لماذا تكثّف روسيا هجماتها على أوديسا؟ أخبار الحرب الروسية‑الأوكرانية

قوات روسية شنت ضربات على ميناء أوديسا المطل على البحر الأسود في جنوب أوكرانيا، ما ألحق أضراراً بمرافق الميناء وبسفينة شحن، بحسب ما أفاد حاكم الإقليم.

الهجوم المتأخر مساء الإثنين جاء بعد هجوم آخر في عطلة نهاية الأسبوع تضمن وابلًا من الطائرات المسيرة والصواريخ على محيط أوديسا، التي تضم موانئ حيوية لتجارة أوكرانيا الخارجية واستيراد الوقود، وذلك بعد تهديدات روسية بقطع “الوصول الأوكراني إلى البحر”.

جهود دبلوماسية وتصاعد القصف
في وقت تتصاعد فيه الهجمات الروسية على أكبر مدينة موانئ أوكرانية، كثّفت واشنطن محاولاتها الدبلوماسية لوقف الحرب، حيث التقى مسؤولون أوكرانيون وفدًا أمريكيًا في فلوريدا بينما أجرت بعثة أمريكية مباحثات مع ممثلي موسكو. وفي كييف قال الرئيس فولوديمير زيلينسكي: “الوضع في إقليم أوديسا قاسٍ بسبب الضربات الروسية على البنية التحتية للموانئ وسلاسل الإمداد. روسيا مجدداً تحاول تقييد وصول أوكرانيا إلى البحر وحصار مناطقها الساحلية.”

ماذا حصل في الهجوم الأخير؟
قال رئيس إدارة أوديسا العسكرية الإقليمية، أوليه كيبر، إن الضربات الليلية ألحقت أضراراً بسفينة شحن مدنية وبمستودع في أحد أحياء أوديسا، كما شبّ حريق في سقف مبنى سكني مكوّن من طابقين. وفي وقت سابق أصابت ضربات يوم السبت خزانات تخزين في ميناء بيفدني (Pivdennyi) قرب أوديسا، وفق ما قاله نائب رئيس الوزراء أوليكسي كوليبا، بعد يوم واحد من هجوم صاروخي باليستي في بيفدني أودى بحياة ثمانية أشخاص وأصاب نحو ثلاثين على الأقل.

خلال الأسابيع الماضية شهدت المنطقة تصعيداً ملحوظاً، إذ شنت روسيا أحد أكبر الهجمات الجوية على منطقة البحر الأسود منذ بداية الحرب، ما ألحق أضراراً بالبنى التحتية للطاقة وتسبب بانقطاع تيار الكهرباء عن أوديسا لعدة أيام، تاركاً مئات الآلاف دون كهرباء. وزارة الدفاع الروسية لم تعلق فوراً على هذه الضربات، في حين سبق للكرملين أن وصف البنى التحتية الاقتصادية الأوكرانية بأنها “هدف عسكري مشروع” خلال ما يقرب من أربع سنوات من الصراع.

يقرأ  الكتب الإلكترونية في التعليمفوائدها وتحدياتها

استهداف جسر ونهب خطوط الإمداد
على تطبيق تيليغرام قال كوليبا إن القوات الروسية تستهدف بنى تحتية للطاقة وجسرًا فوق نهر الدنيستر قرب قرية مايوكي جنوب غرب بيفدني، وقد تعرّض الجسر لخمس هجمات خلال 24 ساعة، ما أوقف تشغيله؛ إذ يربط الجسر أجزاء من الإقليم مفصولة بممرات مائية ويعتبر الطريق الرئيس المتجه غرباً وصولاً إلى المعابر الحدودية مع مولدوفا، ويُحمل عبره نحو 40% من إمدادات الوقود الأوكرانية.

