قمة معلّقة: لقاء ترامب وبوتين يحمِل أسئلة أكثر مما يجيب
أُرجئت المحادثات المرتقبة بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين حول الحرب في أوكرانيا — التي تقترب من إتمام أربع سنوات — وتم تأجيل اجتماع تمهيدي لوزيري خارجية البلدين أيضاً، من دون موعد جديد محدَّد. أكد ترامب أمام الصحفيين أنه يرفض “اجتماعاً بلا فائدة” قائلاً إنه لا يريد إضاعة الوقت وسيرى ما سيحصل.
هذا التقلب الأخير يندرج في إطار محاولات ترامب المتكررة للعب دور الوسيط لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وهي إشكالية عادت إلى مقدمة أولويات الرئيس بعد نجاحه في التوسط لاتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح رهائن في غزة. خلال احتفاله بذلك الاتفاق في مصر دعا ترامب فريقه الدبلوماسي، وعلى رأسهم سفيره المفاوض ستيف ويتكوف، إلى “الانتهاء من ملف روسيا”.
لكن الشروط التي سمحت بتحقيق اختراق في ملف غزة تبدو صعبة التكرار في نزاع أوكراني متجذِّر منذ سنوات. بحسب ويتكوف، كان العامل الحاسم هو قرار إسرائيل مهاجمة مفاوضين لحماس في قطر، خطوة أغضبت الكثير من الحلفاء العرب لكنها منحت واشنطن أوراق ضغط لإقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالتساهل.
لقد استندت قوة ترامب التفاوضية في هذا الملف إلى سجله الطويل في تأييد إسرائيل — من نقل السفارة الأميركية إلى القدس إلى تغيير موقف واشنطن بشأن شرعية المستوطنات في الضفة — إضافة إلى دعمه العسكري المتصاعد ضد إيران. كما أنه يحظى بشعبة بين الرأي العام الإسرائيلي تفوق شعبية نتنياهو، ما منحه نفوذاً فريداً على القائد الإسرائيلي. ومع امتدادات سياسية واقتصادية لدى لاعبين عرب محوريين، امتلك ترامب أرباحاً دبلوماسية كبيرة للضغط على الأطراف لإبرام صفقة.
على العكس، في حرب أوكرانيا يمتلك ترامب قدرة ضغط أقل بكثير. خلال الأشهر التسعة الماضية تمايل بين محاولات لمضايقة بوتين وضغوط على زيلينسكي، غالباً من دون نتائج واضحة. هدَّد بفرض عقوبات جديدة على صادرات الطاقة الروسية وبإمداد أوكرانيا بأسلحة بعيدة المدى، لكنه أدرك أيضاً احتمال تأثير ذلك سلباً على الاقتصاد العالمي وتصعيد النزاع.
في الوقت نفسه وبشكل علني، وبَّخ ترامب زيلينسكي وقطع لفترة تبادل المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا وعلق شحنات أسلحة لبلاده — ثم تراجع تحت ضغوط حلفاء أوروبيين قلقين من أن انهيار أوكرانيا قد يزعزع استقرار المنطقة بأسرها. على الرغم من حديثه المتكرر عن قدرته على الجلوس وجسِّ النقاط لصنع اتفاقات، لم تبدُ اللقاءات المباشرة مع بوتين وزيلينسكي كافية لتقريب حرب أوكرانيا من حلّ ملموس.
لا يستبعد المراقبون أن يكون بوتين يستغل رغبة ترامب في إبرام صفقة وبناء ثقته بوسائل اللقاءات الشخصية ليمارس نفوذاً عليه. ففي يوليو وافق بوتين على قمة بألاسكا تزامناً مع احتمال أن يوقع ترامب على مشروع عقوبات كان يدعمه نواب جمهوريون في مجلس الشيوخ، ثم أُجّل التشريع لاحقاً. وأمسك بوتين زمام المبادرة أيضاً حين اتصل بترامب إثر تقارير عن احتمال إرسال صواريخ توماهوك ومنظومات باتريوت إلى كييف، فتبعه حديث عن قمة في بودابست — بينما غادر زيلينسكي البيت الأبيض بعد لقاء توصفه المصادر بالتوتر ودون إنجازات تُذكر.
ترامب بدت لديه قناعة بأنه لم يخدع، وقال إن “الخبراء لعبوا بي طوال حياتي لكني خرجت منهم بخير”. مع ذلك لاحظ زيلينسكي تسلسل الأحداث قائلاً إن اهتمام روسيا بالدبلوماسية تراجع تلقائياً حين ابتعدت إمكانية حصول أوكرانيا على قدرات طويلة المدى.
في غضون أيام قليلة تذبذب ترامب بين إمكانية تزويد أوكرانيا بصواريخ، والتخطيط لقمة مع بوتين، وممارسة ضغوط سرّية على زيلينسكي للقبول بتنازل كبير في دونباس — بمن في ذلك أراضٍ لم تتمكن روسيا من احتلالها. وفي النهاية انحصر اقتراحه في دعوة لوقف إطلاق نار على خطوط الجبهة الراهنة، وهو طلب رفضته موسكو. ومن كان قد وعد في الحملات الانتخابية بإنهاء الحرب في غضون ساعات، عاد واعتَرَف بأن ذلك أثبت أنه أصعب مما توقع — اعتراف نادر بحدود سلطته وبصعوبة إيجاد إطار سلام عندما لا يريد أي طرف التنازل أو لا يستطيع تحمّل التنازل.