فكرة نشر قوّة حماية أو حفظ سلام في فلسطين ليست جديدة. بعد قيام دولة إسرائيل عبر مجازر تطهير عرقي هائلة عام 1948، أسّست الأمم المتحدة منظومة مراقبة الهدنة (UNTSO) لمتابعة تنفيذ اتفاقات الهدنة بين إسرائيل والدول العربية عام 1949. وفي 1974 أرسلت قوة مراقبة فك الارتباط (UNDOF) لدعم وقف إطلاق النار مع سوريا، وفي 1978 تم نشر القوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان (UNIFIL). لم تتمكن أيا من هذه القوّات من إيقاف العدوان الإسرائيلي.
بعد إعادة الغزو الإسرائيلي للضفّة الغربية ومجزرة جنين في 2002 أعاد الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون طرح فكرة قوّة دولية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ومع اندلاع ما توصف بالإبادة الجماعية في غزة في أكتوبر 2023، استعادت هذه المقترحات زخماً دبلوماسياً. في مايو 2024 دعت جامعة الدول العربية إلى نشر قوّة حفظ سلام للأراضي الفلسطينية المحتلة، وساندت جهات مثل المجلس الأطلسي وبعض المسؤولين الغربيين هذه الفكرة، بمن فيهم وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك.
في يوليو من العام الحالي اقترحت مؤتمرات رفيعة المستوى بقيادة فرنسا والسعودية «بعثة دولية لتحقيق الاستقرار» في غزة، على أساس دعوة من السلطة الفلسطينية. أُعيد طرح الفكرة أيضاً بعد إعلان التصنيف المتكامل لأمن الغذاء (IPC) متأخراً حالة مجاعة في غزة.
لا شك في أن تدخلاً عسكرياً أو غير مسلّح من هذا النوع يمكن أن يكون مشروعاً بموجب القانون الدولي، ويمكن أيضاً أن ينسجم مع مبدأ «مسؤولية الحماية». لكن السؤال العملي الحيوي يبقى: كيف ستعمل قوّة الحماية هذه على أرض الواقع؟
نظراً للواقع الجيوسياسي الراهن، يصعب تصور نجاح أي مهمة دون موافقة إسرائيل. إسرائيل تتمتّع بدعم أمريكي كامل وغير مشروط وتتحرّك من دون محاسبة. لقد أظهرت استعدادها للرد بوحشية على أي محاولة لكسر الحصار عن غزة، ووصل بها الأمر إلى انتهاك المجال الجوي الأوروبي لمهاجمة سفينة إنسانية متوجهة إلى غزة. أي قوّة حماية تحاول دخول الأراضي الفلسطينية دون موافقة إسرائيل ستتعرض لهجوم قبل أن تقترب.
بالتالي، الخيار المتاح عملياً هو موافقة إسرائيل والولايات المتحدة. هذا ممكن، لكنه سيحصل وفق شروطهما، ما سيؤدي في الغالب إلى تدويل وتطبيع ما يجري من جرائم بحق الفلسطينيين.
الخطوة الأولى في هذا الاتجاه بدأت بالفعل مع نشر مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة أمريكياً (GHF) نهاية مايو. ومنذ ذلك الحين قتلت قوات إسرائيلية ومسلحون مرتبطون بالمؤسسة ما لا يقل عن 2,416 فلسطينياً كانوا يطلبون المساعدة، كما جُرح أكثر من 17,700 آخرين. وصف فيليبي لازاريني، المفوض العام لوكالة الأونروا، هذه المؤسسة بأنها «رذيلة» و«فخ للموت يودي بحياة أكثر مما ينقذ». وقد ندّد خبراء أمميون بـ«تشابك أجهزة المخابرات الإسرائيلية والمقاولين الأمريكيين وتشكيلات غير حكومية غامضة». كما أدانت هيئة تنسيق المساعدات الطارئة التابعة للأمم المتحدة (OCHA) عمليات مؤسسة غزة الإنسانية بأنها «محاولة متعمدة لتسليح المساعدات».
كشف تقرير لواشنطن بوست أن خطة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لتحويل غزة إلى «ريفييرا الشرق الأوسط» ما تزال مطروحة يعطي مؤشراً عن كيفية تحويل فكرة قوّة الحماية إلى واقع. الخطة المسماة «إعادة إعمار غزة، تسريع الاقتصاد والتحول» (GREAT) تقترح نشر قوّة أجنبية كجزء من وصاية أمريكية لمدة عشر سنوات على قطاع غزة. سيكون التشكيل من متعاقدين خاصين توظفهم مؤسسة غزة الإنسانية، بينما تتولى الجيش الإسرائيلي «الأمن العام». هذا يعني عملياً استمرار الإبادة والتطهير العرقي للفلسطينيين تحت إشراف مرتزقة أجانب.
