مطورو التكنولوجيا في غزة يبرمجون وسط الأنقاض بينما تدمر الحرب الإسرائيلية الحياة الرقمية أخبار الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني

في إقليمٍ طُمر أو تضرّر حوالي 81% من مبانيه، تكافح مجموعة صغيرة من الشبان الفلسطينيين للحفاظ على ما تبقّى من العالم الرقمي في غزة.

مبرمجون وفنيو صيانة وعاملون مستقلّون يعملون في ظروف تكاد تكون مُستحيلة لإبقاء الشطر المحاصر متصلاً بالعالم الخارجي.

قصص موصى بها

رغم كل الصعاب، يواصل شباب غزة التكيّف: يعملون دون اتصال دائم، يكتبون الشيفرات في دفاتر ملاحظات، يخزّنون طاقة شمسية حين تشرق الشمس، وينتظرون لحظات نادرة من الاتصال لإرسال أعمالهم إلى زبائن في أنحاء العالم.

في حرب فقدت فيها أجزاء كبيرة من كل شيء، تحوّلت المهارات الرقمية إلى وسيلة للبقاء وبصورة من صور الصمود.

يعتمد كثيرون الآن على العمل عبر الانترنت كمصدر رزق، لكن حتى هذه الحبل الرقيق مضروبٌ الآن على حافة الانقطاع بعد أكثر من عامين من الحرب الإسرائيلية التي تصفها منظمات دولية بأنها إبادة. يعمل الفلسطينيون على الحواسيب المحمولة والهواتف النقالة رغم الدمار الواسع للبُنى التحتية للاتصالات.

بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، القوات الإسرائيلية «دمرت عمداً وبشكل منهجي» البنى التحتية للاتصالات. تقول شيماء أبو العطا، مبرمجة تعمل من مخيم نزوح: «نبحث دائماً عن طريق بديل للاتصال، نوجد دائماً مخرجاً آخر. هذا منح حياتنا معنى، لأننا لو لم نفعل لصرنا نعيش فقط للبقاء بلا فاعلية، لنموت داخلياً».

قبل اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، كانت غزة تمتلك مشهداً تقنياً متواضعاً لكنه حيوي: عملت مراكز الابتكار على استضافة دورات تدريبية في البرمجة، وكان مئات المستقلين يعملون عن بُعد لجهات دولية. كثير من هذا النظام البيئي تحطّم الآن.

وصف المهندس شريف نعيم، الذي كان يقود مركزاً تكنولوجياً، ما فُقد: كان مبناه يضم أكثر من 12 مبرمجاً بعقود عمل مع شركات خارج غزة. «كان الفريق نشطاً جداً»، قال نعيم لـ«الجزيرة». اليوم المبنى مُدمر، ومع ذلك يحاول بعض أعضاء الفريق الاستمرار في العمل من الخيام والملاجئ الطارئة.

يقرأ  استفتاء سلوفينيا — أين تسمح القوانين بالمساعدة على إنهاء الحياة؟ — أخبار الصحة

يقول فني الحاسوب عائد شمّالي: «التحدي الأهم هو الكهرباء. اليوم لا تتوفر الكهرباء بشكل مستمر، وإن توفرت فهي غير مستقرة وهناك انقطاعات كثيرة. الأسعار مرتفعة أيضاً». الكهرباء، متى ما توفرت، فهي متقلبة ومكلفة للغاية — تصل التكلفة إلى نحو 12 دولاراً لكل كيلوواط مقارنةً بما كان يعادل 1.50 دولار لعشرة كيلوواطات قبل الحرب. وأضاف: «لا توجد قطع غيار»، لذا يضطرّ الفنيون إلى انتشال مكوّنات من أجهزة مكسورة تُستخرج من مبانٍ مُقصفَة.

حجم الدمار هائل. وفق مركز الأمم المتحدة لتحليل صور الأقمار الصناعية (UNOSAT)، تضرّر نحو 198,273 منشأة في غزة، منها 123,464 منشأة مُدمّرة بالكامل. قطاع الاتصالات تكبّد ضربة قاسية.

تكشف بيانات الجهاز المركزي للإحصاء أن 64% من أبراج الهواتف المحمولة كانت خارجة عن الخدمة في أوائل أبريل 2025. وفي رفح، انهار التغطية إلى 27% فقط، بعد أن كانت شبه شاملة قبل الحرب.

خلال الحرب، رصدت منظمة NetBlocks تكرار انقطاعات واسعة، من بينها ما وصفته بأنه «انقطاع شبه كامل للاتصالات» في يناير 2024 دام أياماً.

لطالما قيّدت إسرائيل غزة بتقنية 2G القديمة بينما سمحت بتقنيات 4G في الضفة الغربية المحتلة. لقد انهارت قيمة قطاع الاتصالات من 13 مليون دولار في 2023 إلى 1.5 مليون دولار في 2024، بانهيار قدره 89%. تُقدّر الخسائر بأكثر من نصف مليار دولار، في حين تُقدّر كلفة إعادة الإعمار بما لا يقل عن 90 مليون دولار.

الانعكاسات تمتد عبر اقتصاد المجتمع في غزة. كان العمل عن بعد مصدراً أساسياً للدخل في إقليمٍ تجاوزت فيه البطالة 79% قبل أكتوبر 2023. الآن، أدّى الاتصال المتقلب إلى دفع كثير من المستقلين نحو البطالة، بينما ارتفعت أسعار الغذاء بفعل المجاعة المُحفّزة من الإجراءات الإسرائيلية. وانهيار الاتصالات شلّ النظام المصرفي بمنع تحويل الأموال وترك العائلات بلا سيولة، كما تعطّل قطاع الرعاية الصحية وسجّلت منظمة الصحة العالمية وفيات ناجمة عن عدم التمكن من الوصول إلى خدمات الطوارئ في الوقت المناسب.

يقرأ  مسيرة في المكسيك تجذب ١٫٥ مليون مشارك

حتى في هدنة هشة دخلت حيز التنفيذ في أكتوبر 2025، منعت إسرائيل دخول معدات الإصلاح الأساسية إلى غزة. يرى المحلّلون أن هذه القيود جزء من استراتيجية متعمّدة للسيطرة على البنية الرقمية الفلسطينية وكتم تدفّق المعلومات إلى العالم الخارجي.

المستقبل لا يزال غامضاً للغاية، في ظلّ محاولات لتمرير هدنة هشة تبدو متعثّرة وتهديدات إسرائيلية بالعودة إلى قتال واسع النطاق؛ ما يعني أن مصير شبكة غزة الرقمية ومعيشتها مرتبطان بشكل وثيق بما سيُقرر في الأيام القادمة، مع بقاء احتمال انهيار أكبر إذا تجددت الأعمال القتالية أو استمرت القيود على الإمدادات والمعدات. انترنت والطاقات الاحتياطية تظلّ شريان حياة، لكن هذا الشريان مُعرّض للقطع على نحو متكرر بسبب الحصار والتدمرير المستمرّ.

أضف تعليق