مدريد تتبنى نهجًا مختلفًا وجذريًا في معالجة الهجرة من إفريقيا

بول ميلي — محلل شؤون غرب افريقيا
(أ ف ب / غيتي إيماجز)

تخالف إسبانيا المزاج السياسي السائد بين دول الغرب بشأن قضايا الهجرة وسياسيات الشأن الإفريقي. ففي حين تقصر الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا ميزانيات المساعدات التنمويّة، تبقى مدريد ملتزمة بتوسيع حضورها التنموي — وإن كان من منطلق ميزاني أقل.

هذا الأسبوع استضافت العاصمة الإسبانية مؤتمراً عالمياً بدعم من الاتحاد الإفريقي تحت عنوان “أفرومدريد 2025” لمناقشة العدالة التصحيحية وإنشاء صندوق تنموي جديد. وهو مؤشر آخر على سعي الحكومة بقيادة الاشتراكيين لتعميق علاقة البلاد بالقارة وجوارها الجغرافي الذي يفصلها عنه بضعة كيلومترات عبر مضيق جبل طارق.

في يوليو الماضي أطلق وزير الخارجية خوسيه مانويل ألباريس مجلساً استشارياً يضمّ مثقفين ودبلوماسيين وشخصيات ثقافية بارزة، أكثر من نصفهم من أصول إفريقية، لمراقبة تنفيذ استراتيجية إسبانيا-أفريقيا التي نُشرت في نهاية العام الماضي. كما تُخطط مدريد لافتتاح سفارات جديدة جنوب الصحراء ولتعزيز شراكات في مجالات الأعمال والتعليم.

الاختلاف بين نهج إسبانيا ونهج شركائها الغربيين لا يقتصر على مستوى الإنفاق فحسب، بل يتجلّى بوضوح في النبرة والعقلية، ولا سيما في التعامل مع الهجرة. مثل غيرها من الحكومات الأوروبية، يسعى رئيس الوزراء بيدرو سانشيز إلى احتواء تدفّق الوافدين غير النظاميين. لكنه، كبقية زعماء الحقب الوسطى، يواجه تحدياً انتخابياً من اليمين المتطرّف، حيث تستفيد أحزاب مثل فوكس من مخاوف بعض الناخبين بشأن الهجرة وتحتل مواقع متقدّمة في استطلاعات الرأي.

في منطقة مورسيا، وتحديداً في تورّي باشيكو حيث يعمل كثيرون من المهاجرين الأفارقة في القطاع الزراعي المزدهر، اضطرّت قوات أمنية إضافية للنزول إلى الشوارع بعد وقوع اشتباك قيل إن ثلاثة مغاربة تورطوا فيه ضدّ مسنّ، ما أثار موجة عنف وعنصرية. ودعت فوكس إلى إجراءات صارمة تجاه المهاجرين الذين يشغلون وظائف منخفضة المهارة، في رسالة استهدفت خصوصاً العمال الأفارقة في إنتاج الخضار والفواكه — القطاع الذي بات ركناً أساسياً في اقتصاد جنوب إسبانيا.

يقرأ  حفلٌ قومي متطرّف ضخم في كرواتيا يكشف شرخاً عميقاً في النسيج الاجتماعي

بالنسبة للحكومة، تمثل الهجرة تحديات عملية بقدر ما هي سياسية. فقد عبَر أكثر من 45 ألف شخص من الساحل الغربي لإفريقيا إلى جزر الكناري بعبور بحري خطير العام الماضي، وتقدّرت أعداد الوفيات أثناء المحاولات بين نحو 1,400 و10,460 — فارق مرعب في التقدير يعكس هشاشة المسارات ورسميتها. كما يواصل آخرون الرحلات الأقصر عبر مضيق جبل طارق أو البحر المتوسط وصولاً إلى شواطئ الأندلس أو محاولات تجاوز أسوار سبتة ومليلية، المدينتين الإسبانيتين الواقعين على الساحل الشمالي لإفريقيا.

على الأرض يتوجب على الإدارة الإسبانية استقبال القادمين الجدد، وفحص طلباتهم، وإدارة دمجهم الاجتماعي سواء على نحو مؤقت أو دائم. لكن نبرة حكومة سانشيز تختلف بشكل ملحوظ عن الرسائل العدائية الصادرة عن عواصم أوروبية أخرى؛ فهي تعترف صراحة بالواقع الاقتصادي القاسي في غرب افريقيا الذي يدفع الناس للمخاطرة بحياتهم بحثاً عن فرص في أوروبا، وتسعى إلى تجاوز ردود الفعل السلبية البسيطة بالعمل على بدائل إبداعية.

تهدف هذه البدائل إلى تشجيع حركات للهجرة “آمنة ومنظمة ومنتظمة” تراعي مصالح البلدين. وخلال زيارته لموريتانيا العام الماضي نوّه سانشيز بمساهمة المهاجرين في الاقتصاد الإسباني قائلاً إن ظاهرة الهجرة لا تتعلق فقط بالمبادئ الأخلاقية والتضامن والكرامة، بل أيضاً بـ”العقلانية”.

