نيك ثورب — بودابست، المجر
على السطح بدا سفر رئيس الوزراء المجري إلى واشنطن هو بالضبط ما أراد: مديح مكثف واعفاء مؤقت من عقوبات أميركية على النفط والغاز والإمدادات النووية الروسية. وكل ذلك قبل خمسة أشهر فقط من انتخابات صعبة.
لكن عند التدقيق تتبدى صورة أقل وضوحاً. الجانب الأميركي فرض صفقة تجارية قاسية — وباهظة الثمن على المجر. كما أن أهم صداع يواجه فيكتور أوربان لم يحرز أي تقدم: إنهاء الحرب في أوكرانيا المجاورة، وما يتركه الصراع من ظل طويل على المجر.
لنبدأ بنقطة الفوز الأساسية لأوربان — إعفاء لمدة عام من العقوبات الأميركية. توقيته مهم؛ فترمب بوضوح يسعى لمساندة صديقه في الانتخابات المقررة في أبريل. والمهلة تتقاطع جزئياً مع مطلب المفوضية الأوروبية لكل الدول الأعضاء بوقف استيراد النفط والغاز والوقود النووي الروسي بحلول نهاية 2027.
ما ينقص من منظور الاتحاد الأوروبي هو أي التزام سياسي من أوربان للامتثال لذلك المطلب — التزام أبرمته حكومة جمهورية التشيك ونفذته. والاتحاد يحاول تشديد عقوبات الطاقة، ما أثار غضب المجر وسلوفاكيا.
بعيداً عن أضواء الإعلام، قامت شركة الطاقة المجرية MOL بتحديث مصفوتين: سزاهالومباتا في المجر ومنشأة سلونافْت في براتيسلافا، لتمكينهما من معالجة خام برنت بدلاً من خام الأورال عالي الكبريت القادم عبر خطوط أنابيب روسية. وأعلنت MOL الجمعة أن 80% من احتياجاتها النفطية يمكن استيرادها عبر خط أنابيب أدريا من كرواتيا، وإن على حساب تكاليف لوجستية أعلى ومخاطر فنية.
هكذا فإن حجة أوربان التي أثارت إعجاب ترمب، بأن المجر بلد حبيس لا بد له من النفط الروسي، قد لا تكون صحيحة بحذافيرها.
إجمالاً دفعت المجر وسلوفاكيا معاً لروسيا نحو 13 مليار دولار لقاء نفطها منذ الغزو الشامل لأوكرانيا في فبراير 2022 وحتى نهاية 2024. ومع ذلك فإن النافذة السنوية التي منحتها الولايات المتحدة تمثل هدنة قيّمة للأسر المجرية هذا الشتاء؛ إذ قال أوربان لصحفيين مؤيدين للحكومة المرافقين له إن فواتير المرافق “كان يمكن أن ترتفع حتى ثلاثة أضعاف في ديسمبر”. وكان تحديد سقوف تلك الفواتير بوسائل مختلفة ركيزة أساسية لشعبيته في المجر منذ 2013.
بموجب الاعفاء الأميركي، تستطيع المجر أيضاً مواصلة شراء الغاز الروسي عبر خط تورك ستريم الذي يمر عبر البلقان، وتسديده بعملات صعبة (مثل حوالات بقيمة 185 مليون دولار في أغسطس وحده) مستغلة ثغرة بلغارية. كما وافق أوربان على شراء غازٍ مسال مدفوع الثمن من الولايات المتحدة بقيمة نحو 600 مليون دولار، وفق بلومبرغ.
عنصر آخر محوري في صفقة واشنطن هو الشق النووي. اتفقت المجر على شراء قضبان وقود نووي أميركية لمحطتها النووية باكس-1 (بتكلفة نحو 114 مليون دولار)، إلى جانب ما تشتريه من روسيا (روس آتوم) ومن فرنسا (فراماتوم). لقد أُرجئت خطط روسيا لتمويل وبناء امتداد باكس-2 طويلاً بسبب مشاكل تقنية ورخصية. وقد يساعد رفع العقوبات النووية الأميركية عن المجر على إعادة إطلاق المشروع، لكن تبقى عوائق معقدة.
كما وافقت المجر على شراء تكنولوجيا أميركية لتمديد التخزين قصير الأمد للوقود النووي المستهلك في باكس بتكلفة تقدر بين 100 و200 مليون دولار.
محطة باكس-1 التي شُيدت في ثمانينيات القرن العشرين من قبل الاتحاد السوفيتي تزوّد نحو 40% من كهرباء المجر.
وربما أكبر بند في الصفقة كان التزاماً مجرياً بشراء ما يصل إلى عشرة مفاعلات نووية صغيرة نمطية من الولايات المتحدة بتكلفة تتراوح بين 10 و20 مليار دولار. تحتاج المجر إلى طاقة لتغذية مصانع البطاريات الصينية الضخمة التي تُبنى حول البلاد. المفاعلات الصغيرة تعاني أقل من تأخيرات البناء وأسهل في الحصول على تراخيص.
أخيراً، يجرى نقاش حول اتفاقٍ مبادلة عملات شبيه باتفاق أميركي-أرجنتيني حديث، يسمح للبنوك المركزية الأميركية والمجرية بتبادل العملة. هذا من شأنه أن يمكن الاحتياطي الفيدرالي من ضخ دولارات إلى بودابست في حال أزمة مالية مستقبلية، ما يعزز الأمن المالي للمجر.
الخلاصة: ضمنت المجر صفقة لشراء غاز وطاقة نووية وأنظمة أسلحة غير محددة من الولايات المتحدة لقاء تنازل مؤقت عن عقوبات أميركية على النفط والغاز الروسي. لكنها فشلت في استعادة نظام الإعفاء من تأشيرات الدخول الذي ألغي في 2022 — وهو ما يضر بالتبادل التجاري المتبادل — ولم تحصل على موعد جديد لقمة محتملة بين ترمب وبوتين في بودابست كجزء من جهود لوقف الحرب في أوكرانيا.
وينتقد المعارضون أن الاعتماد على روسيا في مجال الطاقة يُستبدل الآن باعتماد على الولايات المتحدة، بينما تؤكد حكومة أوربان أنها تحقق تنوعاً أكبر في مصادر الإمداد.