محلّلون: ردّ ترامب على الهجوم الإسرائيلي في قطر يقوّض مصداقية الولايات المتحدة

واشنطن — الهجوم الإسرائيلي على قيادات حماس في الدوحة أثار عناوين مألوفة في الولايات المتحدة حول سخط الرئيس إزاء إسرائيل، لكنه شكّل كذلك تصعيدًا خطيرًا بالنظر إلى مكان التنفيذ وعلاقاته مع شريكٍ قريب من واشنطن.

على مدار العامين الماضيين، وبينما زوّدت الولايات المتحدة إسرائيل بمليارات الدولارات لتمويل الحرب على غزة، تكررت تقارير عديدة تفيد بأن البيت الأبيض — خلال فترتي جو بايدن ودونالد ترامب — أبدى استياءً من سلوك إسرائيل. لكن استهداف مقرّات قادة حماس في دولةٍ تُعدّ شريكًا أمميًا لواشنطن وتستضيف أحد أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، مثلما فعلت إسرائيل، يمثل قفزةً نوعية في مستوى التصعيد.

رد ترامب ظلّ إلى حدٍّ كبير مقتصرًا ومتحفّظًا؛ على وسائل التواصل قال إنه شعر بـ«أسى كبير» لموقع الضربات، ثم أخبر الصحفيين لاحقًا أنه «ليس مسرورًا» من تصرّفات إسرائيل. استغرق تعليق البيت الأبيض ساعات قبل أن يصدر، وعندما صدر توقف عن إدانة الهجوم بشكلٍ مباشر. قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت: «القصف الأحادي داخل قطر، دولة ذات سيادة وحليف مقرب، لا يخدم أهداف إسرائيل أو أمريكا. ومع ذلك، القضاء على حماس، التي ربحت من معاناة سكان غزة، هو هدف يستحق السعي إليه».

خبراء سياسيون يحذّرون من أن إحجام ترامب عن اتخاذ موقفٍ أقوى سيزيد على الأرجح من تآكل مصداقية واشنطن في المنطقة ويثير تساؤلات أوسع عن روابط الولايات المتحدة بالخليج. قال خليل جحشان، المدير التنفيذي لمركز العرب في واشنطن: «الرد جاء متناقضًا، لا معنى له، افتقد للدبلوماسية وافتقر للمضمون. هذا لا يليق بقوة عظمى».

ترامب أبلَغ أمير قطر لاحقًا أنه تعهّد بعدم تكرار مثل هذا الهجوم، لكن أقلّ من 24 ساعة بعد ذلك بدا رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ومبعوثه لدى واشنطن وكأنهما يهدّدان قطر بضربات مستقبلية.

حتى ظهر الأربعاء لم تصدر وزارة الخارجية الأمريكية تعليقًا على الحادث، مع العلم أن قطر تصنّف حليفًا رئيسيًا لواشنطن خارج حلف الناتو.

يقرأ  سلسلة آي سبرينغ لقيادات التعلم والتطوير — نيويورك

خطوط حمراء عبُرت
أعلن البيت الأبيض في البداية أن الولايات المتحدة أبلغت الدوحة بالهجوم قبل حدوثه، لكن الدوحة نفت سريعًا هذه الرواية، ثم أقرّ ترامب لاحقًا بأنه عندما تحدث مبعوثه ستيف ويتكوف إلى المسؤولين القطريين «كان الوقت قد فات».

محاولة الاغتيال لم تؤدِ إلى قتل قيادات حماس، لكنها أودت بحياة ستة أشخاص بينهم ضابط أمني قطري. وصفت الدوحه الهجوم بـ«الخائن»، مشيرة إلى أن القادة المستهدفين كانوا يناقشون مقترح وقف إطلاق النار الذي طرحه ترامب وأن اجتماعهم لم يكن لقاءً سريًا.

كريستيان كوتس أولريخسن، زميل شؤون الشرق الأوسط في معهد بيكر، رأى أن الضربات الإسرائيلية تقوض دور الولايات المتحدة كوسيط ذي مصداقية في المنطقة، مشيرًا إلى أن واشنطن كانت تفاوض طهران في وقتٍ سابق عندما شُنّ هجوم إسرائيلي على إيران في يونيو. وقال: «بالتأكيد، قدرة الولايات المتحدة على التفاوض بحسن نية باتت موضع تساؤل».

أضاف أن الضربات عبرت «خطوطًا حمراء قوية» ستكون العودة عنها صعبة، وأنها قلبت الفرضية القائلة إن دول الخليج بعيدة عن مدى القدرات العسكرية الإسرائيلية بسبب شراكاتها الدفاعية مع الولايات المتحدة. ورأى أيضًا تشابهاً بين محاولة الاغتيال في الدوحة وهجمات الطائرات المسيّرة عام 2019 على منشآت نفطية سعودية، التي حمّلت الرياض إيران مسؤوليتها — وهو ما نفته طهران.

في حين لم يجِب ترامب بالمساعدة للسعودية حينها، ما دفع بعض دول الخليج إلى خفض التوتر مع إيران حتى أدّى ذلك إلى استعادة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران عام 2023 بوساطة صينية.

«علينا أن ننتظر لنرى ما ستترتّب عليه هذه الضربة من عواقب، لكنها قد تكون بالغة الأثر إذا ساهمت في إحساس الخليج بأن مظلّة الأمن والردع الأمريكية باتت قابلة للطعن»، قال كوتس أولريخسن.

زيارة ترامب للخليج في مايو التي أثنى فيها على قطر والسعودية والإمارات وادّعى أنه أمنت تريليونات من الاستثمارات لم تغيّر المشهد؛ فهو خلال تلك الرحلة دان التدخلات العسكرية الأمريكية وقدم نفسه كرئيس يسعى للسلام، لكن هجوم الدوحة وردّ الولايات المتحدة عليه يتناقضان مع تعهداته للمنطقة، بحسب جحشان. «ما وضعه ترامب على المحك هو ما تبقّى — وهو ليس كثيرًا بالمناسبة — من مصداقية الولايات المتحدة».

يقرأ  شائعات حول صاروخ كروز أوكراني عملاق جديد قادر على حمل رأس حربي بوزن طن واحد وضرب أهداف داخل روسيا على عمق يصل إلى ١٨٠٠ ميل

نتنياهو يثني على ترامب
على الرغم من الخطّ الرسمي القائل إن واشنطن مستاءة من الهجوم، سخر نتنياهو من الضربات خلال مراسم في السفارة الأمريكية في إسرائيل بعد الحادث بقليل، قائلاً إنه كان «منشغلاً بأمر آخر» في الوقت الذي كان يفترض أن يحضر فيه الحدث، في إشارة إلى إشرافه على الغارات الجوية في قطر. وفي مناسبة لاحقة خُصّصت لالتقاط صورة مع السفير الأمريكي مايك هوكابي، جرى تسمية ممشى شاطئي على شاطئ إسرائيلي باسم ترامب.

كما بدا نتنياهو وكأنه يمدح فكرة ترامب بتحويل غزة إلى «الريفييرا» الشرق أوسطية، متحدثًا عن «عقارات على الواجهة البحرية» في غزة قال إن ترامب تحدث معه بشأنها. وفي وقت لاحق جدّد تهديده باستهداف قادة حماس في قطر، قائلاً: «أقول لقطر ولجميع الدول التي تأوي إرهابيين: إما تطردونهم أو تقدّمونهم للعدالة — لأنكم إن لم تفعلوا، سنفعل نحن».

من كان يعلم ماذا ومتى؟
واشنطن لم تفصح بوضوح عن توقيت أو كيفية علمها بالهجمات. ذكر ترامب أن إدارته أُخطرَت من قِبل الجيش، ما يوحي بأنه لم يسبق الموافقة عليها منه شخصيًا. لكن جحشان قال إن تنفيذ إسرائيل لهذا العمل دون ضوءٍ أمريكي سياسي أو عسكري بدا غير ممكن.

القوات الأمريكية تمتلك أصولًا عسكرية ورادارات ودفاعات جوية في أنحاء الشرق الأوسط، وكلٌّ من إسرائيل وقطر يقعان ضمن منطقة مسؤليات قيادة القوات الوسطى الأمريكية، كما أن المبنى الذي ضربته إسرائيل يبعد أقل من 20 ميلاً (حوالي 32 كلم) عن أكبر قاعدة جوية أمريكية في المنطقة — قاعدة العديد/العييد. «لا بدّ أنهم استأذنوا الولايات المتحدة. نتنياهو عدواني، لكنه ليس بهذا الغباء»، قال جحشان.

من جهته، لفت كوتس أولريخسن إلى أن التغطية الإعلامية العامة تشير إلى أن الولايات المتحدة لم تمنح براءة مسبقة للعملية، لكنه توقع أن تكون هذه المسألة محور نقاشات حادة بين واشنطن وقادة دول الخليج: «خلف الكواليس، ستتمحور المحادثات اليوم بين قادة الخليج ونظرائهم الأمريكيين حول من علم ماذا ومتى، وما هي سلسلة الأحداث بدقة». وأضاف أن أي مؤشر على أن الولايات المتحدة كانت على علم كامل بخطط إسرائيل أو منحَتها موافقة مسبقة سيكون ضارًا للغاية بالعلاقات الأمنية والدفاعية والسياسية بين البلدين.

يقرأ  ارتقِ بممارستك الإبداعية ومسيرتك المهنية مع برامج التعليم المستمر في إس في إيه

«فرصة للسلام»؟
على رغم الاستنكار الدولي، قال ترامب إن هجوم الدوحة قد يكون «فرصة للسلام». جحشان لا يختلف مع أن أي تصعيد يمكن أن يتحول إلى مخرج ينهي الصراع، لكنه شدّد على أن إدارة ترامب لا تبدو مستعدة ولا حتى قادرة على ممارسة الدبلوماسية اللازمة لتحويل هذه اللحظة إلى مدخل لسلام ينهِي حرب غزة.

المشكلة، بحسبه، تكمن في طبيعة العلاقة غير المتماثلة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث تظل واشنطن ملتزمة بدعمٍ غير مشروط لإسرائيل مهما فعلت: «لدى أمريكا مئات الحلفاء حول العالم، لكن لا أحد يواجه هذه المعضلة التي تتقدم فيها مصلحة الدولة العميلة على مصلحة القوة العظمى».

ترامب نفسه قال إن ضرب قطر لا يخدم المصالح الأمريكية.

مات دوس، النائب التنفيذي لرئيس مركز السياسة الدولية، شدّد على أن الولايات المتحدة ما تزال تزود إسرائيل بالأسلحة اللازمة لمواصلة حروبها في أرجاء المنطقة. وقال في مقابلة تلفزيونية: إن «استهداف حليف أمريكي رئيسي خارج الناتو بهذا الشكل، في خضم مفاوضات تدعمها وتوسّطت فيها الولايات المتحدة، وضد مسؤولين كانوا يتواجدون في قطر بطلب أمريكي أصلاً، يتجاوز كل ما توقعتُه».

وأضاف: «ثمة مسار للتعامل مع هذا أمام دونالد ترامب، كما كان هناك أمام جو بايدن لو أرادا، وهو قطع إمدادات السلاح الأمريكية. إسرائيل لا تستطيع مواصلة شنّ هذه الحرب من دون تزويد ثابت بالأسلحة الأمريكية.»

أضف تعليق