تموّل إسبانيا برامج تدريبية للشباب العاطل في دول مثل السنغال، لا سيما لأولئك الذين أعيدوا إلى بلدانهم بصورة غير منتظمة، لمساعدتهم على بناء سبل عيش مستدامة. كما وسّعت مدريد برنامج الهجرة الدائرية الذي يوفّر تأشيرات قصيرة الأجل للعمل الموسمي، خصوصاً في القطاع الزراعي، مع عودة العمال إلى أوطانهم بعد انتهاء المدة.

كانت هذه الملفات في صلب أجندة سانشيز خلال زياراته للسنغال، وغامبيا، وموريتانيا في أغسطس من العام الماضي. وقد وُقّع اتفاق للهجرة الدائرية مع السنغال منذ 2021، وتلاه اتفاقان مماثلان مع موريتانيا وغامبيا. وتستند هذه المقاربة في جوهرها إلى ما ورد بتفصيل في استراتيجية وزارة الخارجية لإسبانيا-أفريقيا، التي تؤكد أن أوروبا وافريقيا “جزآن من نفس الفضاء الجيوسياسي”.

يقرأ  إسرائيل تكرّم «ولاء» رئيس وسائل الإعلام الألمانية ماتّياس دوفنر

إدارة الهجرة ليست الدافع الوحيد وراء تركيز إسبانيا على بناء علاقات مع القارة؛ فالأجندة تتسع لتشمل أبعاداً اجتماعية وثقافية وسياسية. فمدريد ترى، بحكم قربها الجغرافي، مصلحة ذاتية في تقدم افريقيا نحو تنمية شاملة ومستدامة، وفي ترسيخ السلم والأمن فيها.

ولئن بدا هذا المنطق بديهاً، فقد كان مسار التاريخ الإسباني مختلفاً: فقد اتخذت إمبراطورية إسبانيا في القرنين السادس عشر والسابع عشر اتجاهاً عبر الأطلسي مع بعض المواقع في المغرب وبُقعة استوائية صغيرة هي غينيا الاستوائية الحالية. وعلى مدى عقود هيمنت شؤون أوروبا والشرق الأوسط على أولويات مدريد الخارجية، بينما كانت بلدان أميركا الوسطى والجنوبية المستفيد الرئيسي من دعمها التنموي.

غير أن السنوات الأخيرة شهدت اتساع أفق السياسة الخارجية في عهد حكومة سانشيز. إذ لم تكد تمرّ أيام قليلة على تعيين ألباريس وزيراً للخارجية في يوليو 2021 حتى شرع في إعادة هيكلة الوزارة لتعزيز انخراطها ليس فقط مع أميركا اللاتينية بل أيضاً مع منطقة الساحل وشمال افريقيا. ثم كرّست خطة التعاون التنموي 2024–2027 هذا التوجّه الجغرافي الأوسع عندما جعلت غرب افريقيا، بما في ذلك الساحل، إحدى ثلاث مناطق أولوية للمساعدة إلى جانب أميركا الوسطى والجنوبية.

تركز استراتيجية إسبانيا لأفريقيا على قطاعات اقتصادية مثل البنى التحتية والرقمنة وانتقال الطاقة، لكنها تولي اهتماماً خاصاً للتعليم وتوظيف الشباب. ويشمل الجانب الثقافي تعزيز اللغة الإسبانية من خلال توسيع وجود معهد ثيربانتس وبرامج تسهيل تنقّل الأساتذة والباحثين الجامعيين. كما تُعدّ التعاونات الأمنية، والعمل على المناخ، وتمكين المرأة، وتوسيع التمثيل الدبلوماسي من المكوّنات المتوقعة في هذا الإطار.

ومع ذلك تبرز في الاستراتيجية أيضاً أهمية دعم القيم الديمقراطية والاتحاد الإفريقي، وعلى نحو خاص المجموعة الإقليمية لغرب افريقيا (إيكواس). وسيشكل هذا الدعم تشجيعاً علنياً مرحباً به لإيكواس التي تمرّ بضغط شديد بعد أن طغت انشقاقات دول الساحل — بوركينا فاسو ومالي والنيجر — على احتفالات الذكرى الخمسين لها، حيث رفضت الحكومات العسكرية الحاكمة الامتثال لبروتوكولات الديمقراطية والحكم الرشيد.

يقرأ  عمال مؤسسة نيويورك للفنون يشرعون في تشكيل نقابة

وفي رسالة تستهدف الجمهور الإسباني بقدر ما تستهدف الشركاء جنوب الصحراء، أكدت وزارة الخارجية أن “دعم الجاليات الإفريقية ومكافحة العنصرية وكراهية الأجانب من الأولويات الأساسية”. بالطبع تظل الكلمات الطيبة خطوة أولى لا أكثر، لكن في مناخ دولي متشنج تبرز مثل هذه اللغة بصورة لافتة.

بول ميلي هو باحث مشارك في برنامج أفريقيا لدى تشاتام هاوس في لندن.

أضف تعليق