إعادة افتتاح السفارة الإسرائيلية في لوساكا بعد 52 عاماً
في أواخر أغسطس اجتمع مسؤولون حكوميون من زامبيا واسرائيل للاحتفال بإعادة افتتاح سفارة إسرائيل في لوساكا، للمرة الأولى منذ 52 عاماً عقب فترة طويلة من قطع العلاقات. قاد وزير الخارجية الإسرائيلي جيدعون ساار مراسم القص الشريط واحتفل بالعودة، قائلاً إن «إسرائيل تعود إلى زامبيا، وإسرائيل تعود إلى أفريقيا». كانت المناسبة بالنسبة لساار إنجازاً سياسياً لافتاً، لا سيما في وقت تكتسب فيه الدولة العبرية عزلة دولية واسعة على خلفية عمليتها المدمّرة في قطاع غزة، فاعتبرت وسائل إعلام إسرائيلية الحدث نصراً دبلوماسياً، ووصفته إحدى الصحف الصغيرة في جنوب القارة بأنه «المجال الأفريقي العظيم التالي» لإسرائيل.
الدوافع والاستراتيجيات
يرى محلّلون أن إعادة الافتتاح ليست مجرد عمل رمزي، بل جزء من سلسلة خطوات مخططة تهدف إلى استمالة دول أفريقية إلى صف إسرائيل في ظل تآكل موقعها الدولي بسبب الحرب على غزة. أشار تقرير أممي في منتصف سبتمبر إلى أن لجنة تحقيق تطرّقت إلى وصف الوضع بأنه «إبادة جماعية»، فيما تقول الأرقام إن الهجوم الإسرائيلي أودى بحياة عشرات الآلاف من الفلسطينيين وأدّى إلى تدمير شبه كامل في القطاع؛ وهو ما دفع كثيرين للربط بين مبادرات التقارب الدبلوماسي الإسرائيلية ومحاولة كسر عزلة تل أبيب الإقليمية والدولية.
تدخلات إقليمية وتحركات ميدانية
قبل أسبوع من مراسم لوساكا زارت نائبة وزير الخارجية شارين هاسكل نيجيريا واجتمعت مع نظيرتها، لكن وسائل الإعلام النيجيرية لم تروّج للقاء، رغم موقف أبوجا المعلن المؤيّد للفلسطينيين. تبَع ذلك توقيف جهاز مكافحة الإرهاب النيجيري لرامزي أبو إبراهيم، أحد قيادات الجالية الفلسطينية في البلاد، من دون أن تتضح أسباب التوقيف أو صِلته المحتملة بزيارة الوزيرة الإسرائيلية. كما زارت هاسكل جنوب السودان—الذي يعد حليفاً مقرباً لإسرائيل—ووعدت بتقديم مساعدات إنسانية، مستغلة حجج ما يُعرف بـ«ماذا عن» للتشكيك في التركيز الدولي على غزة بينما هناك دول أخرى تعاني أزمات إنسانية.
محاولات نقل قسري ومقاومات محلية
لم تذكر الوزيرة أن زيارتها تزامنت مع تسريبات عن محادثات بين مسؤولين إسرائيليين وجنوب سودانيين حول خطط مثيرة للجدل لنقل فلسطينيين من غزة قسرياً إلى جنوب السودان؛ مطالِعة نفتها جوبا رسمياً رغم تقارير مؤسسات إخبارية موثوقة. وتثير فكرة النقل القسري مخاوف من أنها قد تشكل جريمة حرب في سياق ما يوصف بتطهير عرقي محتمل. ثمة أيضاً حديث عن ترتيبات مشابهة مع أرض الصومال (صوماليلاند) لإيواء فلسطينيين مقابل اعترافات رسمية من الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو ما رفضه كثير من السكان المحليين.
تاريخ ومعايير التأييد الأفريقي
على العموم، صورة إسرائيل في أفريقيا متواضعة لدى غالبية الدول، رغم محاولات تل أبيب المتكررة لإعادة بناء علاقات ودّية. بعض الدول استجابت، لكن الغالبية حافظت على مسافة بعيدة، لا سيما لأن دولاً أخرى كالصين وروسيا تملك أوزاناً مادية وسياسية أكبر وتعرض شراكات اقتصادية جذابة لقادة القارة. بين 2015 و2023 تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة 154 قراراً ضد إسرائيل، مقارنة بحوالي 71 قراراً ضد بقية الدول مجتمعة—رقم يعبّر عن وضع دبلوماسي صعب لتل أبيب.
