هل يظل الاقتصاد الأمريكي قوياً مع اقتراب عام 2026؟ المشهد معقَّد أخبار الأعمال والاقتصاد

مع دخول اقتصاد الولايات المتحدة عام 2026، تبدو صورة الأداء الاقتصادي مركبة ومتناقضة: من جهة أرقام قوية على مستوى بعض المؤشرات، ومن جهة أخرى مؤشرات ضعف ومخاطر متزايدة وقلق شعبي واسع بشأن الظروف المعيشية.

نظرة عامة
على كثير من المؤشرات، يظهر اقتصاد العالم الأكبر في حالة قوة نسبية. بعد عام متقلب تميز بعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وتحوله نحو سياسات تعرفة وحماية تجارية، تفوقت وتيرة النمو الأخيرة على توقعات معظم المحلّلين. وفي خطاب هذا الشهر اعتبر ترامب أن سجله الاقتصادي يهيئ البلاد لمرحلة ازدهار «لم يعرفها العالم من قبل». لكن في طيات البيانات دلائل على هشاشة وعيوب قد تتحول إلى مخاطر لاحقة، والأهم أن الأمريكيين عموماً متشائمون بشأن وضعهم المادي.

نمو الناتج المحلي الإجمالي
بعد توسع معتدل في النصف الأول من 2025، تفوق نمو الناتج المحلي الإجمالي بفارق كبير في ربع يوليو–سبتمبر، مسجلاً معدل تضخمي سنوي معادل قدره 4.3 بالمئة، وهو أفضل أداء خلال عامين ومتفوق بكثير على الاقتصادات المتقدمة الأخرى. فقد نمى اقتصاد منطقة اليورو والمملكة المتحدة بمعدلات سنوية تعادل نحو 2.3 و1.3 بالمئة على التوالي، بينما سجلت اليابان انكماشاً بنسبة 2.3 بالمئة خلال الفترة نفسها.

إحدى سمات هذا النمو القوي اعتماده الكبير على استثمارات ضخمة في الذكاء الاصطناعي تقودها مجموعة محددة من عمالقة التقنية مثل مايكروسوفت، وأمازون، وألفابت. تقدر بعض التقديرات أن الإنفاق المرتبط بالذكاء الاصطناعي شكّل حوالى 40 بالمئة من إجمالي النمو في 2025. ومن ثمّ يتوقف الكثير على قدرة الذكاء الاصطناعي على تحقيق تحول حقيقي للاقتصااد وإثبات إمكاناته غير المثبتة بعد.

بين المحلّلين اختلاف في التوقّعات: فالبعض يرى أن الذكاء الاصطناعي سيطلق ثورة صناعية رابعة ويعزّز الإنتاجية بشدة، بينما يخشى آخرون من أن ترويج التكنولوجيا قد فاق الواقع. كامبل هارفي، أستاذ الاقتصاد في جامعة ديوك، يرى أن 2026 قد تكون السنة التي تبدأ فيها تقنيات الذكاء الاصطناعي وتقنيات التمويل اللامركزي بتحقيق مكاسب ملموسة في الإنتاجية. كما قال لهنا إننا «عند عتبة تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي التي يمكن أن تزيد الإنتاجية بصورة كبيرة»، لكنه أضاف أن «تحقّق هذه الزيادة لم يظهر بعد بشكل ملموس في معدلات النمو».

يقرأ  هل تنقذ كل غارة بحرية قبالة سواحل فنزويلا 25 ألف حياة أمريكية؟ — أخبار دونالد ترامب

معنويات المستهلكين
رغم قوة الأرقام الشكلية، يعاني الأميركيون من رضا محدود عن أوضاعهم المالية؛ فمؤشر جامعة ميشيغان لثقة المستهلكين ظل قرب أدنى مستوياته، مسجلاً 53.3 في ديسمبر بارتفاع طفيف عن الشهر السابق، مقارنة بمؤشر عند 50 في يونيو 2022 عندما كان التضخم عند ذروته خلال أربعة عقود. ومع ذلك، يواصل المستهلكون الإنفاق: إذ نما الإنفاق الاستهلاكي بنسبة 3.5 بالمئة في ربع يوليو–سبتمبر — أسرع وتيرة منذ الربع الأخير من 2024 — ولا تظهر بيانات موسم الأعياد مؤشرات تباطؤ، حيث أظهرت تقارير ماستركارد زيادة في الإنفاق بنحو 3.9 بالمئة مقارنة بالعام السابق.

تفسير هذا التباين بين الإنفاق ومعنويات المستهلكين مرتبط بتفاوت الطبقات: فالثراء المتزايد لفئة محددة يسمح لها بالإنفاق، بينما يشعر أصحاب الدخل المتوسط والمنخفض بالضغط. فالنسبة العليا من أصحاب الدخل (أعلى 10 بالمئة) تمثّل الآن حوالى نصف الإنفاق الاستهلاكي، وهي النسبة الأعلى منذ بدء جمع هذه البيانات في 1989 بحسب مؤسسة موديز أناليتكس.

