لماذا يعتقد بعض الطلاب أنهم لا يستمتعون بالقراءة؟

نحن في كثير من الأحيان ندرّس القراءة بطريقة صناعية في مدارسنا: نصيب كبير من الوقت يُكرّس لتعليم أدوات واستراتيجيات تُعامل النصّ كجسمٍ جامدٍ يجب “تفكيكه” — البحث عن “غرض المؤلف”، التبديل المستمر بين الفكرة الرئيسة والتفاصيل المساندة، كأن النصّ قطعةً معزولةً عن حياة القارئ.

نُعمّم وهمَ “غربة” النصّ ونصوّره كشيءٍ منفصل يرى الطالب أمامه أن عليه فك رموزه فقط، فك تشفير هذا والتمييز ذاك والتحليل هنا وهناك، فتكتمل لدينا القدرة على “القراءة”. ومع أن هذا التركيز يبرز العمل المعرفي المطلوب من أجل أمية حقيقية، فلا عجب اذا أن التلاميذ ينجذبون تدريجيًا إلى وسائل أقصر وأكثر بصرية واجتماعية وديناميكية؛ فهذه الوسائط ليست مسلية بسهولة فحسب، بل نادرًا ما تطلب منهم استثمارًا حقيقيًا لذواتهم.

ثمّة بعد روحي في فعل القراءة — ليس بالمعنى الطقوسي فحسب، بل بمعنى لقاءٍ داخلي يتجاوز الفصول الدراسية. الفهم المعرفي للنص لا يحدث في فراغ؛ إنما يبنى عبر مخططاتٍ شخصية: رموز، أنماط، شغف، معاناة، معانٍ مستمدة من حياة القارئ ذاته. لا يكفي أن نحثّ الطلاب على “إحضار ذواتهم” إلى النص؛ عليهم أن يدركوا أن أي فهم سطحي يضمحلّ سريعًا إن لم يكن مقرونًا بتلك المطابقة الداخلية بين النص والحياة.

بدون هذا النمط التأملي الداخلي، الذي يطلب من القارئ دمج واقعين: واقع النص وواقعه هو، ستبقى القراءة عملية آلية، ميكانيكية، شديدة التركيز على الكفاءة والجاهزية المهنية، منفصلة عن الإنسان.

من المثير أن نقدّم للطلاب أدواتٍ ميكانيكية قد تفكك النصّ إلى أجزاء لا تُعرفُ بعدها، ثم نتعجّب لمَ لا يقدّرون شكسبير أو بير أو فولكنر أو ديكنسون. نحاول طلاق القارئ عن القراءة. والتعقيد والدقة في الأدب هما سحره، لكن التلاميذ الذين نشأوا في دوائرٍ مشبعة بالبيانات والصور والأشكال الاجتماعية والذاتية ليسوا معتادين على ذلك اللقاء المتطلب، العاري من الترف الذاتي والجشب — نعم، المرعب — للتأمل الذاتي.

يقرأ  برشلونة يقلب الطاولة على ليفانتي بعودة دراماتيكيةوينتزع فوزًا مثيرًا في الدوري الإسباني

التأمل الصادق الذي تطلبه الأمية الحقيقية مُرعبٌ: أن تضع نفسك تحت المجهر، وأن تقارن من أنت بما يطرحه إنسان آخر بصيغة رواية أو قصة أو قصيدة أو مقالة؛ أنك لا تكتفي بقراءة أفكار الآخر بل تسكب نفسك في نخاعها. فلا عجب أن يمرّ الكثيرون مرور الكرام.

معظم القراء يعملون من موقفٍ مُقصَرٍ: يرون نفسهم منفصلين عن النص (وهو وهم)، بل وكأنّ الوقت والأسبقية معهما، كأن النصّ مدعوّ يُقيّم ليُحدّد هل يستحقّ وقتي أم لا. فيقضون معه ما يكفي ليروا إن كان مسلّياً، متجاهلين جوهر أمومة القراءة: الاعتماد المتبادل بين القارئ والنص.

المفارقة أن القراءة غالبًا تكشف عن ما كنت جزءًا منه دائمًا: غرائزٍ قديمة، مخاوفٍ متجذّرة، أفكارٍ وأحداثٍ حاولت أن تلبسها كلمات فلم تجدها إلا في الصفحة. دماغك لا يستوعبها بطريقة أخرى. بالمقارنة مع تجارب وسائل التواصل أو الألعاب أو قنوات الفيديو التي تُنقلب إلى مهرجانٍ بصريّ فوري يوقِد حافزًا بدائيًا ويحفظك من مواصلة البحث، القراءة لا تبدأ بعرضٍ بهيج؛ هي ليست برنامجًا لضحك فوريّ (ورغم ذلك قد تضحك)، لكنها تُطلب فيها مبادرةٌ لبذل جهدٍ داخلي.

نحن نعلّم استراتيجيات وآليات في القراءة، لكننا نغفل الإنسان الذي أمامنا؛ نُعلي من قيمة الرأي الشخصي لدى تلاميذ لم يكتسبوا بعد أسسًا مدعومة بالبراهين، كأننا نعلمهم أن يقرأوا بلا أن نبيّن لهم لماذا يجب أن يقرأوا. نفشل في إرشادهم عبر هذا الغرابة المباركة والمخيفة والمحرجة التي ترتقي بها القراءة.

ثم هناك البيئة الحاضنة: عاداتهم، وصولهم إلى نصوص معقدة، ميولهم الشخصية — كل ذلك يشكل نظامًا بيئيًا تعمل فيه المدرسة والنص والطالب في تبادليةٍ لا يمكن تجاهلها. في الوقت نفسه، لا يعفي هذا المعلم من مسؤولية مراجعة ممارساته؛ فالقراءة الميكانيكية لها نتائجها المقلقة.

يقرأ  لماذا تظل المحكمة العليا في الهند «ناديًا للرجال»؟

إذا أردنا استعادة القارئ الحقيقي، علينا أن نستبدل تبنّي الأدوات وحدها بمنهجٍ إنسانيّ يربط النصّ بالذوات، أن نعلّم كيفية الانخراط في النصّ لا تفكيكه وحسب، وأن نعيد للقراءة حميميتها وروحانيتها وضرورتها كفعل حياة، لا مجرد مهارة وظيفية. في ذلك يتمثل خلاص التعليم الأدبي: ليس في جعل الطلاب يقرؤون أكثر، بل في جعل القراءة تقرأهم. يببدو أن الطريق طويل، لكنه ممكن.

أضف تعليق