العامل الفلسطيني كان العامل الأبرز في تباعد عدد كبير من الدول الأفريقية؛ وجنوب أفريقيا تصدُر قائمة الناقدين بصوت عالٍ، مستندة إلى تجربتها التاريخية مع نظام الفصل العنصري الذي دعمته إسرائيل في فترات سابقة، واعتبارها أن سياسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية تشبه نظام الأبارتهايد. أقوال نيلسون مانديلا الشهيرة عن أن حرية جنوب أفريقيا لن تكتمل دون حرية فلسطين لا تزال تشكّل إطاراً لفترة احتجاج بريتوريا وحمايتها للقضية الفلسطينية.
من الودّ إلى البُعد ثمّ العودة الجزئية
لم تكن العلاقات دائماً متوترة: في خمسينات وستينات القرن الماضي عملت إسرائيل على تقديم نفسها كشريك للدول التي نالت استقلالها عن الاستعمار، ونجحت آنذاك في كسب نفوذ وتأييد لدى بعض القادة الأفارقة. لكن مرحلة حرب أكتوبر 1973 مثّلت نقطة فاصلة، إذ انقلبت كثير من الدول الأفريقية ضد إسرائيل وقطعت علاقاتها، فانخفض عدد البعثات الإسرائيلية من نحو 33 قبل 1973 إلى مستوى أدنى أعيد تدريجياً لاحقاً: أُعيد افتتاح حوالى 11 سفارة وقنصلية في القارة خلال العقود الأخيرة.
التحالفات الحديثة والعضوية المؤسساتية
تحاول إسرائيل استمالة دول ذات ثقل مثل نيجيريا، وبعضها أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي التي ضمت 57 دولة وتكرّرت دعواتها للهدنة في غزة. كما شرعت دول مثل السودان والمغرب، بعد الإمارات والبحرين، في تطبيع العلاقات مع إسرائيل في إطار ما عُرف باتفاقات أبراهام التي رعتها الولايات المتحدة. وفي 2021 حصلت إسرائيل على صفة مراقب لدى الاتحاد الأفريقي بعد محاولتين فاشلتين سابقتين، ما يعكس رغبة متبادلة لدى طرفي الصلة لإعادة ضبط العلاقات رغم التوترات الأساسية القائمة على الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. تعترض جنوب أفريقيا والجزائر على القرار وتقولان إنّ موسى فكي، رئيس مفوضية الاتحاד آنذاك، اتخذ القرار من جانب واحد. أما فلسطين فحصلت على صفة مراقب في 2013، ما أتاح لها المشاركة الأطول في قمم الاتحاد الأفريقي.
من المساعدات إلى الأسلحة
تركيز إسرائيل امتد بوضوح نحو شرق أفريقيا، لا سيما إثيوبيا التي تضم نحو 160 ألف يهودي إثيوبي، بعضهم نقلته إسرائيل جواً سرياً عام 1991 في خضم الحرب الأهلية الإثيوبية. وفي 2016 جال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في عدة دول بشرق أفريقيا، شملت أوغندا وكينيا ورواندا وإثيوبيا. وأرسلت وكالة التعاون الإسرائيلية، ماشاف، مساعدات بقيمة 45.5 مليون دولار إلى إثيوبيا وأوغندا وتنزانيا وجنوب السودان وكينيا في الفترة بين 2009 و2021، وفق بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وكان توجيه المساعدات غالباً نحو الزراعة والمياه والصحة.
غير أن مساعدة إسرائيل للدول الأفريقية لا تشكل مورداً مالياً جوهرياً. فمثلاً إثيوبيا التي تتلقى معظم تمويل إسرائيل، حصلت على 1.3 مليار دولار من المساعدات الأميركية في 2024. وأضحى البنك الدولي وألمانيا والاتحاد الأوروبي من أكبر الممولين بعد تقلص المساعدات الأميركية.
النتائج، على الأقل على مستوى تصويتات الأمم المتحدة، كانت مختلطة كما يلفت الباحثون: بعض دول شرق أفريقيا قبلت أموالاً من إسرائيل لكنها لم تلتزم بدعم ثابت لإسرائيل بسبب الموقف العام المؤيد لفلسطين داخل الاتحاد الأفريقي. وتظهر دراسة صدرت عام 2024 لباحث من جامعة بن غوريون، يارون سلمان، أن إثيوبيا صوّتت عدة مرات ضد إسرائيل في الأمم المتحدة بين 2012 و2021، رغم تلقيها جزءاً كبيراً من المعونات الإسرائيلية في تلك الفترة.
