مشروع حائز على جوائز في التوليد المشترك يحوّل النفايات الغنية بالهيدروجين إلى طاقة صناعية

في قلب الحزام الصناعي البرازيلي، نال مشروع طاقة رائد جائزة “POWER Top Plant” لتحويل غاز النفايات الغني بالهيدروجين إلى طاقة نظيفة وموثوقة. محطة فيستا للتوليد المشترك لم تُحسّن فقط كفاءة أكبر مجمع بتروكيماويات في أمريكا اللاتينية، بل أرست معيارًا جديدًا للابتكار الطاقي في قطاع التصنيع الكيميائي. في صلب ساو باولو الصناعية، حيث يشتغل أول مجمع بتروكيماويات في البرازيل بإنتاج شبه مستمر، برزت معضلة تبدو متناقضة: كيف تنتقل إلى طاقة أنظف بينما تُنتج عمليتك الصناعية غاز نفايات غنيًا بالهيدروجين كمنتج ثانوي؟ بالنسبة لغالبية الشركات، كان هذا الغاز يُحرق بصورة تبديدية، محررًا انبعاثات دون استرجاع قيمة. لكن شركة براسكيم، أكبر منتج للثرموبلاستيك في امريكا، رأت في المسألة فرصة بدل ضياع. رؤيتها لحل المعضلة تمثّلت في محطة فيستا للتوليد المشترك، مشروع تحديث يُثبت أن الطريق نحو تصنيع مستدام لا يستلزم بالضرورة التخلي عن البنية التحتية القائمة، بل قد يتطلب إيجاد سبل مبتكرة لاستغلال التفاعلات الكيميائية الحاصلة داخل عملياتك.

تشير منطقة ABC في ساو باولو إلى تجمع حضري صناعي تشكّل أساسه ثلاث مدن: سانتو أندريه (A)، ساو برناردو دو كامبو (B)، وساو كايتانو دو سول (C). تشكل هذه المدن محورًا صناعيًا رئيسيًا جنوب مدينة ساو باولو، وتشتهر بصناعاتها الثقيلة في السيارات والبتروكيماويات والصلب. افتُتح مصنع المواد الخام في المنطقة عام 1972 كجزء من أول مجمع بتروكيماويات دخل حيز التشغيل في البرازيل. تم تركيب الوحدة في سانتو أندريه، وكانت مسؤولة عن تحويل خامات مشتقة من النفط، مثل النفثا، إلى مواد أساسية كالإيثيلين، والبروبيلين، والبيوتادين، وراتنجات الهيدروكربون، وهي قواعد لمواد متعددة كاللدائن المستخدمة في قطاعات البناء، والسيارات، والأدوات الطبية، والمواد الغذائية، والتغليف، والملابس، والأحذية. في فبراير 2019 قررت براسكيم الشراكة مع شركة سيمنس إنرجي لتحديث مجمع ABC البتروكيماوي؛ وكان الهدف من المشروع ترشيد نظام الطاقة لرفع كفاءة الإنتاج وتحسين مؤشرات الاستدامة بالمجمع. التحديث التكنولوجي خدم وحدة الكراكر، الوحدة الصناعية الرئيسية المنتجة للمواد الخام لقطاعي الكيمياء والبلاستيك، وبذلك لم يكن المسعى مجرد تركيب معدات جديدة فحسب، بل كان نموذجًا رائدًا لكيف يمكن للصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة أن تحول تيارات نفاياتها إلى ميزات تنافسية.

يقرأ  دراما كورية بعنوان «تمبست» تشعل غضب القوميين في الصين

عند الإعلان عن المشروع، أكد لويس بازين، المدير الصناعي لوحدة براسكيم للكيماويات في الجنوب الشرقي، أن المشروع يمثل جهدًا كبيرًا نحو تميّز تشغيلي وتعزيز الالتزام بالتنمية المستدامة، وأن التوليد المشترك للكهرباء والغاز سيخفضان استهلاك الطاقة ويقلّلان انبعاثات الغازات الدفيئة. قدّرت الشركة أن المشروع سيخفض استهلاك المياه للوحدة بنسبة 11.4% وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 6.3%. وأوضح أندريه كولن كاراسكو، رئيس التشغيل والصيانة وخدمات سيمنس إنرجي في البرازيل، أن التوليد المشترك مكّن من تقليل استهلاك الطاقة الكلي بالموقع بنحو 7.3% مع رفع موثوقية إمداد الكهرباء، ما زاد من تنافسية براسكيم في تكاليف الإنتاج وخفض خسائر الإنتاج المرتبطة بمشكلات الإمداد الخارجي، فضلاً عن تحسين الأثر البيئي.

