كييف، أوكرانيا — في 2 أكتوبر اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هجمات أوكرانية بأنها دمرت خط نقل عالي الجهد يربط محطة زابوريجيا النووية الخاضعة لسيطرة موسكو بمناطق تسيطر عليها العاصمة. قبل أيام، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن القصف الروسي قطع التيار الكهربائي عن المحطة.
المحطة العملاقة ذات المفاعلات الست — أكبر محطة نووية في أوروبا والمعروفة في أوكرانيا باسم ZAES — تقع على بعد أقل من 10 كيلومترات جنوب خط الجبهة. أُغلقت منذ 2022 ولم تعد تولد الكهرباء التي كانت تغطي فوراً نحو خُمس احتياجات البلاد. ومع ذلك، يحاول عشرات المهندسين المرسلَين من موسكو إعادة تشغيلها بيأس، حتى الآن دون جدوى، وكانت لدى أوكرانيا مخاوف منذ زمن من سعي روسيا لربط الشبكة لتأمين حاجات الطاقة في شبه جزيرة القرم والمناطق المحتلة.
قال بوتين إن الضربات الأوكرانية المزعومة تسببت بانقطاع التيار في المحطة واضطرتها للاعتماد على مولدات ديزل. وهذا الانقطاع الأخير هو الأطول خلال فترة الحرب. ووجّه تحذيراً قائلاً إن على الجانب الأوكراني أن يفهم أن وجود محطة نووية عاملة في منطقتهم يجعل الممارسات الخطرة غير مقبولة.
الاشعاع قوي جداً
بخلاف زابوريجيا، لدى أوكرانيا ثلاث محطات كهرباء عاملة، بالإضافة إلى تشيرنوبيل المعطلة، موقع أحد أسوأ الكوارث النووية في التاريخ. وتتبنّى موسكو موقفاً استفزازياً قائلاً إنه يمكن الرد بالمثل إذا لزم الأمر، بينما اتهمت أوكرانيا روسيا بقصف نَجَمَ عنه تضرّر إمداد الطاقة لـ”السرْكوفاج” الواقي فوق المفاعل الرابع في تشيرنوبيل، الذي انفجر عام 1986.
تحتاج كل من محطة تشيرنوبيل وزابوريجيا إلى كهرباء لتشغيل أنظمة الأمان، والأهم لضمان استمرار دوران مياه التبريد حول الوقود النووي. قضبان الوقود، آلاف الأعمدة المشعة، تظل مصدراً للحرارة ولا يمكن نقلها خشية التلوث الإشعاعي. في تشيرنوبيل، الوقود مستهلك ومغمور في أحواض تبريد أو مخزّن جافاً في مرافق مهوية ومؤمّنة. أما في زابوريجيا، فالقضبان لا تزال داخل المفاعلات — أحدث وأكثر سخونة — وصُنعت في الولايات المتحدة بعد انتقال أوكرانيا من قضبان روسية سداسية الشكل إلى قضبان مربعة من شركة ويستينغهاوس الأميركية.
بحسب مهندس سابق في محطة زابوريجيا فرّ إلى كييف، ستستغرق القضبان المصنوعة في الولايات المتحدة سنوات قبل أن تبرد بما يكفي لإخراجها بأمان. وقال إن “الاشعاع قوي لدرجة أنه لا يمكن إخراج الوقود أو نقله أو التعامل معه بطرق أخرى حتى يضمحل. سيستغرق سنوات”.
القوات الأوكرانية تُعيق الخطط الروسية المزعومة
التحدي الأكبر في المحطة هو ندرة مياه تبريد المفاعلات. كانت زابوريجيا تقع على بعد أقل من 15 كيلومتراً من سد نوفو-كاخوفكا السوفييتي العملاق على نهر دنيبر، الذي شكّل خزاناً يزوّد المحطة بكم هائل من المياه. في يونيو 2023 دُمّر السدّ بانفجارات قوية — واتهمت كل من أوكرانيا وروسيا الأخرى — فتدنّى مستوى المياه بدرجة كبيرة. أحواض التبريد العميقة حول المحطة، التي نادراً ما تتجمد، امتلأت سابقاً لكنها تفقد المياه بالتبخر، وما يزال هناك ما يكفي لتبريد المفاعلات المتوقفة لكن ليس بما يكفي لإعادة تشغيلها وتشغيل التوربينات.