ولم تكن سوى جنوب السودان الدولة التي وقفت مع إسرائيل باستمرار، حسب الدراسة. وبنيت العلاقات بين البلدين مبكراً في تاريخ جنوب السودان، إذ دعمت إسرائيل حركات الاستقلال ضد السودان الذي انفصلت عنه جنوب السودان في 2011. وتعود هذه العلاقة إلى عقود، حيث قدّمت الموساد دعماً عسكرياً للمقاتلين في الستينيات. وكتب هايم كورين، السفير الإسرائيلي السابق لدى جنوب السودان، في تحليل عام 2019 أن إسرائيل دعمت قوى الانفصال لاستهداف السودان والمنطقة العربية بوجه عام. وتشير تقارير تعود إلى 1994 إلى نقل أسلحة إسرائيلية إلى متمردي جنوب السودان، وفي 2016 خلصت لجنة خبراء أممية إلى أن أسلحة إسرائيلية غذت الحرب الأهلية التي اندلعت فور استقلال البلاد.
لم ترد وزارة خارجية جنوب السودان على طلبات التعليق. وفي بيان صدر في أغسطس اعتبرت الوزارة أن مزاعم النقل القسري للفلسطينيين إلى البلاد «لا أساس لها ولا تعكس الموقف الرسمي أو السياسة» لجنوب السودان.
من جانبه اعتبر الناشط الديمقراطي الجنوب سوداني محمود أكوت أمام الجزيرة أن أي محاولات لنقل فلسطينيين إلى البلاد ستواجه معارضة شديدة بسبب التحديات الداخلية للدولة. وقال: «صعب على الحكومة أن تعترف بهذا علناً، فضلاً عن محاولة إقناع الناس بقبوله. أعتقد أن الاتفاق لن يثمر.»
لم تسلم دول أفريقية أخرى — حتى جنوب أفريقيا ذاتها — من جاذبية الأسلحة الإسرائيلية رغم دعمها لفلسطين. فقد اشترت كاميرون وتشاد وغينيا الاستوائية ولاسوتو ونيجيريا ورواندا وسيشيل وجنوب أفريقيا وأوغندا أسلحة من إسرائيل بين 2006 و2010، وفق معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI). وتستمر كثير من هذه الدول في التجارة مع إسرائيل، من تقنيات المراقبة والمعدات الزراعية إلى السلع الاستهلاكية.
وتقول المحللة الجنوب أفريقية رنيفَا فورِي إن تأثير إسرائيل داخل هياكل الأمن الأفريقي لا يقتصر على الربح من حالة عدم الاستقرار فحسب، بل يكسبها شركاء أقل ميلاً للتحدي بشأن احتلالها العسكري الوحشي وجرائمها ضد الفلسطينيين. «تطبيع مثل هذه الشراكات لإسرائيل كحليف في مكافحة الإرهاب يصرف الانتباه عن كونها منفذة إرهاب دولة ضد الفلسطينيين»، قالت فورِي للجزيرة.
في بداية قضية جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية بشأن اتهام إسرائيل بارتكاب إبادة في غزة، ظهرت في مايو 2024 أوجه من هذه الديناميكيات في مرافعات وظهور دبلوماسيين مثل زين دانغور وسيموزي مادونسلا ممثلين للوفد الجنوب أفريقي.
هل تكسب إسرائيل معركة الدبلوماسية؟
مع اندلاع حربها على غزة في أكتوبر 2023 تهاوى الدعم الهش الذي كانت تتمتع به إسرائيل في أنحاء القارة. وفي قضية بارزة رفعت جنوب أفريقيا دعوى اتّهام لإسرائيل بالإبادة أمام محكمة العدل الدولية في ديسمبر 2023، وبدت مواقف الاتحاد الأفريقي واضحة في إدانتها ودعمها لحق الفلسطينيين في دولة مستقلة.
