تفاقمت العلاقات المشحونة بين فنزويلا والولايت المتحدة على إثر تقارير تحدثت عن احتمال قيام واشنطن بعمل عسكري داخل الأراضي الفنزويلية.
إعلان الإدارة الأمريكية تصنيف ما أسمته «كارتل دي لوس سولس» كمنظَّمة إرهابية أجنبية، واتهامها بقيادة الرئيس نيكولاس مادورو، رفع منسوب التوتر، رغم أن واشنطن لم تقدّم أي دليل علني يدعم هذه الادعاءات. في الواقع، يستخدم الفنزويليون تعبير «كارتل دي لوس سولس» لوصف مسؤولين متورطين بالفساد، ولا يعد تنظيماً منظماً بالمعنى التقليدي.
تبع ذلك تحذير من إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية (FAA) بشأن «وضع قد يكون خطراً» في المجال الجوي فوق فنزويلا، فألغت عدة شركات طيران رحلاتها استجابةً لإشعار NOTAM الذي ذكر ارتفاع النشاط العسكري وربما تعطّل إشارات نظام التموضع العالمي (GPS).
التحركات البحرية والعسكرية في البحر الكاريبي، التي وصفتها واشنطن بأنها جهود لمكافحة المخدّرات، طالها تراكم للقوات لعدة أشهر، بينما أجرى كبير ضباط الجيش الأمريكي، دان كاين، زيارات متكررة للمنطقة. في أكتوبر أكد الرئيس دونالد ترامب أنه سمح لوكالة الاستخبارات المركزية بتنفيذ عمليات سرية في فنزويلا، ما أعاد النقاش حول تاريخ التدخّلات الأمريكية في أمريكا اللاتينية إلى الواجهة.
كانت الضربات التي استهدفت قوارب اتهمتها واشنطن بالاتجار بالمخدّرات جزءاً من حملة أسفرت عن مقتل أكثر من 80 شخصاً، ويمثّل أي هجوم على الأراضي الفنزويلية تصعيداً كبيراً للحملة الأمريكية المستمرة في المنطقة.
من ناحيته، ندد الرئيس مادورو بالإجراءات الأمريكية ووصفت الحكومة الفنزويلية تصنيف «الإرهاب» لهذا الكيان المزعوم بأنه «كذبة سخيفة» تهدف لتبرير «تدخل غير شرعي وغير قانوني ضد فنزويلا».
على مستوى السياسة، ازداد الضغط الأمريكي منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025، عندما أعاد توتير المواجهات مع كاراكاس بعد تراجع سياسة إدارة سلفه جو بايدن التي ميّزت بمحاولة حوار مع مادورو. لكن جذور هذا التوتر تمتد إلى ما يقرب من ربع قرن، منذ صعود هوغو تشافيز إلى السلطة عام 1999، وتولّي مادورو الرئاسة عقب وفاة تشافيز في 2013.
خط زمني مختصر للأحداث منذ بدء الولاية الثانية لترامب (يناير 2025) وللتصعيد التاريخي لعلاقة واشنطن بفنزويلا منذ أواخر التسعينيات:
– 10 يناير 2025: حلف نيكولاس مادورو لولاية ثالثة بعد انتخابات مثيرة للجدل؛ الولايات المتحدة ترفض النتائج وتكرر مزاعم التزوير.
– يناير 2025: عودة ترامب إلى السلطة وسحب حالة الحماية المؤقتة (TPS) التي كانت تحمي نحو 600,000 فنزويلي من الترحيل.
– 20 فبراير 2025: إدارة ترامب تصف عصابة «ترين دي أراجوا» بأنها «منظمة إرهابية أجنبية» وتزعم وجود صلة بينها وبين مادورو، رغم اعتراف أجهزة استخبارات أمريكية بعدم وجود دليل قاطع يربط الزعماء الفنزويليين بالعصابة.
– 21 فبراير 2025: توصلت فنزويلا إلى تنسيق مع واشنطن حول دفعات من الترحيل الجماعي؛ وبدأ وصول أول دفعات المهاجرين إلى فنزويلا.
– 26 فبراير 2025: ترامب يلغي امتيازات للتنقيب عن النفط منحتها إدارة بايدن.
– 24 مارس 2025: فرض ترامب تعريفات جمركية نسبتها 25% على دول تشتري النفط الفنزويلي.
– 8 أغسطس 2025: ضاعفت واشنطن مبلغ المكافأة للقبض على مادورو إلى 50 مليون دولار ووصفتَه «زعيمًا إرهابيًا عالميًا» لكارتل دي لوس سولس.
– سبتمبر–نوفمبر 2025: شنّت الولايات المتحدة حملة بحرية «لمكافحة المخدّرات» في الكاريبي والمحيط الهادئ منذ 2 سبتمبر، وأسفرت سلسلة هجمات على ما وصفتها السفن الناقلة للمخدّرات عن مقتل أكثر من 83 شخصاً.
– 15 أكتوبر 2025: ترامب يؤكد أنه أذن لوكالة الاستخبارات المركزية بتنفيذ عمليات سرية داخل فنزويلا.
