فقدان كندا لوضع «القضاء على الحصبة» وتأثيره على المنطقة الأمريكيـتين
بعد ما يقارب ثلاثين عاماً، فقدت كندا وضع «القضاء على الحصبة»، وما ترتب على ذلك من أثر أدى أيضاً إلى سحب الاعتماد عن منطقة الأمريكيتين ككل. أعلنت وكالة الصحة العامة الكندية أن البلاد تعاني حالياً من «تفشٍ كبير متعدد الولايات والصلاحيات» للحصبة بدأ في أكتوبر من العام الماضي.
امتد التفشّ إلى مقاطعات وإقليم: ألبرتا، بريتيش كولومبيا، مانيتوبا، نيو برونزويك، نوفا سكوشا، أونتاريو، جزيرة الأمير إدوارد، كيبك، ساسكاتشوان والإقليم الشمالي الغربي. سُجّلت نحو خمسة آلاف حالة إيجابية والوفاة المأسوية لطفلين مولودين قبل أوانهما. وبيّنت الوكالة أن كندا قادرة على استعادة وضع القضاء على الحصبة إذا ما انقطع انتقال السلالة المرتبطة بهذا التفشّ مدة لا تقل عن 12 شهراً متتالياً.
ما هي الحصبة؟
الحصبة فيروس شديد العدوى قد يهدّد الحياة إذا لم يُكتشف مبكراً. يبدأ المرض بأعراض تشبه الزكام: سيلان أنف، حمى مرتفعة، واحتقان والتهاب في العينين. بعد بضعة أيام تظهر بقع بيضاء صغيرة داخل الخدين وعلى ظهر الشفاه (بقع كوبليك)، ثم يظهر طفح مميز يبدأ من الوجه وخلف الأذنين ثم ينتشر إلى الجذع والأطراف. في أسوأ الحالات قد يتطوّر المرض إلى التهاب رئوي مهدّد للحياة، وتكون المخاطر أعظم لدى الرضع والمرضى ذوي الجهاز المناعي الضعيف.
الوقاية واللقاح
يُحصّن من الحصبة باستخدام لقاح MMR (الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية) على جرعتين عادة: الأولى عند عمر سنة والثانية عند نحو ثلاث سنوات. وفق مراكز السيطرة على الأمراض الأميركية، تمنح الجرعتان فعالية تقارب 97% ضد العدوى. حالات الاختراق لدى الملقّحين نادرة وغالباً ما تكون خفيفة.
لماذا فقدت كندا هذا الوضع؟
تصنيف «القضاء على المرض» الذي كانت كندا تحمله منذ 1998 يفترض عدم وجود انتقال محلي مستمر خلال 12 شهراً. ضعف معدلات التحصين كان السبب الرئيس بحسب مسؤولين صحيين؛ فقد اعتبر مارك جوف — رئيس الأطباء في ألبرتا حتى أوائل هذا العام — أن ارتفاع معدلات التطعيم كان سيمنع وقوع تفشٍ بهذا الحجم، وأن ثمة جهوداً إضافية كان يمكن بذلها لرفع معدلات المناعة المجتمعية.
ما الذي أدّى إلى تراجع معدلات التطعيم؟
تشير منظمة الصحة العالمية ومراكز السيطرة الأميركية إلى أن السبب الأساسي لعودة انتشاره هو انخفاض الإقبال على اللقاحات عبر المنطقة بشكل عام. ساهم تآكل الثقة بمقدمي الرعاية الصحية بعد جائحه كوفيد-19 ونشر معلومات مضلِّلة مضادة للتطعيم في هذا الانخفاض. ومن بين الخرافات الأكثر رسوخاً تلك التي تربط لقاح MMR بالتوحد، وهي مزاعم استُلهمت من دراسة مفبركة عام 1998 رُفعت عنها المصداقية منذ زمن ولا توجد أي أدلة علمية تربط اللقاح بالتوحد.