وسجلت مواقف محرجة إضافية تراجع مكانة إسرائيل: في أبريل طُرد السفير الإسرائيلي لدى إثيوبيا، أفراهام نيغوسّيه، من فعالية للاتحاد الأفريقي بمناسبة الذكرى الثلاثين لإبادة رواندا في مقر الاتحاد في أديس أبابا، ما أثار غضبه على وسائل التواصل ووصف الحركة بأنها «مسّؤولية فاضحة». وورد أن الأمر صدر عن رئيس مفوضية الاتحاد، محمود علي يوسوف من جيبوتي، الذي لم يتردد في انتقاد الدول الغربية لعدم قدرتها على وقف حرب إسرائيل على غزة. وقال دبلوماسي مجهول لوكالة AP بعد الحادثة إن طرد نيغوسّيه جاء لأن إسرائيل فقدت صفة المراقب التي ناضلت للحصول عليها.
وكانت شرون بار-لي، نائبة مدير قسم أفريقيا في وزارة الخارجية الإسرائيلية، قد أدت إلى تعليق صفة المراقب لإسرائيل في فبراير 2023 حين حضرت اجتماعاً رفيع المستوى لدُوَل أفريقية لم تُوجّه فيه دعوة إلا للسفير الإسرائيلي لدى الاتحاد، فطُردت بار-لي من الاجتماع كما انتشرت لقطات الحادث على نطاق واسع. وأكد رئيس مفوضية الاتحاד آنذاك فكي بعد يوم من الواقعة أن التجميد قد جرى، فيما لم يوضح الاتحاد متى وقع بالضبط ولم ينشر مزيداً من التفاصيل علناً.
ورغم أن غالبية الدول الأفريقية تقف بثبات مع فلسطين، تلاحظ الباحثة فورِي أن إسرائيل تحقق بعض المكاسب الدبلوماسية مع أصدقاء جدد مثل زامبيا وبعض الدول العربية التي طبعت العلاقات معها، على رأسها المغرب. كانت زامبيا وجنوب السودان من بين ست دول إفريقية امتنعَت عن التصويت في أول قرار للأمم المتحدة يدين هجوم إسرائيل في نوفمبر ٢٠٢٣، أي بعد شهر من اندلاع الحرب على غزة. وقد اتخذت الكاميرون وإثيوبيا ومالاوي وغينيا الاستوائية الموقف ذاته، في حين صوتت دول إفريقية أخرى لصالح القرار.
تعثّرت لساكا في سداد ديون خارجية عام ٢٠٢٠ وتعيش حاجة ماسة للاستثمار. ومن ثم تستغل إسرائيل هذا السياق لتعزيز تمركزها في منطقة جنوب القارة، حسبما قالت فوراي. ولا يزال غير معلوم ما إذا كانت إسرائيل قد قدمت مساعدات مالية كبيرة لزامبيا، لكن لساكا تلقت في أغسطس جهاز مراقبة للقلب والرئتين من منظمة إنسانية إسرائيلية تُدعى «أنقذ قلب طفل». كما يشارك طلاب زامبيون في برامج تدريب ممولة في منطقة النقب. ولم ترد وزارة الخارجية الزامبية على طلب التعليق.
لم يرد مكتب الإعلام الحكومي الإسرائيلي ومكتب الشؤون الخارجية على طلبات التعليق بشأن هذا التقرير.
ترى فوراي أن جنوب أفريقيا تضطلع بدور قيادي في مواجهة نفوذ إسرائيل في القارة. ولتحقيق ذلك، تقول إنه يتعين على الدول الافريقية تعميق الروابط الاقتصادية وحماية نفسها من النفوذ الخارجي المتنكر في صورة مساعدات. وأضافت فوراي أن على هذه الدول أن تتذكر أن دعم فلسطين يمثل الموقف الأخلاقي إزاء عقود من الإمبريالية التي عانت منها القارة.
ومع ذلك يؤكد محمد ديساي، الشريك المؤسس لمجموعة التضامن «أفريقيا من أجل فلسطين» ومقرها جوهانسبرغ، أن استراتيجية إسرائيل اليائسة بدأت تتبدد بفعل فعل المواطنين العاديين.
«حركات التضامن في أنحاء القارة دعمت الشعب الفلسطيني ونمت بوتيرة متسارعة في الأشهر الأخيرة»، قال ديساي، «ونحن واثقون بأن الحكومات أو الساسة الذين قد تغريهم المغريات الإسرائيلية سيحاسبهم شعوبهم. وفي النهاية، ستفشل محاولات إسرائيل في القارة الإفريقية.»