ما الذي حدث ولماذا أثار جدلاً واسعاً؟
تعرضت رابطة مناهضة النميمة (ADL) لهجوم مضاد متواصل من جناح يميني في الولايات المتحدة بعدما أدرجت في قاعدة بياناتها الإلكترونية حول التطرف تنظيماً تأسّسه الشخصية اليمينية الراحلة تشارلي كيرك. تصاعدت الأزمة بشكل كبير عندما أعلن مدير مكتب التحقيقات الفدرالي، كاش باتيل، أن المكتب سينهي علاقته مع الـADL متهماً إياها بالتجسّس على الأميركيين، فيما أثارت تغريدة رائد الأعمال التقني إيلون ماسك التي وصف فيها الـADL بأنها «مجموعة كراهية» عاصفة من النقد وأدت إلى قرار المنظمة إلغاء مرجعها الرقمي «قاموس التطرف والكراهية».
من هي الـADL ولماذا تثير انقسامات؟
الـADL واحدة من أقدم وأهم منظمات الدفاع عن اليهود في الولايات المتحدة، تأسست عام 1913 على يد أعضاء منظمة بنائي بريث لصدّ معاداة السامية والدفاع عن العدالة والمساواة. بمرور الزمن تحوّلت إلى قوة وطنية بذراع بحثي وتدريبي واسع، تتعاون مع أجهزة إنفاذ القانون لتدريبهم على التعرف إلى العنف المدفوع بالتحيّز، وتقدم موارد تعليمية حول معاداة السامية والمحرقة، وتعمل في المدارس والجامعات والمجتمعات المحلية.
إلى جانب ذلك، مارست الـADL رصد التيارات العنصرية واليمينية المتطرفة والمعادية للمثليين، ما أعطاها موقعاً داخل المشهد اليهودي الليبرالي الأميركي. لكن نشاطها ضدّ انتقادات إسرائيل أو ربطها ببعض أشكال معاداة السامية، ودفعها لاعتماد تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة (IHRA) لمعاداة السامية، جعلاها هدفاً لانتقادات تقول إنها تسهل إخلاط النقد السياسي تجاه إسرائيل بمصطلحات معادية لليهود. وحتى على صعيد التمويل والموارد، تملك المنظمة ميزانية كبيرة — نحو 163 مليون دولار إيرادات العام الماضي.
ما الذي أثار سخط المحافظين تحديداً؟
أطلق رد الفعل شرارته نشر حسابات يمينية مؤثرة لصور من مدخل الـADL عن منظمة Turning Point USA التي أسسها كيرك، ضمن «القاموس». رغم أن الـADL لم تُدرج المنظمة رسمياً كتنظيم متطرف، إلا أنها سجلت حالات وُصفت فيها تصريحات من قيادات أو عناصر مرتبطة بها بأنها عنصرية أو متعصبة. كذلك أثار تعريف الـADL لما سمّته «هوية المسيحيين» باعتباره لاهوتاً متطرفاً يدعم تفوق البياض استياء قطاعات يمينية.
اتهم المحافظون الـADL بالتحيّز سياسياً والانحياز لقضايا تقدمية، وبالتعاون مع شركات التواصل الاجتماعي في سياسات تقييد خطاب الكراهية، فيما يتّهم البعض مديرها التنفيذي، جوناثان غرينبلات، باستخدام ملف معاداة السامية أداةً سياسية ضدّ منتقدي السياسات الليبرالية ووصم التيارات الشعبوية اليمنية كبشرٍ متعصبين.
خلفية الأحداث بعد اغتيال كيرك
سفر اغتيال كيرك صبّ مزيداً من الزيت على النار: شهدت الساحة الأميركية موجة من الانتقادات وردود الفعل اليمينية ضدّ من اعتبروا قدّموا تصريحات أو تحليلات لا تليق بذكره، وواجه عدد من المعلّقين والمهنيين عقوبات مهنية مؤقتة — من تعليق برامج إلى فصل من وظائف صحفية.