في تقييم عام للاقتصاد، منح هارفي تقديراً متوسطاً بست نقاط من عشرة، مستشهداً بأن الكثيرين يعتقدون أن الاقتصاد «عالق» عند معدل نمو حقيقي نحو 2 بالمئة، وأن الربع الثالث أظهر إمكانية لوتيرة أعلى من النمو، لكن الأمر يحتاج إلى طموح أكبر. ورولف لانغهامر من معهد كيل للاقتصاد العالمي أعطى تقييماً مماثلاً «بحد أقصى» ست نقاط، مشيراً إلى أن صندوق النقد الدولي كان قد توقع عند بداية ولاية ترامب معدل نمو حوالى 2.7 بالمئة، فيما تبدو القوة الحالية أقرب إلى 2 بالمئة.

سوق الأسهم الأمريكية
بعد تقلبات حادة في وقت سابق من العام نتيجة إعلانات ترامب المتعددة حول التعريفات، اختتمت الأسهم 2025 بأداء قوي: مؤشر S&P 500 ارتفع بنحو 18 بالمئة، متجاوزاً متوسط العائد السنوي التاريخي البالغ نحو 10.5 بالمئة. لكن ملكية الأسهم مركزة: إذ تنتفع الأسر الأثقل دخلاً بنسب أكبر من هذه المكاسب، ففي الأسر التي تكسب 100 ألف دولار سنوياً أو أكثر تمتلك الأسهم بنسبة تصل إلى 87 بالمئة، فيما لا تتجاوز ملكية الأسهم 28 بالمئة بين الأسر التي تكسب أقل من 50 ألف دولار، وفق استطلاع غالوب.

يقرأ  بولندا ترفض طلب تسليم ألماني وتفرج عن المشتبه به في قضية نورد ستريم

التضخم
على الرغم من المخاوف من أن سياسات التعرفة للجم التجارة قد تغذي التضخم، استمرت الأسعار في الارتفاع بوتيرة معتدلة — لا تزال أعلى من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 بالمئة، لكنها أقل بكثير من ذروة 9.1 بالمئة في يونيو 2022. جاء التضخم على أساس سنوي بنحو 2.7 بالمئة في نوفمبر بعد أن كان 3 بالمئة في سبتمبر. ومع ذلك، يشعر الكثيرون بأن تكاليف معيشة المنطقة باتت باهظة؛ فقد أظهر استطلاع مشترك لهيئات إعلامية أن 70 بالمئة من المستجيبين يعتبرون مستوى المعيشة في منطقتهم غير ميسور التكلفة.

وحذر بعض الاقتصاديين من أن تأثير التعريفات قد يتأخر بسبب قيام الشركات بتخزين وارداتها تحسّباً لارتفاع التكاليف، ما قد يؤدي إلى بروز أثر ملموس على الأسعار في 2026 إلى جانب ضعف الدولار. أشار لانغهامر إلى أن معدل التعرفة الفعّال المتوسط البالغ نحو 17 بالمئة أعلى بخمس مرات تقريباً مما كان عليه قبل تولي ترامب المنصب. بالمقابل، يرى هارفي أن تأثير التعريفات على الاقتصاد محدود، مذكراً بأن القطاع التجاري في الولايات المتحدة أصغر نسبياً مقارنة ببلدان أخرى: إذا قيسنا شدة التجارة بجمع الصادرات والواردات مقسوماً على الناتج المحلي، فإن الولايات المتحدة تُعد من أقل البلدان اعتماداً على التجارة، وأن حجم الواردات نسبة إلى الناتج يبلغ نحو 14 بالمئة، وهذا يفسر في رأيه قلة التأثير الاقتصادي الفعلي للتعريفات مقارنةً بالضجيج الإعلامي حولها.

التوظيف
على الرغم من وعود ترامب بإعادة بريق الصناعة الأميركية، ارتفعت معدلات البطالة تدريجياً منذ بداية فترته الثانية في يناير؛ إذ بلغ معدل البطالة الرسمي 4.6 بالمئة في نوفمبر، أعلى مستوى خلال أربع سنوات بعد أن كان 4.0 بالمئة في يناير. ورغم أن الرئيس نسب جزءاً من الارتفاع إلى إجراءات تقليص الوظائف في ما وصفته إدارته بإدارة كفاءة الحكومة (DOGE) التي قادها الملياردير إيلون ماسك، فإن تلك التخفيضات تمثل جزءاً ضئيلاً من إجمالي الزيادة في أعداد العاطلين: فبينما خفضت DOGE نحو 300 ألف موظف في الجهاز الفيدرالي، سجّلت الإحصاءات زيادة تقارب مليون شخص ضمن فئة العاطلين في نوفمبر مقارنةً بشهر يناير، بحسب مكتب التحليل الاقتصادي.

يقرأ  وقّعت الرئيسة دينا بولوارتي قانون العفو في بيرو رغم موجة الاستنكار والاحتجاجات— أخبار حقوق الإنسان

خلاصة
الاقتصاد الأمركي في نهاية 2025 يظهر مزيجاً من القوة والضعف: أرقام نمو قوية مدفوعة باستثمارات تقنية مركزة، سوق مالي مزدهر لكنه مركزي الامتيازات، تضخم تحت السيطرة نسبياً لكن الضغوط على تكلفة المعيشة مستمرة، وسوق عمل متأرجح. وتبقى مسألة مدى استمرار هذا الأداء رهن قدرة الذكاء الاصطناعي على تحويل الوعود إلى واقع، وتأثيرات السياسات التجارية على الأسعار والأنشطة الاقتصادية فيما يليه من سنوات.

أضف تعليق