تولت سيمنس إنرجي تنفيذ المشروع وتشغيل محطة التوليد الكهربائي والبخاري لفترة ابتدائية مدتها 15 عامًا. شمل العقد تزويد حلّ متكامل معزّز بالتكرار، تضمن توربينين غازيين من طراز SGT-600، ومبنى كهربائي جاهز (E-house) يضم معدات التوزيع والتحكم، وتوسعة للمحطة الفرعية ذات الجهد العالي القائمة، وثلاثة ضواغط متبادلة، ونظام متقدم لتفريغ الأحمال، وبرمجيات متصلة للتحكم بالمحطة. جمعت حلول المحطة المتقدمة بين كفاءة طاقية عالية وموثوقية تشغيلية قصوى وانبعاثات منخفضة. قُدّم هذا كله ضمن مفهوم “الطاقة كخدمة”، حيث تتلقى براسكيم الطاقة دون الحاجة إلى الاستثمار أو بناء أو تشغيل المحطة بنفسها. وبيّن يوري سانشيز، المدير العام لسيمنس إنرجي في البرازيل، أن ثقة براسكيم باختيار سيمنس كشريك استراتيجي نتجت عن القدرات التكنولوجية والعملية للشركة، وأن نموذج BOO (البناء والامتلاك والتشغيل) مكّن براسكيم من تركيز مواردها على أعمالها الأساسية بينما تتحمّل سيمنس مسؤولية الاستثمارات والهندسة والتنفيذ والتشغيل والصيانة. تجاوز التعاون حدود الشركتين ليشمل العديد من الموردين والمقاولين المحليين لتأمين المواد والخدمات، مما دعم الاقتصاد المحلي وضمان الوصول إلى خبرات مطلعة على السياق الإقليمي. كما جرى التعاون مع مؤسسات تعليمية محلية لتدريب وتطوير القوى العاملة المشاركة، وتنفيذ المشروع بواسطة شركة EPC ذات خبرة واسعة في محطات الطاقة ومقرّها في ولاية ساو باولو نفسها.

يقرأ  بوركينا فاسوتلغي رسوم التأشيرة عن المسافرين من الدول الأفريقية

بدأت أعمال الإنشاء في 2020 واكتملت منتصف 2022. حافظت سيمنس إنرجي طيلة مرحلة الإنشاء على مستوى عالٍ من السلامة، دون تسجيل حوادث كبيرة. بلغ ذروة العمالة نحو 350 عاملًا في الموقع، جميعهم ملتزمون ببروتوكولات صارمة لضمان بيئة عمل آمنة. ومنذ بدء التشغيل التجاري في 1 أغسطس 2022 لم تُسجل حوادث للأفراد، مواصلةً سجل السلامة الممتاز في الموقع. قال ريناتو منديس، مدير محطة التوليد المشترك، إن أحد التحديات الأساسية كان ضمان التوافق بين توربينات SGT-600 والبنية التحتية القائمة للمجمع البتروكيماوي، وهو تحدٍ تم تجاوزه عبر تحليل هندسي دقيق وتعديلات تشغيلية مدروسة. «تطلب ذلك التعامل مع التباينات في تركيبة الغاز وضمان قدرة التوربينات على العمل بكفاءة مع غاز العمليات المتبقي الذي يشتمل على محتوى مرتفع من الهايدروجين»، أوضح المسؤول. ثم أضاف أن هناك عدة تيارات من غازات العمليات ذات تراكيب مختلفة وتغيرات طبيعية مستمرة؛ لذا كان لا بد من تصميم التوربينات لتتحمل نطاق التشغيل المتوقع. كما تطلّب الأمر دمج أنظمة تحكّم متقدمة بغرض تحسين الأداء مع تقليل الاضطرابات على العمليات الجارية إلى أدنى حد.

