مروّجٌ لدعايةِ بوتين — أم مفتاحٌ للسلامِ مع أوكرانيا؟

كيريل دميترييف يبرُز كنوع نادر من الدبلوماسيين الروس: في الخمسين من عمره، شاب نسبياً، ومطلّ على الولايات المتحدة بعد سنوات من الدراسة والعمل هناك، لكنه في الوقت نفسه رجل أعمال ومالك خبرة مالية، يقود صندوق الاستثمار المباشر الروسي، وهو الشريك المناسب نظرياً لمبعوث إدارة ترامب الخاص، ستيف ويتكوف.

حضور دميترييف أصبح بارزاً بعدما انكشفت مسودّة مشروع سلام عقب لقاء استمر ثلاثة أيام بينه وبين ويتكوف في ميامي. فريقه امتنع عن التعليق على بنود المسودة، التي بدا أنها تعكس قائمة رغبات الكرملين، إذ تطلب من أوكرانيا التنازل عن أراضٍ تخضع عملياً لسيطرتها وتقليص قدراتها العسكرية.

الرئيس فولوديمير زيلينسكي تجنّب رفض الشروط علناً، لكنه أصرّ على أن أي اتفاق يجب أن يؤمّن “سلامة كريمة، وشروطاً تحترم استقلالنا وسيادتنا”. وفي سبيل خلق هذا المسار تفاهمَ ويتكوف ودميترييف بسرعة، بعد أن لعب الأخير دوراً في إطلاق سراح معلمة أميركية من سجون رووسيا، ما عزّز صورته كوسيط فعال بين الجانبين.

دميترييف يعرف أوكرانيا معرفةً عميقة، أكثر من كثيرين في موسكو؛ نشأ في كييف، وصديق له يذكر أنه شارك في احتجاجات شبابية مناصرة للديمقراطية قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، عندما كان في الخامسة عشرة. منذ بداية ولاية ترامب الثانية، كان دميترييف حضوراً ثابتاً في المبادرات الدبلوماسية الأميركية–الروسية، وكان ويتكوف مقابلاً متكرّراً له.

أسلوبه المباشر في التعامل مع مسؤولين أميركيين لم يُكسبه دائماً تأييداً؛ عندما أعلنت واشنطن عقوبات على شركتي النفط الروسيتين الأكبر، وصفه وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت بأنه “مروّج دعائي روسي” بعد أن ألمح دميترييف إلى أن الإجراءات قد ترفع أسعار الوقود في الولايات المتحدة. ومع ذلك يتقن الظهور على شاشات التلفزيون الأميركية، يمدح مهارات ترامب الدبلوماسية بينما ينقل للمشاهدين الغربيين سرد الحكومة الروسية بلغتهم.

يقرأ  التكاليف الخفية لوفرة الأدوات الرقمية في المدارس

في مقابلة مع شبكة سي إن إن، قال إن الجيش الروسي “يستهدف أهدافاً عسكرية فقط” — تصريح جاء بعد قصف روضة أطفال في خاركيف— وأضاف أنه يعمل من أجل فتح باب الحوار وإنهاء الصراع في أسرع وقت ممكن. ومع أن وصفه “ليس رجل جيش”، فإن خلفيته المهنية في الاستثمار الخاص تجعله أكثر رجل صفقات منها رجل سيف.

وجوده ظل واضحاً في الخلفية خلال زيارات بوتين إلى دول مثل الإمارات، لكنه معروف أيضاً بعلاقاته التي أثارت الشكوك: في 2022 صنفته وزارة الخزانة الأميركية حليفاً معروفاً لبوتين وفرضت عقوبات على الصندوق الذي يديره منذ 2011، معتبرة أن الصندوق، رغم طابعه الرسمي، يُنظر إليه على أنه صندوق ميزانية موازٍ لدوائر السلطة في موسكو.

اتهامات الاختلاس والاتصالات العائلية لا تفارقه؛ تُنسب إلى دميترييف ثروة عقارية كبيرة منقولة إلى زوجته الإعلامية ناتاليا بوبوفا، التي تربطها صداقة ومهنة بكاترينا تيخونوفا، ابنة بوتين ونائب رئيس شركتها التكنولوجية إننوبراكتكا. وغالباً ما يُدرَج دميترييف ضمن حلقة تيخونوفا المقربة.