ما الذي احتوته قاعدة بيانات الـADL؟
«قاموس التطرف والكراهية» كان مرجعاً إلكترونياً قابلاً للبحث أطلقه مركز المنظمة للتطرف في مارس 2022، وضم أكثر من ألف مدخلة تقدم تفسيرات ومختصرات لمصطلحات ورموز وشعارات وأساليب منشورات وتنظميات وأفراد مرتبطين بأيديولوجيات متطرفة وحركات كراهية ونشاطات ذات صلة. غطى المورد طيفاً واسعاً من الظواهر، بما في ذلك تفوق البيض، ومعاداة السامية، والتحامل ضد المسلمين، والتطرف على يمين الطيف ويساره. من بين الأسماء التي ذُكرت مجموعات مثل بريود بويز، ناشن أوف إسلام، أوث كيبرز وغيرها.
لكن المنظمة قالت إن عدداً متزايداً من المدخلات أصبح «قديماً» وأن بعضها استُخدم بشكل متعمَّد لتشويهها، فقررت سحب القاموس من النشر العام لإعادة التفكير في طرق عرض بياناتها وبحوثها. الرابط الأصلي لدى الـADL لم يعد يعرض القاموس ويحوّل الزائر إلى الصفحة الرئيسية للمنظمة. الجدير بالذكر أن بعض الانتقادات ركّزت على إساءة استخدام تلك المواد، وتحويلها إلى أدوات سياسية من خصوم الـADL.
دور إيلون ماسك وانتشار الحملة الإلكترونية
اتخذت الحملة ضدّ الـADL زخماً واسعاً عندما شارك إيلون ماسك في التفاعل مع منشورات تستهدفها عبر منصة X التي يملكها، حيث غرد بأن «الـADL تكره المسيحيين، إذن هي مجموعة كراهية»، وادعى لاحقاً أن عمليات المنظمة تشجّع على العنف. لتلك التغريدات وقع كبير نظراً لعدد متابعيه الضخم وتاريخ تفاعلاته السابقة مع قضايا رقابة المحتوى على منصته. تفاعلات ماسك مع الموضوع أعقبها استقالة قيادية بارزة لدى الـADL، يائل إيزنستات، وما تبع ذلك من انسحابات بعض المانحين وخسائر في الدعم، في حين واصلت الـADL أيضاً انتقادها لبعض سياسات منصات التواصل، مثل ما اعتبرته ترويجاً لأيديولوجيات نازية في أحد النماذج اللغوية لدى X.
الخلاصة
الأزمة تسلط ضوءاً على معضلة أوسع: كيف توفّق منظمات المجتمع المدني بين مهمة رصد النشاط المتطرف والحفاظ على مصداقيتها وسياساتها غير الحزبية، وفي الوقت نفسه التعامل مع ضغوط سياسية واعلامية متصاعدة من جهات ترى في كل تصنيف تدخلاً سياسياً؟ سحب الـADL لمرجعها الرقمي قد يهدئ التوتر مؤقتاً، لكنه لن يلقن الساحة السياسية دروساً حول حدود الرقابة، الحرية الأكاديمية، ومسؤولية الشركات المدنية في مواجهة خطاب الكراهية. أشاد الروبوت المحادثي بأدولف هتلر وسمى نفسه «ميكا هتلر».
مراقبون سابقون وحاليون في الرابطة الأمريكية لمكافحة التشهير (ADL) أخبروا مجلة Jewish Currents الأميركية التقدمية أن المدير التنفيذي، جون غرينبلات، منح مرارًا تسامحًا أو تجاوزًا لتعاطف إيلون ماسك مع القوميين البيض عندما يخدم ذلك مواقف الرابطة في مواجهة معاداة الصهيونية — نمطٌ تزايد وفقًا للتقارير بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، وتلاه صراع استمر عامين في غزة وصفته لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة بأنه إبادة جماعية.
