كيف وصلت هذه العائلة الأفغانية إلى الاحتجاز لدى وكالة الهجرة والجمارك الأمريكية وسط مأزق بيروقراطي

في ضاحية هادئة ومورقة قرب تورونتو، تقضي امرأة أفغانية في الثلاثين من عمرها معظم أمسياتها على الهاتف وهي تحاول أن تتواصل مع شقيقيها الصغيرين ووالدها. تستخدم «أسال» اسماً مستعاراً لأن أهلها ينتمون إلى أقلية عرقية ودينية مهددة بالاضطهاد في أفغانستان.

أفراد الأسرة ليسوا في بلدهم الأم؛ بل هم على بعد أميال قليلة داخل الولايات المتحدة، محتجزون لدى مكتب الهجرة والجمارك (ICE) في زنازن مزدحمة منذ شهور، عالقون في ما يصف محاموهم بأنه فراغ بيروقراطي بين كندا والولايات المتحدة. يحق لهم طلب اللجوء في كندا لأن لهم أقارباً مقيمين كلاجئين قانونيين، لكنهم يستطيعون تقديم طلبهم فقط عند معبر بري — فيما تصر السلطات الأميركية على أنهم لن يُفرج عنهم إلا إذا دخلوا كندا جواً، وهو ما يستلزم تأشيرة لا يملكونها حالياً، بحسب محاميهم الأميركي. طلب التأشيرة قيد المراجعة، وهم ما زالوا عالقين وغير قادرين على تقديم طلب حماية في كندا ومعرضين لخطر الترحيل من الولايات المتحدة.

أساليب الأسرة في محاولة الإفراج عن المحتجزين شملت توظيف محامين في البلدين، وعروض بدفع تكاليف مرافقة عملاء ICE لهم إلى الحدود الكندية — كلها محاولات باءت بلا جدوى. تبرز قضيتهم كيف يمكن لتغييرات سريعة في سياسات اللجوء، أثناء إدارة ترامب، أن تفرق العائلات وتضعها في حالات لا يحسد عليها، كما يقول محامون وخبراء. وتطرح القضية أيضاً سؤالاً حول ما إذا كانت كندا تتحمّل مسؤولية تسريع دخول أشخاص محتجزين لدى ICE ولديهم روابط واضحة مع البلاد.

مخاوف المحامين الأميركيين تتركز على احتمال ترحيل الأسرة إلى أفغانستان أو إلى دولة ثالثة ليست من اختيارهم — وهو أمر تصفه محاميتهم جودي جودوين بأنه «الخيار الأكثر رعباً على الإطلاق»، لأن ذلك «يعرضهم لخطر الإرسال إلى ما لا يعلم به إلا الله، دون أية ضمانات بالحماية». أبوهم، كما تقول أسال، عمل مقاولاً مع القوات الأميركية، ما يجعله عرضة للاستهداف من قبل طالبان في حال عودته إلى أفغانستان.

يقرأ  ألمانيا على أهبة الاستعداد لموجة حرٍّ شديدة مع ارتفاع حاد في درجات الحرارة

لأكثر من ثمانية أشهر، بذلت جودي جودوين جهوداً لإقناع السلطات الأميركية بعدم ترحيل الأسرة إلى بلدهم الأصلي. في المقابل، يضغط محاموهم في كندا للحصول على التأشيرات اللازمة لصعودهم إلى طائرة، إذ ينص اتفاق بين البلدين — «اتفاق دولة ثالثة آمنة» — على أن المهاجرين الذين لا يحملون تأشيرة يجب أن يطالبوا بالحماية عند معبر بري. هذا التعقيد جعل وضع الأسرة معلقاً بين نظامين قانونيين ومتطلبات إجرائية صارمة.

تسمح ICE بزيارات مرئية عبر الإنترنت للمحتجزين، وتستغل أسال هذه الخدمة في التواصل مع أخواتها وأهلها حين تسمح الظروف. في مكالمة حديثة، تحدثت شقيقتها البالغة من العمر 18 عاماً من خلال آيباد تشاركه مع نحو ثمانين نزيلاً آخر، ووصفت يومياتها: معاناة في النوم، واغتسال الملابس كوسيلة لتمضية الوقت، ثم اندفاعها بالبكاء. وفي مذكرات قانونية قدمت إلى محاكم كندية واطلعت عليها هيئة الإعلامية، عبرت الشقيقة عن صدمتها من ظروف الاحتجاز: «كل تفاصيل حياتنا محكومة، رغم أننا لسنا مجرمين».

تصف المحتجزة إجراءات تفتيش عاري، وطعاماً «يكاد يكون غير صالح للأكل»، وتهديدات بالعزل الانفرادي لمن يمتنع عن تناول الطعام. طلبت هيئة البث البريطانية (BBC) تعليق ICE حول ظروف الاحتجاز؛ وكانت الإدارة الأميركية قد دافعت سابقاً عن مواقفها وأكدت أن تقارير سوء المعاملة غير دقيقة.