طفولته العلمية في كييف كابن لعالمين —والده عالم خلايا معروف، ووالدته عالمة وراثة— قد تكون فسرت توجّهه لاستخدام الصندوق لتمويل لقاح سبوتنيك V خلال جائحة كوفيد. لقاءه الأول ببوتين يرجع إلى مطلع رئاسته، لكن دميترييف لم يكن دائماً في توافق تام مع رؤى الكرملين؛ في سابقة شبابية شارك في حركة احتجاجية مناهضة للسوفييت، وحين سافر إلى الولايات المتحدة ضمن برنامج تبادل طلابي عام 1990 تحدث عن الهوية الوطنية الأوكرانية واعتبارها تاريخاً قائماً قبل انضمامها إلى الإمبراطورية الروسية.

مساره الأكاديمي والمهني تضمن دراسة في ستانفورد، حيث كتب مقترح بحثي عن خصخصة الاقتصاد الأوكراني، ثم نال ماجستير إدارة أعمال من هارفارد، وعمل لدى ماكنزي في لوس أنجلوس وبراغ وموسكو، قبل الانضمام إلى صندوق الاستثمار الأميركي–الروسي الذي أُنشئ لتسهيل انتقال روسيا إلى اقتصاد السوق. في 2003 بدا ناقداً لإجراءات الكرملين ضد الأوليغارشية في مقالة نشرها في صحيفة فيدوموستي، ما يبيّن أن علاقته بالقوة السياسية اتسمت بالتعقيد والتبدّل.

يقرأ  أطباء غزة يحققون في «علامات تعذيب» على جثث مجهولة الهوية أعادتها إسرائيل

بين الوسيط الاقتصادي والدبلوماسي، يظل دميترييف شخصية محورية في مساعي إنهاء عزل روسيا الدبلوماسي في الغرب، لكنه يواجه صعوبات سمعة وعقوبات دولية تُذكر دائماً عند تقييم دوره وبرامجه. ستُحدّد خطواته المقبلة مدى قدرته على تحويل مسودات ومحادثات إلى نتائج ملموسة على الأرض. «العالم فطِن بما يكفي لتمييز الفرق بين الالتزام بحرف القانون واستخدام القانون كأداة نفوذ»، كتب.

بحلول 2007 عاد إلى أوكرانيا ليتولى إدارة صندوق الاستتثمارات Icon Private Equity، الذي كان له مكاتب في كييف وموسكو.

مع مرور الوقت ازداد اشتكاؤه من «عدم استقرار» المشهد السياسي الأوكراني، وأشار إلى أن روسيا أرجح قدرة على مواجهة الأزمة المالية العالمية.

كان ضيفًا متكررًا على برامج الحوار التلفزيوني، وفي عام 2010 حذر من احتمال أن تواجه أوكرانيا «هولودومور اقتصادي» إذا انتهجت سياسة الانعزال عن روسيا — إشارة إلى مجاعة الثلاثينيات التي نجمت عن سياسات الديكتاتور السوفييتي جوزيف ستالين.

في 2011 انتقل مرة أخرى إلى روسيا ليتولى قيادة صندوق الاستثمار الروسي المباشر الذي أُطلق حديثًا، وما زال مقيماً هناك حتى اليوم.

مبادراته تجاه إدارة ترامب لم تكن وليدة الصدفة.

يشير تقرير مولر عن علاقات حملة ترامب بروسيا خلال انتخابات 2016 إلى لقاء ديميترييف بأنصار الحملة بعد التصويت. غير أن الاتصالات مع جهات أميركية تكثفت لاحقًا.

تركز جزء كبير من نشاطه على المجال الدبلوماسي، مع إبقاء عين على الفرص التجارية العملية.

اقترح مشاريع طاقة مشتركة في القطب الشمالي، وطرح فكرة شراكة صندوق الثروة السيادية الروسي مع شركات أميركية لاستثمار رواسب العناصر النادرة.

كما تحدث عن عرضٍ لإيلون ماسك «مفاعل نووي صغير الحجم لمهمة إلى المريخ»، وحتى عن نفق سكة حديد بقيمة ثمانية مليارات دولار — مسمىً إياه «بوتين–ترامب» — يربط بلدَيهما تحت مضيق بيرينغ.

يقرأ  شركة كامبل تتوقع أثر الرسوم الجمركية خلال العام المقبل مع تفاقم حالة عدم اليقين الاقتصادي أخبار الأعمال والاقتصاد

قد يرتفع رصيده داخل الدوائر الروسية، لكن سمعته تدهورت في أوكرانيا، حيث فُرضت عليه عقوبات تتهمه بارتكاب جرائم ضد أوكرانيا والأوكرانيين.

أضف تعليق