هذه ليست هي القوّة الحامية التي يطمح إليها مؤيدو القضية الفلسطينية، لكنها، في المشهد الراهن، الخيار الواقعي الوحيد.
كلنا نشتاق إلى وقف المجزرة وحماية الفلسطينيين من العدوان الإسرائيلي حتى نهاية نظام الفصل العنصري والتطهير العرقي والاحتلال غير القانوني. كان ينبغي نشر قوّة حماية منذ زمن بعيد — منذ أن بدأت الحركة الصهيونية مشروعها الإبادي في فلسطين عام 1947.
اليوم، الترويج لفكرة قوّة حماية لا يفتح الطريق فحسب أمام تحقيق خطة ترامب، بل يصرف الانتباه عن أكثر سبل التدخل استراتيجية وتأثيراً: إنهاء الت complicity الدولي وفرض عقوبات على إسرائيل. هذا ممكن وواقعي. هذه الإجراءات ما تستطيع الدول الراغبة في حماية الفلسطينيين والدفاع عن حقوقنا والقانون الدولي أن تقوم به دون الاعتماد على فاعل آخر.
قبل عشرين عاماً بدأنا نطالب بالمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) كمسار نحو عقوبات فعلية. والآن نحن على وشك رؤية هذه العقوبات تتحول إلى واقع مؤثر. في العام الماضي أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يلزم الدول الأعضاء بفرض عقوبات جزئية على إسرائيل؛ وإذا طُبّق فعلياً فسيقلّص قدرة إسرائيل على تغذية آلة قتلها.
في الوقت نفسه، بدأت حملة المقاطعة تضرب سلاسل إمداد الحرب. أوقفنا بعض شحنات الصلب والإمدادات العسكرية عن الوصول إلى مشتريين إسرائيليين. في أغسطس، أصدر الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو مرسوماً ثانياً يحظر صادرات الفحم إلى إسرائيل. وبعدها بوقت قصير أقدمت تركيا على وقف كامل للعلاقات التجارية وإغلاق موانئها ومجالها الجوي أمام السفن والطائرات الإسرائيلية؛ كانت تركيا سابقاً من أكبر شركاء إسرائيل في الاستيراد. يعترف رجال أعمال إسرائيليون بوجود «مقاطعة صامتة» على الواردات من مورّدين أوروبيين، وبالأخص من دول مجاورة مثل الأردن ومصر.
إذا توقفت جنوب أفريقيا والبرازيل ونيجيريا عن تزويد إسرائيل بالطاقة، فسيكون لذلك أثر فوري كبير. بإمكان الصين أن تمنع شركاتها من تشغيل ميناء حيفا. يمتلك الجنوب العالمي وحده القدرة على وقف سلسلة التوريد العالمية المسؤولة عن استمرار الإبادة من خلال قطع تدفق المواد الخام والمكونات.
حتى في أوروبا، بدأت خيوط التواطؤ تنفكّ. في هولندا استقال خمسة وزراء من بينهم وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء بعد عجز الحكومة عن الاتفاق على عقوبات ضد إسرائيل، ما أدخلها في أزمة. سلوفينيا وإسبانيا أعلنتا حظراً على تصدير الأسلحة، وحركات عمالية في موانئ المتوسط وما وراءه جعلت نقل materiel العسكري إلى إسرائيل أكثر صعوبة.
يتصاعد الضغط الشعبي على الحكومات للوفاء بالتزاماتها القانونية والأخلاقية وفرض عقوبات على إسرائيل. ليس الوقت مناسباً لدفع مشاريع مستحيلة أو خادعة تمنح الحكومات ذريعة لعدم التحرك.
شهدنا كيف مزّقت إسرائيل الخطط التي رعتها أوسلو لحل الدولتين إرباً إرباً؛ لم تكن تلك الاتفاقات أكثر من محاولة لتلطيف شعور أوروبا، على وجه الخصوص، بدورها في تجريدنا من وطننا. فلا نقع في الفخ ذاته مرة أخرى بدعم مبادرات تجعل العالم يشعر بتحسّن ضميرٍه تجاه إبادة الفلسطينيين. الضغط العملي والعقوبات هما أدواتنا الأكثر فاعلية والتي يصعب على محور واشنطن-تل أبيب التلاعب بها.
عزّزوا المبادرات المتعددة الأطراف الواقعية الداعمة لفلسطين وللقانون الدولي، مثل مجموعة لاهاي. اضغطوا على الدول لتنفيذ العقوبات وقطع سلسلة الإمداد عن آلة الإبادة.
لا بد أن يستمر الضغط حتى تُهدم منظومات الفصل العنصري والاستيطان بين نهر الأردن والبحر المتوسط.
الآراء المعبر عنها هنا هي آراء المؤلفين وليس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.