كشفت الصين عن تشكيلة واسعة من الأسلحة والدرونز ومعدات عسكرية أخرى في عرض عسكري ضخم اعتبره كثيرون رسالة واضحة موجهة إلى الولايات المتحدة وحلفائها. حضر الاحتفال أكثر من عشرين رئيس دولة، من بينهم فلاديمير بوتين وكيم جونغ أون، ما جسّد مكانة بكين المتصاعدة ودورها كفاعل اقتصادي وسياسي ملحوظ. كان العرض استعراضاً لهيمنة شي جينبينغ المتنامية على المسرح الدولي ولقدرات الصين العسكرية، حيث تضمن منظومات مثل صاروخ «قاتل غوام» ودرون «الرفيق الوفي» وحتى كلاب روبوتية.
في ما يلي أهم خمس خلاصات يمكن استخلاصها من هذا العرض:
1) الصين تملك ترسانة كبيرة — هل تستطيع توظيفها فعلاً؟
أظهر العرض بوضوح أن بكين قادرة على إنتاج مجموعة متنوّعة من الأسلحة بسرعة. قبل عقد من الزمن كان ما يُعرض في العادة عبارة عن تقليد بدائي لتقنيات أكثر تقدماً طوّرها الآخرون، لكن اليوم ثمة تنوّع وابتكار واضحان، لاسيما في مجالي الصواريخ والطائرات من دون طيار، ما يعكس تطوراً ملحوظاً في مجمعها الصناعي العسكري. تسمح البنية الهرمية المركزية والموارد الكبيرة للصين بتسريع وتيرة الإنتاج وإنتاج كميات ضخمة قد تمنحها ميزة على ساحات القتال بإغراق العدو بالمنظومات. لكن يبقى السؤال حول مدى قدرة القوات المسلحة الصينية على دمج هذه المنظومات على نحو فعّال من الناحية التنظيمية والعملياتية؛ فالقوة الكبيرة غير المختبرة في نزاع واسع قد تواجه صعوبات تنفيذية.
2) تركيز واضح على الصواريخ لمواجهة الولايات المتحدة
عرضت الصين صواريخ عديدة وبأنواع متطورة، من بينها صاروخ قادر على حمل رؤوس نووية متعددة إلى صواريخ باليستية قادرة على الوصول إلى قواعد أمريكية بعيدة مثل غوام. كما ظهر عدد من الصواريخ الفرط صوتية المضادة للسفن القادرة على المناورة بسرعات عالية لتفادي أنظمة الدفاع. يكمن سبب هذا التركيز في استراتيجية الردع الصينية ورغبتها في مواجهة التفوق البحري الأمريكي؛ فأساطيل حاملات الطائرات الأمريكية لا تزال الأضخم عالمياً، لكن بعض المحللين يرون أنها عرضة لهجمات صاروخية قد تحوّلها إلى أهداف سهلة. تسعى بكين إذن لامتلاك «قدرة الضربة الثانية» التي تضمن ردّ انتقامي إذا ما تعرضت لهجوم، إلى جانب تقنيات أخرى مثل أسلحة الليزر ومقاتلات الشبح من الجيل الخامس.
3) اندماج جوهري للذكاء الاصطناعي والدرونز
شهد العرض مجموعة واسعة من الدرونز، بعضها مدعوم بقدرات ذكاء اصطناعي، ومن بينها مركبة غواصات غير مأهولة ضخمة قد تُستخدم للمراقبة والاستطلاع، ودرونات هجومية شبحية تعمل كرفيق جوي لطائرات مأهولة. كما عُرضت كلاب آلية يمكن أن تؤدي مهام استطلاعية أو إزالة ألغام أو مطاردة جنود العدو. الخط المستقبلي للاستراتيجية العسكرية الصينية يبدو واضحاً: ليس الاكتفاء بتعزيز المنظومات التقليدية بل استبدال بعض الهياكل التقليدية بأنظمة آلية وذكية. لقد استُخدمت دروس النزاع في أوكرانيا كمثال عملي على إمكانية «إرهاق» دفاعات الخصم عبر دفعات كثيفة من الدرونز. وفي الحروب السريعة يصبح اتخاذ القرار في «سلسلة القتل» أمراً يجرى في أجزاء من الثانية، وهذا ما يستطيع الذكاء الاصطناعي تسريعه — بكين تبدو مرتاحة لتوظيفه داخل هذه السلسلة وتعمل على دمجه بصورة واسعة داخل منظوماتها.
4) التكنولوجيا متقاربة لكن الأفضلية العملياتية لصالح الولايات المتحدة
الرؤية العامة من العرض تشير إلى أن الصين تقلّص الفجوة التكنولوجية مع الولايات المتحدة وتمتلك الموارد لاحتواء ترسانة كبيرة. ومع ذلك، لا يزال التفوق الأمريكي واضحاً على مستوى العمليات. الثقافة العسكرية الأمريكية تحفّز اتخاذ القرار من القاعدة نحو الأعلى، ما يمنح وحداتها مرونة وفاعلية في الميدان بحيث تستطيع التكيّف سريعاً. أما النموذج الصيني المركزي فغالباً ما ينتظر الأوامر من القمة قبل تنفيذ الحركات الكبرى، وهو ما قد يحد من خفة الحركة العملياتية. يعتقد بعض المحللين أن الصينيين يركّزون على التكنولوجيا باعتبارها مصدر الردع، لكن أمثلة ميدانية سابقة تشير إلى أن الأداء العملي قد لا يكون دائماً بمستوى الصور الإعلامية اللامعة.
5) عرض العتاد كان أيضاً حملة تسويقية ورسالة توحّدية
كان من الواضح أن هذا العرض موجّه أيضاً لأسواق السلاح: حضور عدد كبير من قادة دول يمنح فرصة لعرض المنتجات العسكرية الصينية للمشترين المحتملين وتعزيز علاقات النفوذ عبر الصادرات. بعض الحضور معروفون كمشترين كبار للسلاح الصيني، لكن الفرصة لفتح أسواق جديدة أو توسيع العقود تُعد أداة نفوذ دبلوماسي. المشهد الذي ظهرت فيه بكين إلى جانب قادة مثل بوتين وكيم جونغ أون حمل رسالة سياسية أيضاً: تكتّل يبعث تخوّفاً لواشنطن من احتمال مواجهة متعددة الجبهات — شبه الجزيرة الكورية، مضيق تايوان، وحتى أوروبا الشرقية — ما قد يرهق قدرات الرد الأمريكية إذا ما قرّرت مجابهة هذا التجمّع في آن واحد.
الخلاصة: العرض لم يكن مجرد استعراض للتقنيات، بل إعلان عن طموح صيني يتوخى تعزيز الردع، توسيع النفوذ عبر سوق السلاح، والتحول نحو حرب مُعتمدة على الأنظمة الذكية والعدد الهائل من المنظومات، بينما يبقى التحدي الفعلي في إثبات الكفاءة العملياتية على أرض المعركة.