جرت أعمال الإنشاء بينما المجمّع البتروكيميائي لا يزال يعمل، والموقع الممنوح بالاستعارة لمحطة التوليد المشترك يقع داخل حرم براسكم وبجانبه منشآت البتروكيماويات. أُنجزت الروابط بين الوحدات ومصنع براسكم خلال وقف عام للصيانة، وفي ظل مهل زمنية صارمة، ما استلزم جدولاً زمنياً مدققاً لربط الأنظمة. من التحديات الهامة الأخرى كان التكامل الكهربائي والحفاظ على الاستقرار التشغيلي في جميع الأوقات؛ فقد ظلّ المجمّع يعمل بأنظمة الكهرباء والبخار القائمة أثناء بعض أنشطة التشغيل التجريبي مما زاد تعقيد العملية. قرار اتُخذ في مرحلة التصميم، وكان له أثر حاسم في نجاح المشروع، وهو وضع محطات التحكم التشغيلية للتوليد المشترك داخل مركز التحكم التشغيليه الرئيسي لبراسكم، ما أتاح لفرق سيمنز إنرجي وبراسكم التواصل الفوري والتنسيق المستمر.

كما ذُكر سابقاً، كثير من العمليات الصناعية، مثل تلك في المجمعات البتروكيماوية والمصافي، تنتج الهيدروجين كمنتج جانبي. قد يكون استخدام هذا الهيدروجين بديلاً اقتصادياً للغاز الطبيعي؛ فعديد المواقع ذات الترتيبات المماثلة تستغل غاز العمليات لتوليد الحرارة والبخار، لكن الخيار الأكثر فعالية للمصنع قد يكمن في توسيع استخدام الغاز المتبقي الغني بالهيدروجين لتوليد الكهرباء أيضاً. وفي سياق التحول نحو تقليل الانبعاثات، يمكن لغازات العمليات المتبقية التي تحتوي على هيدروجين أن تلعب دوراً محورياً في صناعات الكيميائيات والبتروكيماويات والمصافي في مناطق مختلفة من العالم.

يقرأ  الفيديو يظهر حشداً في سباق عربات الثيران، وليس في تجمع لزعيم المعارضة الهندي

تبلغ القدرة القصوى لتوربين SGT‑600 نحو 24 ميغاواط؛ وفي هذا التطبيق توفّر كل وحدة توربين طاقة مستمرة قدرها 19 ميغاواط وبخاراً بقدرة 80 طناً في الساعة إلى المجمع البتروكيماوي عبر وحدة استرداد بخار الحرارة (HRSU). كما تشتمل التوربينات على تقنية الجيل الثالث للاحتراق منخفض الانبعاثات الجافة (DLE)، التي تقلّل انبعاثات CO2، وتبقي مستويات NOx منخفضة عند نحو 25 جزءاً في المليون. ويضمن نظام فصل الأحمال (load‑shedding) تشغيل المصنع بأمان عبر إدارة الأحمال وفق القدرة المتاحة. وقد طُوّرت تقنية الاحتراق DLE من الجيل الثالث وتم التحقق من فعاليتها قبل تطبيق مشروع فيستا للتعامل مع نسب الهيدروجين حتى 80%، حيث تطلّبت فقط تعديلات طفيفة على نظام التحكم لمواجهة التغيرات السريعة والبارزة أحياناً في محتوى الوقود خلال اضطرابات الإمداد.

تقدّم محطة فيستا للتوليد المشترك دليلاً واضحاً للصناعات في البرازيل وحول العالم على جدوى نموذج الأعمال هذا. بخلاف استدامة المحطة على المدى الطويل وكفاءتها العالية، يبرز المشروع مزايا نهج «الطاقة كخدمة» الذي يشمل سلسلة القيمة بأكملها. فقد بنت سيمنز إنرجي المحطة وتمتلكها وتديرها لمدة 15 عاماً، ما يلبي احتياجات العميل من تشغيلٍ موثوق وآمن مع تحقيق وفورات في النفقات الرأسمالية، وفي الوقت نفسه دون رفع الأسعار وتقليل تعرض العملاق البتروكيماوي لمخاطر انقطاع الشبكة. كما يتماشى المشروع مع أهداف براسكم لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة من النطاقين 1 و2 بنسبة 15% بحلول عام 2030 وتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050. من الواضح أن محطة فيستا للتوليد المشترك تُعد مشروعاً ناجحاً ليس للمجمّع فحسب، بل وتستحق كذلك ترشيحاً لجائزة POWER Top Plant.

آرون لارسون هو رئيس التحرير التنفيذي لمجلة POWER.

أضف تعليق