كما أن الإعفاءات لأسباب غير طبية في بعض الولايات الأميركية والمقاطعات الكندية — لأسباب شخصية أو دينية — أدّت إلى تكوّن تجمعات من غير الملقّحين تكون عرضة لتفشيات عند التعرض للفيروس. وسُجِّل أن بعض الجماعات المحافظة، مثل مجتمعات المنونايتيين (الأنابابتست)، لديها معدلات تطعيم منخفضة، وقد تبَعَت عدة تفشّيات مؤخراً ارتباطاً بهذه المجتمعات. كذلك أضعفت قيود الإغلاق في بداية جائحة كوفيد-19 الوصول إلى خدمات الرعاية الروتينية مما أدّى إلى تراجع التحصين المستمر لاحقاً.
المعدلات الحالية وتأثيرها
في كندا انخفضت نسبة الأطفال الذين تلقّوا الجرعة الأولى من لقاح MMR من 89.5% في 2019 إلى نحو 82.5% في 2023. أما في الولايات المتحدة فقد وصلت نسبة التغطية خلال العام الدراسي 2024–2025 إلى 92.7%، وفي المكسيك أظهرت بيانات منظمة الصحة العالمية نسبة 79.86% لتلقي الجرعة الأولى. ولتحقيق مناعة القطيع ضد الحصبة يلزم تحصين ما لا يقل عن 95% من السكان، وإبقاء هذه النسبة هو السبيل الأكثر أمناً للحفاظ عليها.
مدى فعالية اللقاح وأثره العالمي
تُقدّر منظمة الصحة العالمية أن التطعيم ضد الحصبة منع حوالى 31.7 مليون وفاة عالمياً بين عامي 2000 و2020. ويعطي لقاح MMR حماية تقريبية بنسبة 97% من العدوى؛ وتُعد حالات الاختراق نادرة وعادة ما تكون خفيفة، بينما يظل البرنامج الروتيني المكوَّن من جرعتين هو حجر الزاوية للحماية المجتمعية.
تداعيات فقدان الوضع على بقية المنطقة
أفادت منظمة الصحة للبلدان الأميركية (التي تنضوي تحت منظمة الصحة العالمية) بأن فقدان كندا لوضع القضاء على الحصبة يعني أن «منطقة الأمريكيتين فقدت التحقق بأنها خالية من الانتقال المستوطن للحصبة». تاريخياً، بعد اعتماد لقاح MMR للتوزيع في 1963، أُنشئت برامج صحية ومدارسياً لدفع الأسر نحو التحصين، وقد نجحت كندا في الوصول إلى وضع القضاء على المرض عام 1998. إعادة استعادة هذا الوضع ممكنة بشرط انقطاع الانتقال لمدة لا تقل عن سنة، لكن ذلك يتطلب جهداً منظماً لرفع معدلات التحصين واستعادة ثقة الجمهور. خسارة وضع الإقصاء في منطقة الأمريكيتن
بعد سنتين فقط من إعلان الولايات المتحدة القضاء على الحصبة، أعلنت منطقة الأمريكتين خلوها من المرض بحلول عام 2016 — أي أن كل دولة في المنطقة كانت قد بلغت حالة الإقصاء. غير أن تفشّي المرض في فنزويلا والبرازيل عام 2018 أدى إلى فقدان المنطقة لوضع الإقصاء، ثم أعيد هذا الوضع في العام الماضي بعد احتواء التفشّي. والآن، فقدت المنطقة وضع الإقصاء مجدداً بسبب تفشّي الحصبة في كندا. وعلى الرغم من أن العديد من الدول داخل المنطقة ما زالت تحتفظ بوضع الإقصاء على مستوى وطني، إلا أن حالات الحصبة ترتفع عموماً.
