ايديث بيراليس، الذي انضم إلى الميليشيا الوطنية قبل سنوات، يجلس اليوم بزيّه العسكري وجزمته جاهزة، مستعدًا للدفاع عن حيه في كاراكاس. تلك القوة المدنية التي أطلقها الراحل هوغو تشافيز عام 2009 كانت تهدف، حسب مؤسسها، إلى جعل البلاد قادرة على حماية كل شبر من أراضيها. كما قال تشافيز آنذاك: «يجب أن نكون دولة قادرة على الدفاع عن كل ذرة من أرضها حتى لا يجرؤ أحد على العبث بنا».
بعد ستة عشر عامًا، وفي ظل توتر متصاعد مع الولايات المتحدة عقب انتشار سفن بحرية أميركية في جنوب البحر الكاريبي في ما وصفه المسؤولون الأميركيون بعمليات مكافحة المخدرات، استدعي آلاف من عناصر الميليشيا —غالبهم من كبار السن— للاستعداد لاحتمال تصعيد عسكري. أعلنت واشنطن أنها دمرت على الأقل ثلاث زوارق اتهمتها بنقل مخدرات من فنزويلا إلى الولايات المتحدة، وأسفرت الهجمات عن مقتل 17 شخصًا على الأقل من ركاب تلك الزوارق.
وصَف وزير دفاع فنزويلا، فلاديمير بادرينو، الهجمات والانتشار البحري الأميركي بأنه «حرب غير معلنة» ضد بلاده، فأصدر الرئيس نيكولاس مادورو قرارًا بتفعيل الميليشيا. في منطقة 23 دي إينيرو، المعقل التاريخي لتشافيّسمو، يعيش بيراليس ويعتبر نفسه «حارسَ حصن» حيه. يقول إن ولاءه للحكومة راسخ وأنه «جاهز للخدمة متى نُدعي».
القيادة الفنزويلية ركّزت منذ ذلك الحين على تدريب المتطوعين المدنيين: وحدات من الجيش تتوجه إلى الأحياء لتعليم السكان كيفية التعامل مع الأسلحة، وفقًا لتعليمات مادورو بأن «الثكنات آتية إلى الشعب». مشاهد التدريب تتضمن دبابات، وبنادق روسية —غالبًا غير محشوة— ولافتات توجيهية، وصفوفًا من المتطوعين يستمعون إلى تعليمات الجنود عبر مكبرات صوت. يُعرض في التمارين ناقلات مدرعة ومعدات عسكرية، ويشارك في التدريب نساء ورجال وأحيانًا أطفال يراقبون من الشوارع.
لكثر من المتطوعين هذه المرة لم يسبق لهم أن أمسكوا سلاحًا من قبل؛ لكنهم يعوضون قلة الخبرة بالحماس. في حي بيتاري، يرقّب أحد المتدربين البالغ من العمر تسعة وستين عامًا نفسه وهو يستلقي على الإسفلت المشمّس ويتخذ وضعية قتالية مع بندقية من طراز AK-103، بينما يصحّح له جندي وضعية قبضته. امرأة في السابعة والستين انضمت مؤخرًا وتصرّ: «لن نسمح لأي حكومة أميركية أن تغزونا». وأم منزل في الثامنة والثلاثين تعترف بأنها تشعر «بخشية وخوف خفيف» في حمل السلاح للمرة الأولى، لكنها تؤكد أنها قادرة على التعلم.
خارج معاقل مادورو، بينما تتدرّب الميليشيات ويزدحم البعض بها، تتسارع الحياة اليومية بشكل اعتيادي: الباعة في الشوارع يعرضون بضائعهم ومتسوقون يتهيؤون لعطلة نهاية الأسبوع بينما تمرّ التمارين من دون أن تلفت انتباه الجميع. هذا التناقض بين الاستنفار المحلي وتكاثر الحياة العادية يعكس استقطابًا سياسيًا واجتماعيًا عميقًا في المدن الفنزويلية.
محللون يرون أن الهدف من تعبئة المدنيين ليس بالضرورة خوض معارك تقليدية، وإنما زيادة التكلفة البشرية لأي ضربة عسكرية محتملة ضد الحكومة؛ بمعنى آخر، جعل أي عمل أميركي أكثر كلفة سياسيًا وإنسانيًا. يقول بنينيو ألارشون، أستاذ العلوم السياسية في جامعة أندريس بيلو، إن خطة مادورو قد تكون في جوهرها تحويل المدنيين إلى «درع بشري» يرفع من احتمال وقوع خسائر بشرية في حال وقوع نزاع، ما يؤدي إلى ضغط دولي على أي طرف يفكر في عمل عسكري.
هذا الحراك تزامن مع قرارات إدارية أميركية اتخذت منذ عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة: تصنيف عصابة «ترين دي أراوا» كمنظمة إرهابية، وهو ما استُخدم لتبرير عمليات ترحيل لمهاجرين فنزويليين من الولايات المتحدة وللعمل العسكري البحري الأخير؛ كما ضاعفت الإدارة الأميركية مؤخرًا الجائزة المطلوبة مقابل معلومات تؤدي إلى القبض على مادورو إلى 50 مليون دولار. تتهم واشنطن مادورو بالتحالف مع شبكات تهريب المخدرات، في حين ينفي الأخير هذه الاتهامات بشدة ويدافع عن جهود حكومته ضد الاتجار بالمخدرات، بل تعاون أحيانًا مع الولايات المتحدة في استقبال مواطنين فنزويليين مُرحَّلين اتهمتهم واشنطن بالانتماء إلى عصابات.
على مستوى التواصل الدولي، بعث مادورو برسالة يطلب فيها لقاءً مع نظيره الأميركي عقب الضربة الأولى ضد الزوارق، لكن البيت الأبيض لم يُبدِ تجاوبًا، بينما ظل الخطاب الداخلي تصاعديًا. وبالرغم من أن بعض الخبراء يرون أن الانتشار البحري الأميركي واسع لكنه ليس بالضرورة مقدمة لغزو مخطط، فإن العلاقات بين كاراكاس وواشنطن، التي طالما كانت متوترة، شهدت تدهورًا إضافيًا منذ عودة ترامب.
بيراليس، الذي أمضى عقودًا في الميليشا، يصف دوره بأنه «مدافع عن شارع وحارة يعرفها»، ومع أنه تفادى المشاركة في بعض التدريبات الأخيرة بسبب تقدّم سنه ومحدودية صحته، فإنه يؤكد —إذ استرجع معنى الزي العسكري— أن ارتداءه للزي «يعني تحمّل المسؤولية»، وأنه مستعد للدفاع عن أرضه إذا دعت الحاجة.