قوات الاحتلال تصعد قصفها على أكبر مجمّع طبي في غزة، مُسوية أحياء كاملة بالأرض، ودافعة مرضى مرعوبين إلى التلاقي بالبحث عن مأوى، بينما تستمر قواتها بعملية برية للسيطرة على مدينة غزة.
أطباء داخل مستشفى الشفاء وصفوا الأحد مشاهد «مروّعة»، إذ أُجبر كثيرون على الفرار رغم حاجتهم الماسة للعلاج. وقال حسن الشاعر، المدير الطبي للمستشفى، إن الكادر الطبي يواصل عمله «رغم ظروف قاسية وخوف غامر».
وذكر الشاعر أن نحو مئة مريض يتلقون العلاج في ظروف بالغة الصعوبة، مع نقص حاد في الأدوية المنقذة للحياة والمعدات الطبية.
ؤأكد باحثون في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان استخدام إسرائيل لما يُعرف بـ«أحزمة النار» — أسلحة حارقة تُشعل النار على شريط من الأرض — كما نشرت القوات مركبات محمّلة بالمتفجّرات حول المستشفى بينما تقدّمت وحدات عسكرية من الجانبين الشمالي والشرقي للمرفق الصحي.
وأفادت مصادر طبية نقلتها وكالة وفا بأن الجيش الإسرائيلي قصف مستشفى الحلو في المدينة، الذي يضم قسماً للأورام ووحدة ولادة وحتّى حضانة لِرعاية اثني عشر مولوداً خديجاً. وأخبر طاقم المستشفى الوكالة أن أكثر من تسعين شخصاً — بينهم أطباء وممرضون ومرضى — ما زالوا محاصرين داخل المبنى بعدما أحاطت الدبابات الإسرائيلية بالمرفق وأغلقت طرق الدخول والخروج.
كما قصفت قوات الاحتلال، الأحد، برجا متعدد الطوابق (برج مكة) بعد إصدار تهديد بإخلاء أحياء الرمال والصبرة ومناطق الميناء وأجزاء من شارع بيروت. وبلغ عدد الأبنية متعددة الطوابق التي دُمّرت في الأسابيع الأخيرة نحو خمسين مبنى، فيما تستمر القوات في هدم أحياء كانت تأوي آلاف السكان.
وصف هاني محمود مراسل الجزيرة الهجمات في مدينة غزة بأنها «هائلة» و«لا هوادة فيها»، موضحاً أنها مزيج من مدفعية ثقيلة وغارات بطائرات دون طيار وقنابل هزّازة تُسقط على مناطق وتُدمّر أساسات المباني.
من جهتها، أعلنت كتائب القسام، الجناح المسلح لحركة حماس، الأحد أنها فقدت الاتصال بمأسورين اثنين أُخِذا من داخل إسرائيل خلال هجمات السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023. وقالت القسام إن احتمال أن يكون الأسرى مغطّون تحت الأنقاض مرتفع للغاية، لا سيما وأن المنطقة تعرّضت لقصف مكثف في الأيام الأخيرة، بحسب تعليقات مراسل الجزيرة.
على الصعيد الدبلوماسي، ومع ارتفاع حصيلة القتلى في غزة منذ أكتوبر 2023 إلى أكثر من 66 ألف شخص، تصاعد الحديث في الأيام الأخيرة عن مساعي لحل دبلوماسي للحرب التي وصفها فريق تحقيق تابع للأمم المتحدة بأنها «إبادة جماعية». وفي مقابلة مع وكالة رويترز، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه يأمل إنهاء مقترح خطة سلام لغزة في اجتماع الاثنين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، مضيفاً أنه حصل على «استجابة جيدة جداً» من إسرائيل وزعماء عرب، وأن «الجميع يريد إبرام صفقة». من جانبها، نفت حماس تلقي أي مقترح حتى الآن من ترامب أو وسطاء آخرين.
وقال بنيامين نتنياهو إنه يعمل على خطة لوقف إطلاق النار عشية اجتماعه مع ترامب: «نعمل عليها، لم تُحسم بعد، لكننا نعمل مع فريق الرئيس ترامب الآن، وآمل أن نتمكن من إنجازها». وأكد نتنياهو مراراً أن حماس يجب أن تَنزع سلاحها أو تُهزم، وأضاف لإحدى المحطات أنه مستعد للتفاوض على صفقة قد تتضمن إخراج قيادات حماس من غزة بمرافقة أمنية.
من جانبها، أعلنت حماس أنها لن تتخلى عن سلاحها ما دام الفلسطينيون يناضلون من أجل دولة، ورفضت أي طرد لقياداتها من القطاع.
وأبدى الملك الأردني عبد الله الثاني تفاؤلاً إزاء مقترح ترامب، قائلاً إن كثيراً من بنوده تتوافق مع «ما تم الاتفاق عليه». ولم تُكشف تفاصيل خطة الـ21 بنداً التي عُرضت على قادة عرب ومسلمين، لكن تقارير تقول إنها تهدف إلى منع حماس من أي دور مستقبلي في حكم القطاع، وتشتمل أيضاً — بحسب ما ورد — على وعد من ترامب بعدم ضم الضفة الغربية المحتلة، ومساهمة عسكرية من دول عربية ومسلمة لضمان الأمن.
وأعرب نائب الرئيس الأمريكي جي. دي. فانس عن تفاؤل حذر حيال الصفقة، قائلاً إنه يشعر بتفاؤل أكبر الآن مما كان في الأشهر الماضية، لكنه حذر من أن الأمور قد تتعرقل في اللحظات الأخيرة. وقال مروان بشارة، المحلل السياسي الكبير في الجزيرة، إن مسودة الاتفاق الأصلية تغيّرت بعد لقاء ترامب مع زعماء عرب لتعكس طلبات فلسطينية.
ورأى بشارة أن هناك نقاطاً أساسية لا تزال بلا إجابة: أين تكون الدولة الفلسطينية؟ هل ستكون دولة ذات سيادة؟ هل ستشمل غزة والضفة والقدس الشرقية؟ لا يذكر شيء من ذلك صراحة في المقترح، على الرغم من وجود عناصر ترضي المشاركين الراغبين في إرساء مسار نحو دولة فلسطينية.
ييواصل المجتمع الدولي والساسة الإقليميون والدوليون الضغط على أطراف النزاع لإيجاد مخرج دبلوماسي قبل أن تتفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة.