صراع قاتل بين الدببة والبشر يشتد في أنحاء اليابان، حيث أرسلت السلطات الجيش إلى الميدان لدعم السكان المحليين الذين يعتمدون على أنظمة إنذار ومراقبة بطائرات من دون طيار لتعقب الحيوانات الخطرة.
الحصيلة والإطار الرسمي
منذ أبريل الماضي، قُتل ما لا يقل عن 13 شخصًا وأُصيب أكثر من مئة آخرين في هجمات دببة، وفق تقرير لوزارة البيئة صدر في أكتوبر. وقالت الوزارة إن عدد الوفيات هو الأعلى منذ أن بدأت اليابان تسجيل حوادث هجوم الدببة عام 2006.
أنواع الدببة ومدى الخطر
تعيش في اليابان دببة بنية ضخمة في هوكّايدو — قد يتجاوز وزن بعضها 450 كيلوجرامًا — إضافةً إلى دببة آسيوية سوداء تُعرف أحيانًا باسم “دبّ القمر”، وهي أصغر (بين 80 و200 كجم) وتتواجد بشكل رئيسي على اليابسة الرئيسية المكتظة بالسكان. كلا النوعين تورطا في حوادث هذا العام؛ الهجمات بدببة القمر أكثر تكرارًا، بينما هجمات الدببة البنية أكثر خطورة وإيلامًا.
تفسير الخبراء
قال شوتا موتشيزوكِي، أستاذ مشارك في جامعة فوكوشيما، إن السبب يعود جزئيًا إلى التوزيع الجغرافي: “الدببة السوداء منتشرة على هونشو وشيكوكو حيث يتركز السكان، أمّا الدببة البنية فمحصورة في هوكّايدو، وبالتالي تقل فرص اللقاءات. ومع ذلك، فإن هجمات الدببة البنية أشدّ بكثير بسبب حجمها وقوتها، وغالبًا ما تؤدي إلى إصابات خطيرة أو وفيات”.
أين تتركز الهجمات؟
أفادت هيئة الإذاعة العامة NHK أن المحافظات الشمالية كانت الأكثر تضررًا. وذكرت NHK أرقامًا هذا الأسبوع تفيد بمقتل خمسة أشخاص في إيواتيه، وشخصين في هوكّايدو، وشخص واحد في ناغانو وآخر في مياغي، إضافة إلى أربعة قتلى في أكيتا خلال العام الجاري. في محافظة أكيتا شهدت حالات مشاهدة الدببة زيادة ستة أضعاف هذا العام، وهُوجم أكثر من 50 شخصًا منذ مايو، وغالبيّة هذه الحوادث وقعت في مناطق سكنية ونفّذتها في الغالب دببة آسيوية سوداء.
حالات فردية وتجارب ناجين
في 9 نوفمبر، تعرضت امرأة تبلغ من العمر 78 عامًا في بلدة غوجومي لهجوم ثم هوجمَت امرأة أخرى (50 عامًا) جاءت لنجدة الأولى بعد سماع صراخها؛ نُقِلت كلتاهما إلى مستشفى في مدينة أكيتا وما زالتا على قيد الحياة. وفي حادث منفصل أودت مواجهة مع دب بحياة امرأة مسنة تعمل في مزرعة أواخر أكتوبر.
وقال حاكم الإقليم كينتا سوزوكي في منشور على إنستغرام إن “الوضع تجاوز قدرة المحافظة والبلديات على التعامل بمفردها” وأضاف أن “الإرهاق في الميدان بلغ حدوده”. (لاحظ تطوّر الكارثة على مستوى الإدارة المحلية.)
رويات شهود ومهاجرين
روى بيلّي هالوران من أوكلاند، نيوزيلندا، والذي يقيم في اليابان، لـ CNN حادثة هجوم دب أسود في غابات ميوكو شمال اليابان أثناء ركضه مطلع أكتوبر؛ رأى دبّين يحدّقان به، وتقدّم أحدهما نحوه وعضه في ذراعه ما أدى إلى كسرها وإصابة ساقه، وخضع لثلاث عمليات جراحية وتركيب لوحات معدنية في ذراعه.
حوادث في مناطق حضرية وتداعيات دولية
لم تقتصر الحوادث على المناطق الريفية؛ دخل دبّ إلى سوبرماركت في مدينة نوماتا وهاجم متسوقين، ما أسفر عن إصابات بحسب تقارير NHK من دون تحديد خطورتها. وأدّت موجة الهجمات إلى إصدار تحذيرات سفر من دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تنبيهًا للحياة البرية يحذر من زيادة رؤية الدببة والهجمات في أجزاء من اليابان، خاصةً بالقرب من المناطق المأهولة؛ وأغلقت سلطات سابورو حديقة ماريياما المجاورة للقنصلية الأمريكية لأسابيع بعد مشاهدة دبّ فيها، ونصحت القنصلية الزوار بالحذر. كما حذّرت وزارة الخارجية البريطانية المواطنين من التجول وحدهم في الغابات ومن ترك القمامة أو بقايا الطعام التي تجذب الحيوانات.
أسباب الارتفاع: الغذاء، المناخ والتعافي السكاني
يقول موتشيزوكِي إن أحد الأسباب الرئيسية هو نقص الغذاء في المناطق الجبلية؛ والدببة تتغذى بشكل أساسي على الثمار مثل البلوط وبذور الزان التي كانت شحيحة هذا العام. وأضاف: “في السنوات التي يفتر فيها الغذاء الطبيعي، تميل الدببة إلى الاقتحام أكثر للمستوطنات البشرية طلبًا للطعام.”
