من كابول إلى شيكاغو: عودة الإمبراطورية إلى الوطن — دونالد ترامب

موضوع شائك يتردّد بقوة هذه الأيام في أفغانستان: ادعاءات عن تفشٍ جارف للجريمة في مدن أميركية عدة، ومعظمها تحت قيادة ديمقراطية.

هذا التصور، الذي طرحه رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب مؤخراً كتبرير لإرسال الحرس الوطني إلى شيكاغو، يذهب إلى حدّ القول إن بعض مدننا قد تكون أسوأ حتى من أغلب مدن العالم: «يمكنك أن تذهب إلى أفغانستان أو أماكن كثيرة أخرى، وربما يتعجّبون من مقدار الجريمة لدينا».

ومع ذلك، كثيرون في أفغانستان وأماكن أخرى قد يتعجّبون أكثر من أن الدولة التي اشتهرت بشن حروب خارجة عن القانون حول العالم تتصرّف اليوم بوصفها من يشنّ حرباً غير قانونية داخل مدنها نفسها.

لقد قال ترامب صراحة: «يجب أن نستخدم بعض هذه المدن الخطرة كميدان تدريب لقواتنا العسكرية». ولا يهمّ عنده أن الجيش مُصمَّم أساساً للعمل في الخارج؛ فقد اكتشف «عدواً داخلياً».

في مرمى إدارة ترامب الآن مدينتا شيكاغو وبورتلاند، اللتان صنّفتهما الحكومة «مناطق حرب». وأيُّ طريقة أفضل لصنع «منطقة حرب» من إرسال الجيش إليها؟

هاتان المدينتان التقدّمية سياسياً احتضنتا احتجاجات كبيرة ضدّ حملة فرضية وزارة الهجرة وإنفاذ القانون (ICE) القاسية — حيث تعرّض محتجّون سلميّون لقنابل الغاز والرصاص المطاطي ووسائل قمع أخرى على يد عناصر حفظ النظام. وواقع الأمر أن الناس ربما لم يكونوا ليخرجوا إلى الشارع لولا تفويض ترامب لـICE لتفكيك الحقوق وتمزيق المجتمعات.

بدون هذه الاحتجاجات والاضطرابات المدنية، لا يوجد ذريعة لتسليح البلاد بهذا الشكل تحت قيادة القائد الأعلى؛ وإذ لم يتوافر له ذاك الإنفاق الهائل على القمع الداخلي، لربما اضطرّ لإنفاقه على الصحة أو التعليم.

في حزيران، نشر ترامب آلاف الحرس الوطني ومئات من مشاة البحرية إلى لوس أنجلوس لمواجهة احتجاجات ضدّ مداهمات ICE، فأدانته محكمة أميركية لاحقاً بأنه انتهك القانون الفيدرالي. وفي آب فرض السيطرة الفيدرالية على شرطة العاصمة واشنطن وحشد 800 من الحرس الوطني بذريعة مكافحة «معدلات جريمة خارجة عن السيطرة»، رغم أن البيانات أظهرت انخفاضاً في الجريمة هناك.

يقرأ  ترامب: غارة أميركية على سفينة محمّلة بالمخدرات من فنزويلا تودي بحياة ١١ شخصًا

لا شيء يثبّت الانضباط العام أو يبثّ الخوف مثل رؤية الجيش يدور في الشوارع.

في حالة بورتلاند، أعاقت محكمة فيدرالية — عيّنها ترامب بنفسه — مؤقتاً نقل قوات الحرس الوطني من كاليفورنيا إلى أوريغون. أما في شيكاغو فالأمور تبدو مختلفة: المئات من أفراد الحرس الوطني قادمين من تكساس وصلوا إلـى إلينوي رغم التحديات القانونية، مع دعوى رفعتها الولاية ومدينة شيكاغو تقول إن الشعب الأميركي «لا ينبغي أن يعيش تحت تهديد احتلال عسكري داخلي لمجرد أن قيادة مدينته أو ولايته خرجت عن رضا الرئيس».

هدد ترامب كذلك بأن يلجأ إلى «قانون التمرد» الصادر عام 1807، الذي يسمح عملياً بالاحتلال العسكري بغضّ النظر عن رأي السلطات المحلية؛ وآخر مرة استُخدمت فيه هذه الصلاحية كانت عام 1992 بعد أحداث لوس أنجلوس المرتبطة بحكم بريء على أربعة ضباط بيض في قضية ضرب رودني كينغ.

لكن الاضطرابات تلك كثيراً ما كانت نتيجة سلوكٍ مسيء من قِبَل قوى إنفاذ القانون نفسها؛ ومن منظور موضوعي، لا تُعالج التجاوزات التي ترتكبها ممثلو الدولة المسلَّحون بإرسال مزيد من الممثِّلين المسلَّحين للدولة.

أكثر من ذلك، فإن الحدود مع المكسيك تُستخدم بالفعل كميدان اختبار لتكتيكات التسلّط الداخلي؛ فمنذ إطلاق حاكم تكساس الجمهوري غريغ أبوت لعملية «لون ستار» في 2021، تحوّلت مجتمعات حدودية موالات للديمقراطيين إلى مناطق احتلال لحرس وشرطة مرسَلة من ولايات جمهورية، فيما تُنفق حكومات «ماجا» المليارات على إرسال قوات إلى الحدود لاختبار سياسات الترحيل الجماعي ونشر الوحدات.

والآن، مع تمدّد عسكرة الحدود إلى داخل البلاد، يدفع مؤيّدو ترامب القضاء إلى التجاهل ويطالبون الإدارة بتجاوز الأحكام القضائية التي تعيق نشر الحرس الوطني. وهكذا تتحوّل الولايات المتحدة إلى حقل تجارب «ما بعد قانوني» للسيطرة المطلقة — وربما صار الحديث عن ذلك حتى في أفغانستان.

يقرأ  من هو تشارلي كيرك؟ماذا نعرف عن حادث إطلاق النار والمشتبه به— أخبار دونالد ترامب

هذه وجهة نظر الكاتب ولا تعبّر بالضرورة عن الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

أضف تعليق