“من المستحيل مطلقاً تشغيل حتى كتلة واحدة”، قال المهندس. وأفاد بأن الروس يحاولون حفر وإمداد بعض المياه، لكنها غير كافية. والمشكلة الأكبر تتمثل في فشل موسكو في ربط المحطة بشبكة المناطق المحتلة بسبب عمليات استهداف متعمدة من القوات الأوكرانية لخطوط النقل ومحطات الوقود والمحطات الحرارية التي تبنيها روسيا.
حذّرت منظمة بيلونا النرويجية لمراقبة الشؤون النووية من أن موسكو قد تستغل الأزمة لتبرير إعادة ربط المحطة بشبكتها، متظهّرة بدور “المنقذ” الذي يمنع كارثة نووية؛ وهو ما قد يزيد التوتر الاستراتيجي ويقرّب احتمال إعادة التشغيل — خطوة من شأنها، في ظل القتال المستمر، أن ترفع بشكل حادّ مخاطر وقوع حادث نووي.
أشار محللون إلى مقترح قدّمته إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في مارس لنقل إدارة المحطة إلى واشنطن كحل محتمل. وقال باحث ألماني إن الضربات الأوكرانية “ستستمر حتى تُبرم روسيا صفقة سلام تشمل أيضاً سيطرة أميركية على ZAES وتشغيلها”.
في الأسابيع الأخيرة، أصبحت الانقطاعات الكهربائية في القرم عشوائية ومؤذية للسكان. كما أخبر أحد سكان القرم القنوات الإخبارية: “يقفلون التيار ويعيدونه دون أي إنذار. ثم يعيدونه ويقطعه، مراراً وتكراراً.” «توقفت ثلاجتي عن العمل»، قال مقيم في سيمفيروبول، عاصمة القرم الإدارية، مفضلاً عدم الكشف عن هويته خشيةً على سلامته.
يقول مراقب إن موسكو تدرك أن تحسين إمدادات الكهرباء شرط لا غنى عنه في سعيها لإعادة تأهيل المناطق الأوكرانية المحتلة والسيطرة على مساحات إضافية من الأراضي الأوكرانية.
وأضاف المحلل المقيم في كييف، ألكسي كوشش، أن موسكو بحاجة إلى المحطة لتلبية النمو المتسارع في استهلاك الطاقة في المنطقة، وما ذلك لا يقتصر على شبه جزيرة القرم المحتلة فحسب، بل يشمل أيضاً المناطق الواقعة شمال بحر آزوف، وفي سياق خطة روسيا لضم جزء من منطقة زابوريجيا.
وقالت منظمة السلام الأخضر إن تحليلها المفصّل للصور الفضائية عالية الدقة، التي التُقطت بعد ما زعمه بوتين من ضربات أوكرانية، أظهر أن هذه الادعاءات لا تستند إلى دليل ملموس وتبدو محاولة للمراوغة.
وأوضحت المنظمة في بيانها بتاريخ 1 أكتوبر أن الصور تكشف بقاء أبراج نقل الطاقة في مواقعها دون وجود فوهات انفجارات حول خطوط الشبكة في هذا الجزء من محطة زابوريجيا النووية.
واستنتجت السلام الأخضر أن انقطاع التيار في المحطة «عمل تخريبي متعمّد نفذته روسيا» يهدف إلى فصل المحطة بشكل دائم عن شبكة أوكرانيا وربطها بشبكة المناطق التي تحتلها روسيا.