نظرة عامة:
في هذه المقالة أُرشّح أن الدعم الحقيقي لمشاركة الأهل يتطلب من المدارس تجاوز محادثات الممرات العابرة والانتقال إلى إشراك الأهالي عمداً كشركاء فاعلين داخل حجرة الدرس، لا كمستمعين عابرين.
قصتان من ممرات المدرسة
القصة الأولى: لمحة من ساوث بند، إنديانا (ربيع 2023)
في الساعة الثامنة والنصف صباحاً، أمام مدخل مركز روبنسون للتعلم المجتمعي المرتبط بجامعة نوتردام، كنت أعمل متطوّعة كمعلمة لمجموعة من تلاميذ المرحلة الابتدائية. الآباء والأمهات، القادمين من أحياء متنوعة، عادة ما يتوقفون لبرهة عند الباب: التحية تتحول إلى أحاديث دافئة تتناول أحوال الأطفال والصحة النفسية واللغوية والاكاديمية. كثيرون منهم من خلفيات لاجئة أو طالبة لجوء، وآخرون من أصول لاتينية؛ كل عائلة تحمل معها خبرات ثقافية تشكّل محتوى هذه اللقاءات. من خلال تلك المحادثات غير الرسمية أطلّعت على همومهم وطموحاتهم، واستخلصت دلائل عملية حول كيفية دعم الطلاب أكاديمياً وعاطفياً—دلائل لا تبرز بالضرورة داخل خطة الدرس الرسمية.
القصة الثانية: لمحة من فولز تشيرش، فيرجينيا (شتاء 2024)
في حدث “قهوة مع المدير/ة” داخل مدرسة أوك ستريت الابتدائية، حضرت هذه المرة بصفتي أمّاً لطفل يبلغ تسع سنوات ومقيمة حديثاً في الحي. كان هدف الحضور الاستماع والتعرّف على مبادرات المدرسة لتعزيز الكفاءة القرائية المبكرة للصفوف من الروضة حتى الثامن. قدّم المدير/ة عرضاً مفصّلاً عن مناهج مثل Amplify CKLA وبرامج تدخّل شخصية مثل Amplify Boost Reading وأدوات تقييم مثل M-Class وVirginia Language and Literacy Screener. المعلومات كانت وافرة وموضوعة بطريقة مهنية، وبعد اللقاء شعرت أن مدى وعي الأهالي انفتح—لكن بقي واضحاً أن ترجمة هذه المعرفة إلى ممارسات فعلية داخل المنزل والفصل تتطلب دعماً منظماً وإرشاداً عملياً للآباء والأمهات، وكذلك آليات حقيقية لمشاركة الأهالي في صنع القرار. هنا يتظهّر التحدّي: كيف نحول معلومات المدرسة إلى شراكات يومية ومؤثرة؟
حالة المشاركة الأبوية في التعليم الابتدائي
الأدب والدراسات الحديثة تؤكد أهمية التزام مشترك بممارسات تدريسية حسّاسة ثقافياً (Culturally Responsive Teaching). لكن السؤال المركزي ليس فقط ما إذا كانت المدارس تدرك هذه الضرورة، بل كيف تحولها إلى سياسات وممارسات تفاعل مستدامة مع عائلات متنوعة. من تجربتي في إنديانا وفيرجينيا اتّضح أن ثمة فجوات معرفية ومنهجية: نقص آليات منهجية لاستثمار معارف الأهالي، غياب قنوات مرنة للتعاون مع أولياء أمور من خلفيات مهاجرة ولاجئة، وحاجة ماسة لأساليب تقييم لا تهمّش الخبرات الثقافية والدينية للطلاب.
في ساوث بند، مثلاً، رغبة الأهل في المشاركة كانت مرتبطة برغبتهم في إبراز هويتهم الثقافية—مما دفع مركز التعلم لتنظيم “يوم التراث” حيث شارك أولياء الأمور بملابسهم التقليدية وأطعمةهم وموسيقاهم، وهو حدث عزّز التبادل الثقافي وفهم التلاميذ للمجتمعات المختلفة. وفي فيرجينيا لاحظت أهمية الاعتراف بالممارسات الدينية واللغوية—مثل تعلم الطلاب المسلمين للعربية—كجزء من بيئة تعليمية تغذي النمو الاجتماعي والانفعالي للطفل.
ما الذي يمكن للمعلّمين والأهل القيام به الآن
من خلال تقاطعات الخبرتين يمكن اشتقاق ثلاثة أسئلة توجيهية يجب أن تقود الخطوات القادمة:
– هل الممارسات الحساسة ثقافياً في المدارس تشجّع فعلاً على تواصل أعمق مع العائلات المتنوّعة أم تظل شكليّة؟
– ما أشكال التفاعل الأكثر فاعلية لدعم الأهالي المهاجرين واللاجئين وهم يتعاملون مع تعقيدات نظام التعليم الأميركي؟
– كيف تؤثر مشاركة الأهل على التطور الانفعالي للأطفال مقارنة بتأثيرها الأكاديمي، وكيف يمكن أن تتكاملا؟
الإجابة على هذه الأسئلة تتطلّب بحوثاً تطبيقية وشراكات تجريبية بين المدارس والأُسر وصانعي السياسات. المدارس القادرة على ترجمة برامج مثل CKLA إلى موارد عملية للأهل—ورشات عمل منزلية، أدلة مبسطة بلغات متعددة، وجلسات تفاعلية منتظمة—ستمتلك فرصة أكبر لبناء شراكات موثوقة ومستدامة. كما أن إشراك الأهالي في صنع القرار، لا مجرّد إطلاعهم، يفتح الباب أمام سياسات أكثر إنصافاً وملاءمة للسياقات المحلية.
خاتمة
المشاركة الأبوية ليست بطبيعتها محادثات عابرة في الممرات؛ إنها عملية بنيوية تتطلّب تصميم سياسات وممارسات تضع الأهالي شركاء حقيقيين في تعليم أبنائهم. عبر تبنّي استراتيجيات حسّاسة ثقافياً، وتوفير أدوات ملموسة للأهالي، وطرح أسئلة بحثية وتطبيقية محدّدة، يمكن للمدارس أن تتحول من أماكن نقل معرفة إلى فضاءات مشتركة تصنع انتماءً ومعرفةً ومرونة اجتماعية حقيقية.
قراءة إضافية
– Aceves, T. C., & Orosco, M. J. (2014). دليل ممارسات قائمة على الأدلة: التدريس الحساس ثقافياً. CEEDAR Center.
– Banks, J. A. (2004). التربية متعددة الثقافات: التطور التاريخي والأبعاد والممارسة. في: Handbook of Research on Multicultural Education.
– Epstein, J. L. (2018). شراكات المدرسة والأسرة والمجتمع: إعداد المعلّمين وتحسين المدارس. Routledge.
– Gay, G. (2010). التدريس الحساس ثقافياً: نظرية وبحث وممارسة (الطبعة الثانية). Teachers College Press.
– González, N., Moll, L. C., & Amanti, C. (2013). صناديق المعرفة: تأطير الممارسات في الأسر والمجتمعات والفصول الدراسية. Routledge.
– Ladson-Billings, G. (1995). في طريق بناء نظرية البيداغوجيا الملائمة ثقافياً. American Educational Research Journal.