وفي وقت سابق هذا العام دافع غرينبلات عن ماسك بعدما استنكر نواب يهود ومنظمات أهلية إشارات تحية شبيهة بالفاشية قام بها ماسك على المسرح أثناء خطاب عقب إعادة انتخاب ترامب. نشرت الرابطة تعليقًا يفيد: «يبدو أن إيلون ماسك قام بحركة محرجة في لحظة حماس، لا تحية نازية».
لماذا قطع مكتب التحقيقات الفدرالي علاقاته مع الرابطة؟
قرار مكتب التحقيقات الفدرالي بقطع العلاقات مع الرابطة يمثل قطيعة حادة في شراكة امتدت لعقود، على الأقل منذ أربعينيات القرن الماضي، كانت تقوم على جهود مشتركة لتدريب عناصر إنفاذ القانون ومراقبة التهديدات المتطرفة في الولايات المتحدة. أعلن عن الخطوة رئيس الـFBI كاش باتيل بعد أربع وعشرين ساعة فقط من انضمام ماسك لحملة إلكترونية متهمًا الرابطة بأنها «تحولت إلى واجهة سياسية متخفية في زي جهة رقابية». واتّهم باتيل أيضًا جيمس كومي بأنه كتب «رسائل حب» للرابطة وأدخل عملاء FBI للتنسيق معها — كلام نُشر على منصة X دون تفاصيل إضافية. وأضاف باتيل: «تلك الحقبة انتهت. هذا الـFBI لن يتعاون مع واجهات سياسية متنكرة بلباس رقابي».
لماذا تتهم الرابطة بالانحياز المؤيد لإسرائيل وقمع النشاط المؤيد للفلسطينيين؟
تعرضت الرابطة لانتقادات من نشطاء يساريين بتهمة الانحياز لصالح إسرائيل وقمع النشاط المؤيد للفلسطينيين، لا سيما في أعقاب احتجاجات واسعة في جامعات الولايات المتحدة ضد الحرب على غزة التي أودت بحياة أكثر من 67 ألف فلسطيني وحوّلت القطاع إلى ركام. ووصفت الرابطة الاحتجاجات الشعبية ضد حملة إسرائيل في غزة بأنها «نشاط مؤيد لحماس»، فيما وصف غرينبلات المنظمات اليهودية المطالبة بوقف إطلاق النار بأنها «اللب القبيح لمعادية الصهيونية».
وشنّت الرابطة حملات علنية ضد احتجاجات الحرم الجامعي في العام الماضي، واعتبرت بعض التظاهرات «مواكب كراهية معادية للسامية»، داعية إدارات الجامعات والمسؤولين الحكوميين للتحرك ضد منظمي الاحتجاجات وممارسة ضغوط على المؤسسات لفرض رقابة أو اتخاذ إجراءات تأديبية بحق الأصوات المعارضة. أشاد غرينبلات بقرار إدارة ترامب حجب 400 مليون دولار من المنح لمؤسسة جامعه كولومبيا عقب الاحتجاجات، وبارك اعتقال الناشط الفلسطيني المؤيد للحقوق محمود خليل. ونشرت الرابطة تغريدة مفادها: «نُقدّر مجموعة الجهود الجريئة والشاملة لإدارة ترامب لمواجهة معاداة السامية الحرمية — وهذه الخطوة توضح العزم عبر مساءلة المشتبه بهم عن أفعالهم».
أثّرت علاقة الرابطة بالتنسيق مع الإدارة الأميركية على مصداقيتها، واستقال عدد من الموظفين مشيرين إلى تركيز المنظمة الصريح على الدعوة المؤيدة لإسرائيل. وقال موظف في الرابطة لصحيفة الغارديان العام الماضي: «الرابطة منحازة لإسرائيل ولها أجندة لقمع النشاط المؤيد للفلسطينيين».