أثار إعلان نُشر في الولايات المتحدة بتمويل من أكبر مقاطعات كندا ويُظهِر تسجيلات للرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان توتّرات جديدة بين واشنطن وأوتاوا، اللتين كانت علاقاتهما باردة بالفعل بسبب سياسة الرسوم الجمركية التي اتبعها الرئيس دونالد ترامب.
في منشور على منصة تروث سوشال الخميس مساءً، ادعى ترامب أن الإعلان — الذي يظهر ريغان، المنتمي أيضاً للحزب الجمهوري، وهو يتحدث بسلبية عن الرسوم كسياسة اقتصادية — «مزيف». واستند إلى تصريحات مؤسسة رونالد ريغان التي قالت إن المقاطع المستعملة في الإعلان قد جرى التلاعب بها وتحريرها. كما اتهم ترامب الإعلان بأنه مُصمَّم للتأثير على المحاكم الأمريكية.
وبخطاب قاطع كتب ترامب: «بناءً على سلوكهم الفاضح، تُعتبر جميع المفاوضات التجارية مع كندا مُنهيّة اعتباراً من الآن».
ما الذي فعلته أونتاريو؟
في 14 أكتوبر أعلن دوغ فورد، رئيس وزراء أونتاريو، أن مقاطعته ستنفق 75 مليون دولار كندي (نحو 54 مليون دولار أمريكي) لعرض إعلانات مناهضة للتعريفات الأمريكية على قنوات رئيسية في الولايات المتحدة. فورد معروف بانتقاداته لسياسة ترامب الجمركية، وأونتاريو التي تضم صناعة فولاذية كبيرة تعرضت لضربات قوية من الرسوم الأمريكية؛ فهي موطن لأكثر من ثُّلث سكان كندا ولأكبر مدنها، تورونتو.
في 16 أكتوبر نَشَر فورد الإعلان على حسابه في «إكس» (سابقاً تويتر) وقال إن كندا «لن تتوقف أبداً عن طرح الحجج ضد الرسوم الأمريكية». الإعلان، الذي مدته دقيقة واحدة، يضم مقتطفات من خطاب وطني ألقاه ريغان في أبريل 1987 حول التجارة الحرة والعادلة. في ذلك الخطاب تناول ريغان تعريفات فرضها مؤخراً على اليابان، التي كانت آنذاك منافساً اقتصادياً كبيراً، ثم جدَّد القول إن مثل هذه التعريفات تُعدّ حلّاً قصير الأمد في أفضل الأحوال.
يتضمن الإعلان مقاطع صوتية لريغان يقول فيها: «عندما يقول أحدهم: دعونا نفرض تعريفات على الواردات الأجنبية، يبدو الأمر وكأنهم يفعلون الشيء الوطني بحماية المنتجات والوظائف الأمريكية. وفي بعض الأحيان، ولمدة قصيرة، ينجح ذلك، لكن فقط لفترة قصيرة». تتداخل كلماته مع لقطات لبورصة نيويورك وحقول زراعية ورافعات تحمل أعلام الولايات المتحدة وكندا. ثم يضيف ريغان: «على المدى الطويل، مثل هذه الحواجز التجارية تضرّ كل أمريكي، العامل والمستهلك». ويستدرك: «التعريفات العالية تقود حتماً إلى ردود انتقامية من دول أجنبية واندلاع حروب تجارية ضارية… تتقلّص الأسواق وتنهار، وتغلق شركات وصناعات، ويفقد الملايين وظائفهم».
رد مؤسسة ريغان والحقيقة حول تحرير المقاطع
في منشور لاحق على «إكس» قالت مؤسسة رونالد ريغان الرئاسية إنها رصدت تحريراً لمحتوى خطاب ريغان، وإن حكومة أونتاريو لم تطلب إذناً لاستخدام أو تعديل التصريحات. لم توضح المؤسسة بالضبط كيف جرى ذلك التحرير، لكنها أعلنت أنها تدرس خيارات قانونية.
راجع فريق التحقيق النص الكامل للخطاب الأصلي كما ورد في أرشيف مكتبة متحف رونالد ريغان، فوجد أن عبارات ريغان الواردة في الإعلان موجودة بالفعل في خطابه الإذاعي، لكن الإعلان يبدو أنه جُمعت فيه مقاطع من أجزاء مختلفة من الخطاب وأُعيد ترتيبها لتقوية الحجة وسلاسة التسلسل. على سبيل المثال، جُمِع في الإعلان تتابعٌ من الجمل يُقدِّم انطباعاً وكأنها جاءت متسلسلة في الأصل، بينما في الخطاب الفعلي جاءت تلك العبارات في مواضع متفرّقة من الكلمة.
ورغم أن مَنظّمِي الإعلان قد حرّروا كلام ريغان وربطوه، يظل الجوهر الفكري لرسالته حاضراً: أن التعريفات، إذا استُخدمت كسلاح اقتصادي، ينبغي أن تكون محدودة زمنياً وبكميات قليلة وإلا فستؤذي في نهاية المطاف المواطنين الأمريكيين.
