كييف، أوكرانيا — أبدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب انزعاجه من سؤال عن نظيره الأوكراني خلال مقابلة مع صحيفة بوليتيكو يوم الأربعاء، متهماً فولوديمير زيلينسكي بعدم إجراء انتخابات رئاسية واصفاً ذلك بـ«ذريعة» لبقائه في السلطة بدعوى استمرار الحرب مع روسيا.
«يتحدثون عن ديمقراطية، لكن يصل الأمر إلى حد لا يعود فيه دولة ديمقراطية»، قال ترامب لبوليتكو، في إشارة إلى رئاسة زيلينسكي الذي انتخب في أبريل 2019 بأكثر من سبعين بالمئة من الأصوات، فيما كان من المفترض أن تنتهي ولايته الخمسية في 2024 بحسب الدورة العادية.
لكن هناك سبب لبقائه في منصبه: تحظر الدستور الأوكراني إجراء انتخابات في زمن الحرب، وغزت روسيا البلاد بشكل واسع في 2022، ما سيدخل الصراع عامه الخامس في فبراير 2026.
بعد ساعات من تصريحات ترامب، رد زيلينسكي مؤكداً أنه «جاهز» لإجراء انتخابات—بشرط أن تضمن واشنطن وربما بروكسل أمن العملية الانتخابية. «أطلب، وأعلن ذلك علناً الآن، من الولايات المتحدة أن تساعدني، وربما مع شركائنا الأوروبيين، في تأمين إجراء التصويت»، قال زيلينسكي. «لديّ الإرادة والاستعداد لذلك.»
لماذا يطرح ترامب هذه المسألة الآن؟ وهل من الممكن عملياً إجراء انتخابات في ظل حرب مستمرة؟
هل يكرر ترامب خطاب الكرملين؟
يقول اللواء إيْهور رومانينكو، النائب السابق لرئيس هيئة الأركان العامة لأوكرانيا، لقناة الجزيرة إن ترامب «يلعب على وتيرة» خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لقد وصف بوتين ومسؤولوه زيلينسكي منذ وقت طويل بأنه «غير شرعي» ووصفوا حكومته بـ«اللوحة النازية» في محاولة لبث الانقسام بين الأوكرانيين والمجتمع الروسي المزعوم «الأخوِي».
في الشهر الماضي كشف ترامب عن خطة سلام مؤلفة من 28 نقطة اشتملت فقرات قصيرة وغامضة لا تمنح كييف ضمانات أمنية حقيقية، ورأى كثيرون أنها قائمة رغبات موسكو. الأهم أن الخطة تقضي بتنازل أوكرانيا عن أراضٍ فقدت لصالح روسيا خلال الحرب، وهو خط أحمر كرره زيلينسكي مراراً بأنه لن يتجاوزه.
«ترامب لا يبالي بما قد يحصل للأوكرانيين؛ الأهم عنده أن تُحَل الحرب بطريقة ما ليتمكن من أن يعرض قيادة ونتائج أمام الأوروبيين»، قال رومانينكو. وفي أوساط المراقبين المدنيين توجَّه نفس الاتهامات بأن الكرملين استخدم ترامب لإيصال إنذار، ورفضت أوكرانيا ذلك.
ثمة اعتقاد أيضاً أن ترامب يسعى لإنهاء أكثر النزاعات دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية قبل قمة مقبلة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، لأن أي تفاوض مع بكين سيعارض رؤيته «أميركا أولاً» وشعار «جعل أميركا عظيمة مجدداً».
ما هي العقبات التي تعترض إجراء انتخابات؟
وصف زيلينسكي مزاعم ترامب بأنه متمسك بالسلطة بأنها «غير معقولة تماماً»، وأعلن أنه سيطلب من حزبه «خدمة الشعب» الذي يهيمن على البرلمان (الفيرخوفنا رادا) صياغة قانون يجيز التصويت أثناء الأحكام العرفية. لكن عملياً سيكون من الصعب للغاية إجراء انتخابات الآن.
في فبراير الماضي رفضت كييف مطالب ترامب بإجراء اقتراع رئاسي، مشددة على استحالة تنظيم انتخابات بينما تقصف موسكو المدن الأوكرانية بالطائرات المسيّرة والصواريخ وتحتل نحو خمس مساحة البلاد. المدنيون في المناطق المحتلة يعترضون على الاضطهاد والاختطاف والتعذيب وحتى القتل إذا أظهروا موقفاً مناوئاً لروسيا، وبالتالي لا يمكن ضمان مشاركتهم في أي عملية اقتراع.
ستكون الانتخابات أيضاً كابوساً لوجستياً: ملايين الأوكرانيين نزحوا أو لجأوا إلى أوروبا ودول أخرى، وسفارات وقنصليات تلك الدول لن تتمكن من التعامل مع كم الناخبين. كما أن الانقطاعات الطويلة التي تتبع ضربات متكررة ومحددة للبنية التحتية الكهربائية ستجعل إجراء اقتراع واسع أمراً أكثر تعقيداً.
من سيضمن سلامة الناخبين؟
يقول المحلِّل إيجار تِشكيفيتش إن الضمان الحقيقي للأمن لا يمكن أن يتأمّن إلا بالتزام أميركي عسكري مباشر يتدخل إذا انتهكت روسيا وقفاً لإطلاق النار. لكن واشنطن لم تقطع خطوة كهذه، ولا يبدو أنها ستمضي فيها الآن. «لا أتصور ضمانات أمنية كافية للانتخاب من دون إنهاء الحرب»، قال.
