قضاء مرجعيون، لبنان — في قريته الجنوبية حولا، على بعد أمتار قليلة من الحدود مع اسرائيل، يتجوّل خيرالله يعقوب في بستانه المعتّق من الزيتون. يجمع خيرالله حبّاته رغم قلّتها هذا العام، إذ باتت الحقول التي كانت تضمّ نحو مئتي شجرة زيتون وعشرات أشجار الفاكهة الأخرى مدمّرة إلى حدّ بعيد.
بعد وقف إطلاق النار بين حزب الله وِاسرائيل في نوفمبر 2024 الذي أنهى حربًا استمرت عامًا، دخلت القوات الاسرائيلية المنطقة وجرّت الآليات الأراضي واقتلعَت أشجارًا على امتداد المناطق الحدودية، تشمل حولا — بحسب وزير الزراعة اللبناني نزار هاني — نحو 56 ألف شجرة زيتون. وقد أعلن مسؤولون اسرائيليون نواياهم البقاء لفترة غير محدّدة في «منطقة عازلة» على طول الحدود.
محصول تحت مرأى العدو
لا توجد قوات اسرائيلية متمركزة داخل ما تبقّى من مزرعة خيرالله، لكن البستان مكشوف كليًا أمام مواقع اسرائيل في مينورا على الضفة المقابلة. هذا يجعل كل تحرّك يقوم به مرئيًّا، وهو السبب في أن خوفه من الاقتراب من أشجاره ظلّ شديدًا حتى اليوم.
«هنا عشنا أنا وإخواني حياتنا»، قال خيرالله وهو يسير بجانب أشجار قال إن بعضها تجاوز الأربعين عامًا. «أمضينا ساعات طويلة في الفلاحة والزرع والحصاد، لكن جيش الاحتلال دمّر كل شيء.» اليوم لم يتبقَّ لخيرالله سوى عشر شجرات زيتون، وإنتاجها ضئيل نتيجة عوامل عدة، أبرزها قلة الأمطار واضطرارهم للاختفاء عن البستان عند اندلاع الحرب بين حزب الله وِاسرائيل في 8 أكتوبر 2023. هدفه الآن أن يبدأ ترميم البستان وإعادة غرسه، لأن هذه الأرض كانت المورد الأساسي لكفايته وكفاية إخوته الأربعة، وهو في الخامسة والخمسين من العمر.
في المزرعة ـ التي كانت في حولا بقضاء مرجعيون ـ كانوا لا يقتصرون على الزيتون بل كانوا ينتجون زيتًا ويزرعون فواكه أخرى، وحتّى أنهم كانوا يملكون عشرين بقرة كلها نفقت بسبب الحرب. لكن وجود القوات الاسرائيلية القريبة يجعل استعادة الحياة كما كانت مخاطرة كبيرة.
«في العام الماضي لم نتمكّن من القدوم إلى البستان ولم نحصد»، قال خيرالله. «قد يرسل الجيش الاسرائيلي إنذارًا عبر طائرة مسيّرة أو يرمي قنبلة صوتية لتخويفي، وإذا لم أبتعد فقد أتعرض لقصف مباشر.»
تدمير منهجي
مثل خيرالله، يروى حسين ظاهر — مزارع من بلدة البليدا على بعد نحو خمسة كيلومترات — تفاصيل مزارعه على الخطّ نفسه. يملك حسين عدّة دونمات من أشجار الزيتون على الحدود، وبعضها يعود لقرون وكان موروثًا عن الأجداد، وقد اقتلعت الآليات بعضها أيضًا. والأشجار التي بقيت تقف لم يتمكّن حسين من حصادها بسبب الهجمات.
وصف حسين حادثة عندما حاول الوصول إلى إحدى بساتينه: «ظهرت فوقي طائرة مسيّرة اسرائيلية. رفعت يديّ لأشير أنني مزارع، لكنها اقتربت مجدّدًا. انتقلت إلى مكان آخر، وبعد دقائق عادت إلى النقطة التي كنت أقف فيها وأسقطت قنبلة؛ لو لم أتحرك لقتلتني.»
أفادت الأمم المتحدة الشهر الماضي بأن الهجمات الاسرائيلية في لبنان منذ بدء وقف النار أودت بحياة أكثر من 270 شخصًا. المخاطر دفعت بعض المزراعين إلى عدم العودة حتى الآن، لكن الكثيرين مثل حسين لا خيار أمامهم؛ فمواسم الزيتون تمثّل شريانًا اقتصاديًا لهم ولغالبية الأسر الريفية، ويجب عليهم الآن محاولة تعويض الخسائر التي تكبّدوها خلال العامين الماضيين.