وتشير وزارة البيئة إلى أن موجة هجمات سُجلت أيضًا في 2023 بعد محصول بلوط ضعيف، ويعزو بعض الخبراء ذلك لتأثيرات التغير المناخي على إنتاج الثمار الطبيعية. كما أن أعداد الدببة توسعت على مدى السنوات الماضية نتيجة جهود الحفظ وتقليل الصيد، مما وسّع مناطق تلاصقها مع المواطن البشرية وزاد فرص التماس.
خلاصة
المزيج بين شح الموارد الطبيعية، وتوسع أعداد الدببة، وتداخل مواطنها مع المناطق البشرية، أدى إلى تصاعد أعمال العنف الحيواني ضد الناس. وتستجيب اليابان بوسائل تقنية وعسكرية محلية وإجراءات وقائية دولية، لكن التحدي يظل قائمًا ويتطلّب مزيجًا من تدابير إدارة الحياة البرية، والتخطيط الحضري، والحملات التوعوية لحماية كلّ من البشر والحياة البرية. حسب الحكومة، يبلغ إجمالي عدد الدببة حالياً أكثر من 54,000.
في عام 2012 قالت إدارة تنوع الأحياء التابعة لوزارة البيئة إن عدد الدببة السوداء كان حوالي 15,000، بينما تضاعف قطيع الدببة البنية منذ عام 1990 على الرغم من أنهم لم يفصحوا عن أرقام دقيقة.
قال موتشيزوكي انه من أسباب تزايد هجمات الدببة تراجع سكان المناطق الريفية، جراء هجرة الشباب من القرى إلى المدن بحثًا عن فرص عمل أفضل.
«مع شيخوخة القرى وتراجعها، تصبح الحقول المهملة وحواف القرى ممرات يسهل على الدببة الوصول عبرها».
كيف تدير السلطات اليابانية الموقف؟
الأسبوع الماضي نُشِرَت قوات الدفاع والشرطة المضادة للشغب في منطقة أكيتا الجبلية الخلابة في محاولة لاحتواء موجة هجمات الدببة.
ورغم أن شرطة مكافحة الشغب مخوّلة قانونيًا بإطلاق النار على الدببة، فإن أفراد الجيش غير مخولين بذلك ويجب أن يعملوا بالتعاون مع صيادين خاصين.
«قوات الدفاع الذاتية اليابانية مقيدة قانونيًا بالدفاع الوطني وإغاثة الكوارث، وبالتالي ليس لها سلطة قانونية لقتل الحياة البرية»، بحسب موتشيزوكي.
«بينما يحمل الصيادون تراخيص صيد وتصاريح أسلحة نارية بمقتضى قانون حماية وإدارة الحياة البرية الياباني، ويمكن للسلطات المحلية منحهم تفويضًا رسمياً للتحكم في الآفات، بما في ذلك إطلاق النار على الدببة عند الضرورة».
لذلك يساعد الجيش المجتمع المحلي في المنطقة من خلال تركيب مصائد للدببة أو إزالة الجثث الخاصة بالدببة التي يصطادها الصيادون الذين يعملون معهم.
ماذا يفعل السكان المحليون؟
أفاد عمدة أكيتا أن سكان المناطق المتأثرة، وخصوصًا في أكيتا، يستخدمون أنظمة مراقبة تعتمد على الذكاء الاصطناعي وطائرات بدون طيار لتنبيههم بوجود الدببة.
وأفادت NHK بأن الناس نُصِحوا أيضًا بعدم ترك الطعام أثناء النزهات في الغابة، وبقطع أشجار المكسرات أو الأشجار المثمرة المهجورة التي قد تجذب الدببة.
ما الإجراءات الأخرى الممكن اتخاذها لوقف هجمات الدببة؟
أورد موتشيزوكي ثلاث تدابير رئيسية يمكن أن تكون فعّالة.
أولاً: يجب القضاء على مصادر الغذاء المحيطة بالمستوطنات البشرية. الإدارة السليمة للنفايات والأشجار المثمرة المهجورة ومحاصيل الحدائق تمثّل أنجع وسائل الوقاية.
ثانيًا: يمكن للعوائق الفيزيائية مثل السياج الكهربية حول المزارع أو محيط القرى أن تقلل بشكل كبير من دخول الدببة.
ثالثًا: الكشف المبكر عبر مصائد الكاميرات والمستشعرات وبيانات GPS، إلى جانب التواصل السريع عبر تنبيهات الهواتف المحمولة، يساعد المجتمعات على الاستجابة بسرعة عند ظهور الدببة.
أقرّ موتشيزوكي بأن البلد يواجه نقصًا في عدد الصيادين والعاملين في الحياة البرية بسبب شيخوخة السكان، رغم نشر الجيش والشرطة لدعم جهود الصيد.
«من الضروري تجنيد أعضاء أصغر سناً وزيادة قدرات العاملين في البلديات»، قال.
وأخيرًا شدد موتشيزوكي على أهمية توعية السكان والزوار حول الدببة.
«الكثير من الناس، بمن فيهم الزوار الدوليون، يفتقرون إلى المعرفة بسلوك الدببة وممارسات الأمان ويحتاجون إلى توجيه أفضل».