. ففي عام 2002 شاركت في بلورة محاولة انقلابيّة ضد هوغو تشافيز، الذي كان رئيسًا منتخبًا ديمقراطيًا آنذاك. وبعد فشل المحاولة لم تكلّ؛ بل عملت على بناء معارضة تُركّز هدفها الأساس على إنتاج فوضى سياسية واقتصادية تُضعف الحكومة الفنزويلية وتُعيد البلاد إلى حكم الأوليغارشية. شمل ذلك تعبئة حشود عنيفة لإغلاق الشوارع، واستهداف الخصوم، وإحداث فوضى في الاقتصاد الوطني، وترهيب شرائح واسعة من السكان. وفي تطوّر أخطر، طالبت ماتشادو—والأمر يتناقض مع أي معنى تقليدي للسلام—رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بأن يقصف فنزويلا في محاولة «لتحريرها»، بينما هي تُعلن دعمها العلني لسياسات إسرائيل في غزة التي يصفها كثيرون بأنها إبادة جماعية.
صعود ماتشادو على الساحة الدولية رافقه دومًا ترييسِر من التغطية الإعلامية والسياسية الغربية التي صاغت صورتها كمقاتلة من أجل الحرية بدلاً من أن تُصوّرها كقوة مُزعزعة للاستقرار. لقد جرى تنميق صورتها لتروق لأميركا وأوروبا، حيث يستولي اليمين الشعبوي على شعارات «تجديد الديمقراطية». وبمنحها جائزة نوبل للسلام، ساعدت اللجنة في تبييض تلك الصورة وتعزيز السردية القائلة بأن الغرب وحده من يقرّر ما هو «الديمقراطي» المشروع.
المأساة في منح الجائزة لماتشادو ليست مجرّد خطأ في التقدير—وهو خطأ ارتكبته اللجنة مرات سابقة—ولا يقتصر الأمر على أن التغطية الإعلامية السائدة كانت إلى حدّ كبير غير نقدية؛ بل إن منح نوبل لماتشادو فتح بابًا علنيًا أمام ترامب لمواصلة، بل وتكثيف، التدخّل العسكري وسياسة زورق المدافع في أميركا اللاتينية. وبالنسبة لفنزويلا، هذا يعني أن تغيير النظام العنيف صار خيارًا جديًا مطروحًا على الطاولة.
بل إن ماتشادو نفسها ألمحت إلى أن الاهتمام الدولي الذي سيجلبه نوبل قد يؤدي إلى ازدياد التدخّل في فنزويلا، وهو ما كرّره كُتّاب رأي في صحف كبرى. ولا ينبغي أن يفاجئنا ذلك، إذ إن ماتشادو شجّعت جهود ترامب الجانبية وغيرِ قانونية «لمكافحة تهريب المخدّرات»، ورحّبت بتهديداته الدورية بالغزو، ودافعت عن عقوبات دولية خنقت الاقتصاد الفنزويلي وأسفرت—بحسب تقديرات متعدّدة—عن موت مئات الآلاف من المواطنين بسبب تدهور الخدمات والمعيشة.
وتدلّ التطوّرات الأخيرة على أن هذا التحذير لم يكن مبالغًا فيه. فقد كشفت نيويورك تايمز هذا الأسبوع أن إدارة ترامب أذنت بعمليات سرّية لوكالة المخابرات تهدف إلى زعزعة استقرار الحكومة الفنزويلية. وتؤكد هذه المعلومات ما كان كثيرون يخشونه: أن مكافأة شخصٍ مثل ماتشادو تحت غلاف «السلام» ستشجّع واشنطن على السعي لتغيير النظام بوسائل بديلة. وبهذا تكون لجنة نوبل قد منحت تغطيةً أخلاقية لتدخّلات هي في الأصل الأشياء ذاتها التي يفترض أن جائزتها تدينها.
بصيغة أخرى، المشكلة ليست مجرد أن منح ماتشادو الجائزة يحطّ من قيمة أي فهم جاد للسلام؛ بل إن هذا الفعل يقبل ويسوّغ خدعة ترامب التي تقلب العنف إلى «سلام»، وتستخدمه كأداة فعّالة لتعزيز سلطوية تُعاد تغليفها بصبغة ديمقراطية. حينئذ يُصوَّر الخصوم كأعداء للحرية يجب إقصاؤهم—وعند تحقّق ذلك يتيسّر تنفيذ مشروع أوسع يخدم الأثرياء ويُعمّق بؤس الطبقات العاملة.
في هذا الإطار، لا تعني السيادة والديمقراطية الفنزويلية لماتشادو أكثر مما تعني لترامب. تبدو أهداف وممارسات السلطوية اليمينية متشابهة عبر الأمريكتين: ضمان بقاء السلطة بيد نخبة ثرية قادرة على فرض سياسات اقتصادية مُدانة تاريخيًا تهدف إلى تحويل الثروة صعودًا وتقليص تنظيم الدولة للموارد الطبيعية والخدمات العامة التي تعتمد عليها طبقات العمال. ومنح نوبل لشخص يضع وجهًا ديمقراطيًا على تدخل خارجي عنيف وحرب اقتصادية على الفقراء لا يضُر فنزويلا فحسب؛ بل يمثل إشارة مزعجة لبقية القارة وللعالم بأسره.
الآراء المعبر عنها هنا تخصّ الكاتب وحده ولا تعبّر بالضرورة عن الموقف التحريري لــالجزيرة.