لماذا ألغى ترامب المحادثات التجارية بسبب الإعلان؟
قال ترامب إن الإعلان محاولة من كندا «للتدخّل في قرار المحكمة العليا الأمريكية ومحاكم أخرى». منذ توليه الرئاسة في يناير، فرض ترامب تعريفات على واردات من دول عديدة بحجج معاقبة دول تعاني من عجز تجاري مع الولايات المتحدة، وزيادة إيرادات الحكومة الأمريكية، وإعادة بناء الصناعة الأميركية. في البداية فرض تعريفة بنسبة 25% على معظم البضائع الكندية، مع استثناء المنتجات المشمولة باتفاق تجارة حرة بين كندا والولايات المتحدة والمكسيك. وفي أغسطس رفع التعريفات على كندا إلى 35% معتبراً أن أوتاوا لا تفعل ما يكفي لوقف تدفّق الفنتانيل إلى الولايات المتحدة. إلا أن الحكومة الكندية أشارت في يوليو إلى أن «حجم الفنتانيل القادم من كندا إلى الولايات المتحدة زهيد للغاية»، واستندت إلى بيانات إدارة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية التي تُظهر أن منذ 2022 نحو عُشر واحد بالمئة فقط من مصادرات الفنتانيل تُعزى إلى الحدود الشمالية أو العبور من كندا إلى الولايات المتحدة.
بجانب التعريفات، هدّد ترامب مراراً بضم كندا إلى الولايات المتحدة، قائلاً في فبراير إنه لو أصبحت كندا الولاية الحادية والخمسين فسيستفيد الكنديون مادياً وسيحصلون على «حماية عسكرية كاملة»، وذلك أثناء توقيع مذكرة عن التعريفات في واشنطن.
التبعات القانونية والسياسية
تأتي الحملة الإعلانية لفورد في وقت تنتظر فيه المحكمة العليا الأمريكية قراراً حول شرعية نظام التعريفات العالمي لترامب في نوفمبر، بعدما قضت محكمة استئناف سابقاً بعدم قانونيته؛ وإذا حكمت المحكمة العليا بعدم امتلاك ترامب صلاحية فرض تلك التعريفات فقد يضطرّت الحكومة الأمريكية لتعويض الشركات التي دفعت الرسوم منذ تفعيلها.
ولا تقتصر مشاركة تعليقات ريغان على كندا؛ فقد أعاد مسؤولون صينيون أيضاً نشر أجزاء من خطاب ريغان عام 1987 على وسائل التواصل الاجتماعي عقب إعلان ترامب عقوبات على عدة دول في أبريل.
ماذا يعني هذا لمستقبل التجارة بين الولايات المتحدة وكندا؟
لم يصدر حتى الآن تعليق من رئيس الوزراء الكندي مارك كارني أو من دوغ فورد على إعلان ترامب إنهاء المحادثات التجارية. قال إيان ليسر، زميل متميز ورئيس مكتب مؤسسة مارشال الألمانية في بروكسل، إن رد فعل ترامب على الإعلان يعكس بقدر كبير طبيعته الشخصية المُشخصنة في السياسة الخارجية بقدر ما يعكس خلافات حول السياسة التجارية.
وأضاف أن علاقة الولايات المتحدة وكندا مهمة بنيوياً للطرفين اقتصادياً وأمنياً وعلى صعيد العلاقات الشعبية، وأن التوتّر الراهن والجو السلبي غير المسبوق غير معتاد لعلاقة ذات أهمية هيكلية كهذه. ولفت إلى أن الخلاف لم يعد مسألة سياسات تجارية وتنظيمية فحسب، بل أصبح مرتبطاً بأسلوبٍ صارخ في الخطاب وآثاره على الرأي العام الكندي، الذي انقلب سلباً تجاه الولايات المتحدة وترامب، مما يجعل الخطاب بين واشنطن وأوتاوا كثيراً ما يتداخل مع السياسة الداخلية، لا سيما على الجانب الكندي.
سابقاً تعطّلت محادثات تجارية بين البلدين أيضاً. ففي 27 يونيو، بعد أن أعلنت كندا فرض ضريبة الخدمات الرقمية على الشركات الأمريكية، وصف ترامب الضريبة بأنها «هجوم مباشر وصارخ» وكتب أنه استناداً إلى هذه الضريبة «نُنهي جميع المناقشات حول التجارة مع كندا فوراً». دخلت تشريعات الضريبة الرقمية الكندية حيز التنفيذ في يونيو 2024، وكانت تتيح فرض نسبة 3% على إيرادات الخدمات الرقمية للشركات من مستخدميها الكنديين فوق حدّ 20 مليون دولار كندي سنوياً. وبعد يومين من إعلان ترامب، قال وزير المالية الكندي فرانسوا-فيليب شامبان إن أوتاوا ستلغي الضريبة على الشركات الأمريكية لدعم محادثات أوسع للتجارة مع واشنطن.
تظل كندا من بين أهم شركاء الولايات المتحدة التجاريين: أكثر من 77% من صادرات كندا تتجه إلى الولايات المتحدة. ووفق مكتب الممثل التجاري الأمريكي، بلغ حجم التجارة بالسلع والخدمات بين الولايات المتحدة وكندا نحو 909.1 مليار دولار أمريكي في 2024. لكن الرسوم الأمريكية ألقت بظلالها بشكل خاص على قطاعي الصلب والألمنيوم الكنديين.
قال كارني للصحفيين بعد لقائه ترامب في البيت الأبيض هذا الشهر إنه «في المجالات التي نتنافس فيها يجب أن نتوصل إلى اتفاق عملي»، لكنه أقر أن أي اتفاق يبدو الآن بعيد المنال. هذه الأزمة الجديدة تبدو جزءاً من توتر أوسع بين العلاقات الثنائية، يجمع بين خلافات سياساتية وضغائن سياسية وأساليب تواصل شديدة الاستقطاب قد تؤتر سلباً على فرص التوصل إلى حلول تفاوضية في المستقبل.