لماذا تستهدف روسيا أوديسا؟
كوليبا حذر من أن “محور الحرب قد اتجه نحو أوديسا”، محذراً من احتمال تصاعد هذه الهجمات الهمجية في إطار سعي روسيا لإضعاف اقتصاد أوكرانيا. ويرى الكرملين في تقييد الوصول إلى البحر رداً على هجمات كييف الأخيرة على ما يسمى بـ«أسطول الظل» الروسي — سفن تتنقل بطرق التهرّب من العقوبات لنقل نفط ومواد أخرى — التي توفر مصدر دخل رئيسي لتمويل غزو روسيا لأوكرانيا. وقالت أوكرانيا إن تلك السفن تُستخدم لتصدير النفط الخاضع للعقوبات بصورة غير قانونية.

أهمية ميناء أوديسا لأوكرانيا
يعد ميناء أوديسا محوراً اقتصادياً أساسياً لأوكرانيا؛ تُلقب المدينة بـ«لؤلؤة على البحر» وهي ثالث أكبر مدينة أوكرانية بعد كييف وخاركيف. كانت موانئ البحر الأسود — بما فيها أوديسا وبيفدني وتشرنومورسك — إضافة إلى ميكولايف شرقاً، تتولى أكثر من 70% من صادرات أوكرانيا قبل الحرب. وتفاقمت أهمية أوديسا كمركز تجاري بعد احتلال روسيا لموانئ في زابوروجيا وخيرسون وميكولايف في السنوات الأخيرة. ومنذ اندلاع الحرب في فبراير 2022 حافظت أوكرانيا على مكانتها كأحد أكبر خمسة مُصدّرين عالميين للقمح والذرة، بدرجة كبيرة عبر موانئ أوديسا.

ما معنى تدمير أوديسا لأوكرانيا؟
إذا تعرض ميناء أوديسا لأضرار جسيمة، فسيكون الأثر الاقتصادي وطنياً وحشداً: خسائر واسعة في الوظائف بقطاع الشحن واللوجستيات، تراجع دخول الأسر المحلية، وإفلاس مشاريع تعتمد على الميناء وانكماش الاستثمارات. على مستوى الدولة سيُصعَّد تراجع القدرة التصديرية، ما يرفع كلفة النقل ويبطئ الشحنات ويخفض أحجام الصادرات، مما يخنق عوائد العملات الأجنبية ويضغط على العملة الوطنية (الهريفنيا). المزارعون سيتكبدون انهياراً في الأسعار ومشكلات تخزين، وتتزايد كلفة إعادة الإعمار بينما تتآكل إيرادات الجمارك، فتضعف مرونة الاقتصاد الوطني.

يقرأ  المفوضية الأوروبية تعلّق تحويلات مالية إلى إسرائيل احتجاجاً على سلوكها في غزة

أشكال الحرب البحرية وتبدّل التكتيكات
خلال الأشهر الستة الماضية تكثفت المواجهات البحرية بين الطرفين؛ فقد استهدفت كلتا القوتين أصولاً بحرية وعسكرية وتجارية في البحر الأسود وما وراءه. اعتمدت أوكرانيا بشكل متزايد على طائرات بحرية مسيرة دون طيار ومركبات سطحية غير مأهولة لضرب سفن مرتبطة بأسطول الظل الروسي، وقد أُصيب عدد من ناقلات ذلك الأسطول، من بينها “كايروس” و”فيرات”، بطائرات بحرية مسيرة في مياه بحرية قُرب السواحل التركية أواخر نوفمبر. كما توسعت عمليات كييف لتشمل ضربات بطائرات مسيرة إلى شرق المتوسط في 19 ديسمبر استهدفت ناقلة مرتبطة بروسيا باسم “قنديل”، فيما كثّفت روسيا هجماتها على أهداف تجارية، منها سفينة ترفع علم تركيا كانت محملة بشاحنات وشحنات قرب أوديسا في 13 ديسمبر.

هذا التحول يعكس ميلًا متزايدًا نحو ما يُسمى “الحرب البحرية غير المتماثلة”، حيث تلعب الطائرات والمركبات المسيّرة وأنظمة مرتجلة دورًا متناميًا في تعكير شبكات الدعم الاقتصادية والعسكرية البحرية لدى الطرفين.

أضف تعليق