كم من الوقت ستستغرق الاستعدادات؟
حتى لو بدأت كييف فوراً بالتحضيرات، فمن غير المتوقع أن تُجرى الانتخابات قبل مارس 2026. يحتاج البرلمان أسابيع لصياغة القانون وإقراره، ثم تحتاج هيئات الانتخابات أسابيع إضافية لتسجيل المرشحين وفتح حملات انتخابية فعلية؛ وكل ما سبق أي مهل أقصر فهو أقرب إلى الخيال.
هل سيتمكن الجنود من التصويت؟
نظرت أوكرانيا سابقاً إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية بعد 2014، حين ضمّت روسيا القرم ودعمت انتفاضة انفصالية في دونباس، لكن نطاق القتال آنذاك كان محدوداً وأُعتبر «عملية لمكافحة الإرهاب» ولم تُطبَّق أحكام عرفية شاملة. في تلك الظروف تمكن بعض العسكريين من التصويت، رغم أن كثيرين لم يصرّوا على المشاركة، وفق رومانينكو.
هذه المرة، ضمان تصويت مئات الآلاف من الجنود يبدو شبه مستحيل من دون هدنة ثابتة تستمر شهوراً. أي هدنة يجب أن تضمن لكل جندي فرصة إبداء صوته وإلا فستفجر احتجاجات داخل القوات نفسها.
خلاصة: بين قيود الدستور، والاحتلال، والتشريد، وأضرار البنى التحتية الحيوية، تبدو فكرة إجراء انتخابات رئاسية حرة وشاملة في أوكرانيا خلال الحرب طموحاً شديد الصعوبة—إلا إذا رافقتها حلول أمنية دولية راسخة قد تكون بعيدة المنال في الأجل القريب. «سَيُطالِبون بالمشاركة الكاملة»، قال رومانينكو.
ماذا يقول الأوكرانيون عن إجراء الانتحابات؟
معظم الأوكرانيين يعارضون إجراء انتخابات قبل التوصل إلى تسوية سلام مستقرة. في سبتمبر، أبدى 63% من المشاركين في استطلاع معارضتهم لإجراء اقتراع حتى لو تلاَهُ وقف لإطلاق النار مباشرةً، بحسب معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع. واعتقد 22% فقط أن الانتخابات يمكن أن تُجرى بعد وقف لإطلاق النار مع وجود ضمانات أمنية.
وقال ميكولا تشيرننكو، مدير مبيعات يبلغ من العمر 29 عاماً في متجر إلكترونيات بالعاصمة: «الوقت الآن غير مناسب. علينا أولاً أن نركز على إنهاء الحرب، وسنُعالج كل المسائل السياسية لاحقاً».
هل سيُعاد انتخاب زيلنيسكي؟
ارتفعت نسب تأييد زيلينسكي إلى أكثر من 80% في أعقاب الغزو الشامل لروسيا عام 2022، لكن شعبيته تراجعت منذ ذلك الحين. القائد الأعلى السابق المتمثل في الجنرال ذو الأربع نجوم، فاليري زالوجني، الذي أقاله زيلينسكي في أوائل 2024، بات حالياً أبرز الشخصيات السياسية التي تحظى بثقة واسعة. أظهر استطلاع أجرته مجموعة تقييم الاجتماعية في يوليو أن نحو 73% من الأوكرانيين يثقون بزالوجني. زالوجني، الذي يشغل الآن منصب سفير لدى المملكة المتحدة، امتنع إلى حد كبير عن الإدلاء بتصريحات علنية حول هذا الشأن.
نفس الاستطلاع أظهر أن 65% يثقون بزيلينسكي، بينما قال 29% إنهم «لا يثقون» به. فضيحة تكشفت الشهر الماضي حول مزاعم تورط مقربين من زيلينسكي في مخطط فساد مرتبط بتوليد الطاقة النووية قد تضعف شعبيته أكثر في بلد يعاني من نقص في الطاقة.
هل تُجرى انتخابات في دول أخرى أثناء الحرب؟
بعد عامين من بدء الغزو الشامل، نظّمت روسيا انتخابات رئاسية رغم استمرار الأعمال القتالية في أربع مناطق أوكرانية جزئياً محتلة أُعلنت ضمّاً إلى أراضيها في سبتمبر 2022. وأُجبر كثير من الأوكرانيين في المناطق المحتلة على التصويت تحت الإكراه، وفاز بوتين بنسبة 88% كما كان متوقعاً. ومع ذلك، لم تعلن موسكو صراحةً قانوناً عسكرياً، وما زالت تصف عمليتها في أوكرانيا بأنها «عملية عسكرية خاصة»؛ ومن يدعوها «حرباً» قد يواجه غرامات أو توقيفاً أو محاكمات بتدبير من الكرملين.
كما جرت في دول سوفيتية سابقة انتخابات رئاسية خلال نزاعات جمدت نسبيًا؛ أبرز الحالات أرمينيا وأذربيجان، في صراع ناغورنو-كاراباخ الذي امتد منذ 1988 وانتهى عملياً في 2023. كذلك عقدت العراق وأفغانستان انتخابات رئاسية وبرلمانية رغم استمرار نزاعات داخلية نشطة.