آخر الأرقام والتأثير
حتى 7 نوفمبر، أفادت منظمة الصحة للأمريكيتين (PAHO) بوجود 12,596 حالة حصبة في المنطقة، نحو 95% منها في كندا والمكسيك والولايات المتحدة. ووصفت المنظمة هذا الرقم بأنه “زيادة بمقدار ثلاثين ضعفاً مقارنة بعام 2024”. وسُجّلت 28 وفاة: 23 في المكسيك، ثلاث وفيات في الولايات المتحدة، وحالتي وفاة في كندا.
قال جارّباس باربوزا، مدير منظمة الصحة للأمريكيتين، إن فقدان المنطقة لوضع الإقصاء يمثل “نكسة — لكنه أمر قابل للعكس”. وأضاف أن خطر إعادة إدخال الفيروس يبقى قائماً ما دام الحصبة لم تُقضَ عليها عالمياً، وأن الابتعاد عن هذا الخطر يمر عبر الالتزام السياسي والتعاون الإقليمي والحفاظ على برامج التطعيم الشاملة، كما حدث من قبل عندما أعيد كبح انتقال الفيروس واستعادة هذا الإنجاز الجماعي.
أي الدول معرضة لخطر فقدان الإقصاء؟
بحسب الـPAHO، هناك تفشيات نشطة حالياً في المكسيك والولايات المتحدة وبوليفيا والبرازيل وباراغواي وبليز، وقد كانت معظم هذه التفشيات “ناتجة في الغالب عن حالات مستوردة”.
المكسيك
بحلول 31 أكتوبر، سجّلت المكسيك 5,019 حالة حصبة، مع تركز الحالات في ولاية تشيهواهوا بشمال البلاد. وفي العام السابق سُجّلت سبع حالات فقط في البلاد بالكامل. توفي رجل غير ملقّح يبلغ من العمر 31 عاماً من بلدية أسينثيون في تشيهواهوا في أوائل أبريل، ومنذ ذلك الحين أبلغت السلطات عن ما لا يقل عن 14 حالة وفاة وفق بيانات المنظمة.
الولايات المتحدة
منذ بداية العام، أدّى تفشّي الحصبة في الولايات المتحدة إلى 1,681 حالة مؤكدة وفق بيانات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) الصادرة الأسبوع الماضي. وفي فبراير سُجّلت أول وفاة بسبب الحصبة في عقد بعد مرض طفل غير ملقّح خلال تفشّي في تكساس؛ توفي الطفل المدرسي بعد نقله إلى المستشفى في لوبوك. ومن بين المصابين الذين ثبتت إصابتهم، كانت نسبة 92% إما غير ملقّحين أو في حالة تطعيم غير معروفة. وأشار ديميتري داسكالاكيس، المسؤول السابق في الـCDC، إلى أن أمام الولايات المتحدة مهلة حتى 20 يناير لإثبات قدرتها على كبح التفشّي إذا رغبت في الاحتفاظ بوضع الإقصاء.
مناطق أخرى من العالم
نعم، تشهد أجزاء أخرى من العالم زيادة في حالات الحصبة. في أواخر 2023 وبدايات 2024 شهدت المملكة المتحدة — وبخاصة إنجلترا — موجة ارتفاع في الإصابات. سجّلت إنجلترا في عام 2024 ما مجموعه 2,911 حالة حصبة مؤكدة مختبرياً، وهو أعلى عدد سنوي منذ 2012؛ بالمقارنة، كانت هناك حالتان فقط مؤكدتان في كامل المملكة المتحدة عام 2021، و54 حالة في العام التالي. شهد أبريل 2025 موجة أخرى، خصوصاً في لندن وشمال غرب البلاد، لكن الحالات ما لبثت أن انخفضت، ومع ذلك بلغ عدد الحالات المؤكدة في إنجلترا حتى الآن في 2025 نحو 811 حالة.
في أستراليا، تشهد أستراليا الغربية أسوأ تفشٍ للحصبة منذ عام 1997، حيث سُجّلت 54 حالة منذ بداية العام، وفق وسائل الإعلام الأسترالية.