في دراسة أصدرها في أبريل مكتب منظمة الأغذية والزراعة التابع للأمم المتحدة (الفاو)، تبين أن 814 هكتارًا من بساتين الزيتون دُمّرت، وخُسِّرَ في هذا القطاع وحده ما يقدّر بنحو 236 مليون دولار، من أصل إجمالي خسائر القطاع الزراعي التي بلغت حوالي 586 مليون دولار.
«كنا ننتج مئات الصناديق من الزيت؛ أما اليوم فلا ننتج شيئًا»، قال حسين الذي يعيل عائلة مكوّنة من ثمانية أفراد. «بعض المزارع كانت تنتج أكثر من 200 صندوق زيتون في الموسم بقيمة تقارب 20 ألف دولار. هذه العائلات كانت تعتمد على الزراعة وإنتاج العسل، لكن كل شيء دُمّر.»
الآثار على معاصر الزيتون
تأثّرتمعامل العصر أيضًا: في معصرة بالأترون قال صاحبها أحمد إبراهيم إنه أنتج حمولة شاحنة واحدة هذا العام مقابل 15 إلى 20 حمولة في السنوات العادية. «كانت قرى مثل يارون تجلب كميات كبيرة من الزيتون، لكن هذا العام لم يأتِ أحد،» قال أحمد. «الاحتلال دمّر مساحات شاسعة من بساتينهم ومنع المزارعين من الوصول إلى الباقي بإطلاق النار وإبقائهم بعيدين.»
أحمد في السبعين من عمره وأب لخمسة أبناء، وأسّس معاصرته في عام 2001. المطالب الآن تتمثل في تمكين الناس من العودة إلى أراضيهم وفتح طرق آمنة للحصاد وإعادة تأهيل البنى التحتية الزراعية حتى لا يضيع موسم بعد آخر. أكد أن تراجع النشاط الزراعي، ولا سيما زراعة الزيتون في جنوب لبنان، سيؤثر تأثيرًا بالغًا على المجتمعات المحلية.
المعصرة في بلدة عيتارون الجنوبية اضطرت إلى الإغلاق بعد موسم ضعيف لإنتاج الزيتوون.
العديد من تلك المناطق لا تزال تحمل ندوب القتال، والأسلحة التي استخدمتها إسرائيل قد تواصل تأثيرها على أشجار الزيتون والمحاصيل الأخرى المزروعة في جنوب لبنان.
يشير حسين إلى الاستخدام المزعوم للفوسفور الأبيض من قبل إسرائيل، وهي مادة سامة تحرق كل ما تصيبه، قائلاً إن هذه المادة أثرت على نمو النباتات.
سبق للخبراء أن أخبروا الجزيرة أن استخدام إسرائيل للفوسفور الأبيض، الذي تقول إنه يُستعمل لتوليد ستائر دخان على ساحات القتال، يأتي ضمن محاولات إنشاء منطقة عازلة على طول الحدود.
لكن إذا كان المزارعون اللبنانيون عازمين على مقاومة خطة المنطقة العازلة وإعادة الحيوية إلى المنقطة الحدودية، فسيحتاجون إلى دعم من السلطات اللبنانية والمجتمع الدولي — دعماً يقولون إنه لم يأتِ بعد.
«للأسف، لم يعوضنا أحد، لا وزارة الزراعة ولا غيرها»، قال خيرالله، المزارع من حولا. «خسائري لا تقتصر على البستان الذي جُرفت أرضه فحسب، بل تشمل المزرعة والمنزل أيضاً. منزلي، الواقع في وسط البلدة، تعرّض لأضرار بالغة».
قالت الحكومة اللبنانية إنها تهدف إلى دعم المناطق المتضررة من الحرب، وقد أيَّدت جهود منظمات غير حكومية لمساعدة المزارعين.
وفي حديثه إلى الجزيرة، قال وزير الزراعة هاني إن الحكومة بدأت بتعويض المزارعين — حتى 2500 دولار — وزرع 200000 شتلة زيتون. كما عرض مشاريع للترميم واستخدام سجل المزارعين للمساعدة في تنمية القطاع الزراعي.
«من خلال السجل، سيتمكن المزارعون من الحصول على قروض ومساعدات ودعم اجتماعي وصحي»، قال هاني. «الزيتون وزيت الزيتون لهما قيمة عظيمة وجوهرية، وهما أولوية قصوى لوزارة الزراعة».
لكن خيرالله وحسين وأحمد لم يروا هذا الدعم بعد، مما يدل على أن توسيع عمليات التعافي سيتطلب وقتًا.
ويحذر حسين من أن غياب هذا الدعم سيضطر المزارعين في نهاية المطاف إلى الرحيل وترك تقليد يمتد لمئات السنين.
«إذا لم يزرع المزارع فلن يستطيع البقاء»، قال حسين. «للأسف، تقول الحكومة إنها لا تستطيع المساعدة، في حين وعدت منظمات وممولون دوليون، مثل الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، بالدعم، لكننا لم نر شيئًا بعد».