«من ربةِ منزلٍ خجولةٍ إلى أول امرأةٍ تتولّى منصبَ رئيسةِ وزراءِ بنغلادِيش»

البيغوم خليدة ضياء، التي توفيت عن عمرٍ يناهز ثمانين عاماً، كانت أول امرأة تتولى منصب رئاسة الوزراء في بنغلادش وكانت شخصية محورية في تاريخ بلادها السياسي المعاصر.

زوجها، ضياء الرحمن، كان من قادة كفاح البلاد من أجل الاستقلال وتولى رئاسة الجمهورية عام 1977. في تلك الفترة كانت تُوصف خليدة بأنها «ربّة بيت خجولة» مكرسة لرعاية ولديها. لكن بعد اغتيال زوجها عام 1981 صعدت لتتولى قيادة حزب بنغلادش الوطني وتصير زعيمة معروفة وخاطبت جمهوراً واسعاً، فتولت رئاسة الوزراء لفترتين: الأولى في التسعينيات (1991–1996) والثانية في أوائل الألفية (2001–2006).

في عالم السياسسية البنغلاديشي العنيف اتُّهمت بالفساد وقضت سنواتٍ في السجن، غير أن بعض التهم أُسقطت لاحقاً بعد انتفاضة شعبية عام 2024 أطاحت بحكومة خصمتها الطويلة، الشيخة حسينة.

ولدت خليدة ضياء في غرب البنغال عام 1945، وهي ابنة تاجر شاي، وانتقلت مع أسرتها إلى ما صار لاحقاً بنغلاديش بعد تقسيم الهند. تزوجت وهي في الخامسة عشرة من عمرها من ضياء الرحمن، الذي كان ضابطاً شاباً في الجيش. في عام 1971 شارك في التمرد ضد القوات الباكستانية الغربية وأعلن استقلال بنغلاديش. وبعد أن استلم الجيش الحكم صار ضياء الرحمن رئيساً في 1977، وأعاد إصدار الأحزاب السياسية وحرية الصحافة، ثم نال تأييد الشعب في استفتاء شعبي، لكنه واجه محاولات انقلابية عديدة وتعامل معها بعنف، حتى اُغتيل في مدينة شيتاغونغ عام 1981 على يد مجموعة من الضباط.

حتى ذلك الحين حافظت خليدة على ظهورٍ منخفض وبدت غير مهتمة بالحياة العامة، لكنها انضمت إلى حزب بنغلادش الوطني وارتقّت سُلمَ القيادة لتصبح نائبة رئيس الحزب. عندما بدأت فترة تسع سنوات من الحكم العسكري عام 1982، تقدمت خليدة لتنظيم الحملة من أجل استعادة الديمقراطية، ورفضت أن تشارك في الانتخابات المُدارة من الجيش، فوضعت تحت الإقامة الجبرية، لكنها واصلت دعواتها للتظاهر والاحتجاج حتى اضطرت المؤسسة العسكرية إلى التراجع.

يقرأ  يعتقد العلماء أنّ روفر ناسا رصد برقًا على المريخ

في انتخابات 1991 بعد حقبة الحكم العسكري تصدّرت خليدة حزبها المشهد السياسي وأُقيمت الحكومة المدنية، وأدت اليمين الدستورية كرئيسة للوزراء. مع تركز معظم صلاحيات الرئاسة السابقة في منصبها، أصبحت أول امرأة تقود البلاد وثاني امرأة تتولى قيادة دولة مسلمة على نطاق عالمي. من أولوياتها الإصلاح التعليمي؛ فقد جعلت التعليم الابتدائي مجانياً وإلزامياً في ظل واقع كان أطفال بنغلاديش يتلقون متوسطاً عاماً قليلاً من التعليم.

خسرت الانتخابات بعد خمس سنوات لمصلحة حزب الرابطة العوامية بزعامة شيك حسينة، لكنها عادت إلى السلطة في 2001 بتحالف واسع ضم أطرافاً إسلامية، وحصل تحالفها على نحو ثلثي مقاعد البرلمان. في ولايتها الثانية أدخلت تعديلًا دستورياً خصص 45 مقعداً مبدئياً للنساء في المجلس التشريعي وسعت لرفع معدلات التعليم بين الشابات في بلد كانت نسبة الأمية بينهن تقارب 70%.