تجد أسال صعوبة في الحصول على معلومات موثوقة عن صحة ذويها المحتجزين، بمن فيهم أخوها الأصغر الذي نُقل إلى المستشفى لمدة عشرة أيام بسبب نوبات صرع وهو الآن عاد إلى الاحتجاز. الأسرة هي من بين آلاف الذين عبروا إلى الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة بطموح طلب الحماية في كندا.

قصة العائلة بدأت جزءاً منها بوصول أسال وشقيقتين إلى كندا في فبراير 2023 بعد فرارهم من تصاعد العنف في أفغانستان عقب سيطرة طالبان. ساروا عبر إيران ومن ثم البرازيل ثم إلى الولايات المتحدة، واحتُجزوا لدى ICE لأربعة أيام قبل أن يتجهوا إلى الحدود الشمالية ويعبروا إلى كندا عبر «روكسهام رود»، ذلك المسار غير الرسمي الذي كان يعبر بين نيويورك وكيبيك آنذاك. في كندا قدموا طلب لجوء ناجحاً وشعروا بالأمان والمجتمع الداعم.

يقرأ  الإعلان عن الدفعة القادمة من مجندي غيمتشون سانغمو

في أغسطس 2024 وصل أقارب آخرون لمسار مماثل، لكن سياسات الهجرة في أميركا وكندا كانت تتغير بسرعة. لقد أُغلق «روكسهام رود» أصلاً، واشتعلت الضغوط على السلطات الأميركية بسبب تزايد أعداد الوافدين عبر الحدود الجنوبية. بعد محاولات فاشلة لدخول الولايات المتحدة من المكسيك بطرائق قانونية، دفع أفراد الأسرة المتبقون في ديسمبر لأشخاص مهربين لعبور الحدود حيث سلموا أنفسهم للسلطات. في فبراير، أُفرج عن الأم وأخت واحدة بعد أن وقّع الرئيس ترامب أمراً تنفيذياً وسّع إجراءات الاحتجاز والترحيل، فتمكّنت تلك المجموعة من الوصول إلى كندا. لكن الثلاثة الباقون ظلوا في حماية ICE، والسلطات الأميركية رفضت إطلاق سراحهم بموجب القواعد الجديدة، كما تقول جودي جودوين. سبب عدم إطلاق سراحهم مع الآخرين في فبراير يعود، بحسبها، إلى «تأخر في إنجاز أوراقهم».

رداً على استفسارات هيئة البث البريطانية، قال مسؤول كبير في وزارة الأمن الداخلي الأميركية إن «ICE ستعيدهم بسرور إلى بلد منشأهم لو طلبوا المغادرة الطوعية»، وأضاف أن الولايات المتحدة «لن ترمي بمن يعتبرون غرباء غير شرعيين مطالبين باللجوء إلى كندا ولا العكس — هذا جزء من حسن الجوار والشراكة». أما أدم سادينسكي، أحد محامي الأسرة الكنديين، فاعتبر أن لدى كندا فرصة للسماح بإعادة لم الشمل: «لا نريد أن تكون كندّا شريكة في هذا النوع من المعاملة، ومع النتيجة المحتملة المتمثلة في ترحيلهم إلى بلدان سجلاتها في حقوق الإنسان سيئة جداً».

يجادل سادينسكي بأن السماح لهم بالدخول يتوافق مع بنود استثناء في اتفاقية الدولة الثالثة الآمنة تهدف إلى لم شمل العائلات. من جانبه، يصف المحامي المتخصص في الهجرة ريتشارد كورلاند النزاع بأنه معضلة أخلاقية وقانونية لكندا: السماح لأسرة واحدة بالدخول قد يفتح الباب أمام مطالب مماثلة من آخرين في حجز ICE ولهم روابط بكندا — «كيف تقول نعم لأسرة واحدة ثم ترد بلا على الجميع؟» مع ذلك، يؤكد أن على كل من كندا والولايات المتحدة العمل على ألا يُعاد هؤلاء الأشخاص إلى أفغانستان: «من القسوة على الولايات المتحدة ألا تستبعد خيار الرحلة إلى كابول. الأميركيون يعرفون جيداً ماذا ينتظر هناك، لأنهم كانوا هناك لأكثر من عشرين عاماً».

يقرأ  نتنياهو يتهم رئيس وزراء أستراليا بخيانة إسرائيل

في الوقت الراهن تظل أسال وباقي أفراد الأسرة في كندا في حالة قلق دائم، يتطلعون إلى لم شمل يضع حدّاً لهذا العذاب. «أقسم أنني لا أنام معظم الليالي»، تقول، لكنها تحتفظ بالأمل بأن تتدخل السلطات الكندية وأن «لا تتركنا وحيدين في هذا المأزق».

أضف تعليق