– 28 أكتوبر 2025: فنزويلا تعلق اتفاقية غاز مع ترينيداد وتوباغو على خلفية زيارة لسفينة حربية أمريكية.
– 12 نوفمبر 2025: فنزويلا تبدأ تدريبات عسكرية واسعة النطاق على الصعيد الوطني.
– 14 نوفمبر 2025: الولايات المتحدة تعلن عن مهمة «رماح الجنوب» ونشر قوات قرب أمريكا الجنوبية.
– 14–16 نوفمبر 2025: نشر حاملة الطائرات USS Gerald R. Ford وسفن حربية وآلاف من القوات وطائرات F-35 إلى منطقة الكاريبي.
– 22 نوفمبر 2025: إدارة الطيران الفيدرالية تصدر إشعار طيران يُحذر من مخاطر في المجال الجوي الفنزويلي نتيجة النشاط العسكري المتصاعد؛ الشركات الملاحية تعلق الرحلات إلى فنزويلا.
سياق تاريخي مختصر للعلاقات الاقتصادية والسياسية بين كاراكاس وواشنطن:
قبل تشافيز، كانت العلاقات الاقتصادية وثيقة؛ استثمرت شركات أمريكية في قطاع النفط منذ مطلع القرن العشرين، وأصبحت الولايات المتحدة بحلول عشرينيات القرن الماضي أكبر سوق لصادرات النفط الفنزويلية.
مع صعود تشافيز وتبنيه ثورة بوليفارية وسياسات قومية، توتّرت العلاقات. تأميم قطاع النفط وطرد شركات كبرى مثل إكسون موبيل وكونوكو فيليبس عام 2007 ضمن مسعى الدولة لزيادة حصتها في المشاريع الجديدة، بينما واصلت شركة شيفرون بعض عملياتها. تصاعدت المواجهة مع نفور تشافيز من النفوذ الأميركي وتوطّد مع تقاربه مع روسيا والصين وإيران.
لمحة سنوية لأهم المحطات خلال 25 سنة:
– 1999: تولّي هوغو تشافيز الرئاسة وإطلاق «الثورة البوليفارية» وإجراء تعديلات دستورية، وأولى خطوات تأميم قطاع النفط.
– 2000s: تدهورت العلاقات مع واشنطن، وطردت كاراكاس منظمات غير حكومية ودبلوماسيين مدعومين أمريكياً، واتهمت الولايات المتحدة بمحاولات زعزعة الاستقرار، بينما ردّت واشنطن بالانتقاد على ممارسات سلطوية وتقليص حرية الإعلام.
– 2002: محاولة انقلاب قصيرة الإمداد أزاحت تشافيز 48 ساعة؛ اتُهمت واشنطن بدعم المحاولة، وهو اتهام نفته الولايات المتحدة، ومهد هذا الحدث لعقدين من عدم الثقة.
– 2013: بعد وفاة تشافيز، فاز نائبه الطويل الأمد نيكولاس مادورو بالرئاسة بهامش ضيق، وبدأت فترة حكمه على وقع تدهور اقتصادي واتّهامات بالفساد وتدهور العلاقات مع الولايات المتحدة.
– 2014–2015: فرضت واشنطن عقوبات أولى شملت قيود تأشيرية وعقوبات على مسؤولين فنزويليين، مما زاد من حدة الأزمة الاقتصادية وأدى إلى نقص حاد في الغذاء والدواء وهجرة واسعة.
– 2017–2019: تصاعدت العقوبات لتشمل حظر الوصول إلى الأسواق المالية وحظر شراء ديون فنزويلية، وتصاعدت أزمة التضخّم حتى وصلت إلى ذروتها؛ وبحلول أبريل 2025 ظل التضخم في مستويات مرتفعة جداً.
– 2018: إعادة انتخاب مادورو في اقتراع مثير للجدل بعد استبعاد مرشحين معارضين، ما دفع المعارضة لنبذ الانتخابات؛ وأعلن خوان غوايدو نفسه رئيساً مؤقتاً وحصل على اعتراف واشنطن وعدد من الحلفاء.
– 2024: أعيدت السيناريوهات المثيرة للجدل عندما فاز مادورو مرة أخرى في انتخابات اعتبرها خصومه مزوّرة، بينما طالب مرشح المعارضة المستقل إدموندو غونزاليس بإعادة فرز الأصوات؛ أدوات الأمم المتحدة وبعض الحكومات اللاتينية انتقدت مجريات الاقتراع، وصرح وزير الخارجية الأمريكي آنذاك أنطوني بلينكن بوجود «أدلة ساحقة» على فوز غونزاليس.
الخلاصة: تراكمت سنوات من الخلافات السياسية والاقتصادية، وامتدت جذور الصراع إلى قرارات هيكلية حول ملكية وإدارة قطاع النفط، إلى جانب تباينات أيديولوجية عميقة. التصعيد الأخير بعد عودة إدارة أمريكية أكثر تشدداً، وتصنيف كيانات وشنّ عمليات سرية ومناورات عسكرية، يجعل من احتمال مواجهة مفتوحة أمراً يحظى بمتابعة دولية دقيقة وقد يغيّر موازين الاستقرار الإقليمي.