في أكتوبر 2006 تنحّت خليدة عن رئاسة الحكومة قبل إجراء انتخابات عامة مقررة، لكن موجة من أعمال الشغب أدت إلى تدخل الجيش وتأجيل الانتخابات. تولت حكومة انتقالية فرضت قيوداً على النشاط السياسي وشنت حملة ضد الفساد طالت وجوهاً من مختلف الأطياف، وفي ظل ذلك وُجهت إليها تهم بالابتزاز والفساد أُدّيَتْ على أثرها اعتقالات ومحاكمات.

في سنوات لاحقة واصلت مواجهة قضايا قضائية متبادلة مع خصمتها الشيخ حسينة؛ وفي 2011 قدّمت هيئة مكافحة الفساد ملفاً تتهمها فيه باستخدام دخل غير معلَن لشراء أراضٍ لصالح مؤسسة خيرية باسم زوجها الراحل. أُعتقلت وخاضت معركة كبيرة للحفاظ على زعامة حزبها. في انتخابات 2014 قاطع أنصارها الاقتراع بدعوى أن العملية لن تكون حرة ونزيهة، وسجلت انتخابات ذلك العام إجراءات اعتُبرت مثيرة للجدل مع اعتقالات واسعة وأنصاف مقاعد فازت بلا منافسة.

روّجت خليدة للمطالبة بانتخابات جديدة وهددت بتنظيم احتجاجات جماهيرية، فعمدت قوات الأمن إلى حبسها فعلياً داخل مقر الحزب في العاصمة داكا ومنعت خروجها ومنعت التجمّعات. وُجهت إليها لاحقاً لاحقاً تهم تتعلق بمنح عقود ترتبط بمرافئ شحن في 2003، واتُهم ابنها الأصغر أرفات «كوكو» بدفعها للموافقة على صفقات مشبوهة.

يقرأ  رئيسة المكسيك كلاوديا شينباوم تنفي أن تكون على علم بمبادرة أميركية لمكافحة المخدراتأخبار الحكومة

في 2018 حكم عليها بالسجن خمس سنوات بعد إدانتها بالاستيلاء على نحو 252 ألف دولار كان مخصصاً لوقف للأيتام أنشئ أثناء ولايتها. قضت فترة في السجن المركزي القديم لداكا وكانت مدّة الحكم تمنعها من الترشح للمناصب العامة. نفت جميع الاتهامات واعتبرتها سياسية الدوافع. أعيد نقلها للمستشفى بعد تدهور حالتها الصحية، حيث عانت من التهاب مفاصل حاد ومرض السكري غير المسيطر عليه، ثم أُفرج عنها لظروف صحية وأُمرَت بالبقاء تحت المراقبة المنزلية.

شهدت 2024 انتفاضة شعبية أطاحت بحكومة شيك حسينة إثر احتجاجات عارمة أدت إلى سقوط قتلى، وفرّت بعدها حسينة إلى الهند، فأمرت الحكومة الانتقالية بإخلاء سبيل خليدة وإلغاء تجميد حساباتها المصرفية. مع تقدم أمراض الكبد والكلى تدهورت صحتها، ورفعت قيود السفر عنها في يناير 2025 فسمح لها بالسفر إلى لندن لتلقي العلاج. ومع ذلك توفيت في ساعة مبكرة من صباح 30 ديسمبر في داكا بعد أشهر من المرض المزمن.

تترك وراءها ابنها الأكبر طارق رحمن، الذي عاد إلى البلاد أواخر ديسمبر بعد سنوات قضاها في المنفى بلندن ويُنظر إليه على أنه المرشح الأوفر حظاً لقيادة الحزب مستقبلاً. أما ابنها الأصغر «كوكو» فتوفّي عام 2015.

أضف تعليق