واشنطن تراهن بقوة على إنقاذ الأرجنتين

سكوت بيسنت: وجه مقامرة امريكيا على الأرجنتين

من المنصِب كمسؤول في وزارة الخزانة، حمل سكوت بيسنت عبء إقناع الأسواق المالية ببعض رهانات إدارة الرئيس ترامب الاقتصادية الأكثر خطورة: من تعريفات جمركية عالمية واسعة النطاق إلى محادثات تجارية مع الصين واستعدادات لتعيين قيادة جديدة في البنك المركزي الأميركي. لكن ربما كان أصعب ملف أمامه هو رهان البيت الأبيض على الأرجنتين.

تدخلت الولايات المتحدة منتصف سبتمبر بعدما شهد البيزو محطة هبوط حادة، وأثار تراجع العملة مخاوف من أن يهدد ذلك حلفاء ترامب، وعلى رأسهم الرئيس خافيير ميلي، قبيل انتخابات التجديد النصفي. تعهد بيسنت بأن واشنطن ستفعل ما يلزم لتهدئة الأوضاع واصفًا الأرجنتين بحليف إقليمي أساسي. سياسياً، نجح التدخل — الذي شمل مشتريات من البيزو وإقرار خط تبادل عملات بقيمة 20 مليار دولار يتيح للبنك المركزي الأرجنتيني الوصول إلى دولارات — في حماية ميلي وحزبَه، بل وتحصين مكاسبه في الانتخابات.

لكن السؤال الأكبر يبقى: هل سيكون هذا التدخل ناجحًا من زاوية مالية؟ البيزو انخفض نحو 30% هذا العام، بما في ذلك هبوط يقارب 4% خلال الشهر الأخير، رغم الالتزامات الأميركية وارتفاع طفيف عقب الاقتراع. هذا يؤشر إلى الخطر المستمر: في نهاية المطاف قد تجد الولايات المتحدة نفسها حاملة لكومة من البيزوس أقل قيمة بكثير مما كانت عليه عند الشراء.

كان التدخل أميركياً خطوة غير مألوفة — لا سيما من إدارة تتباهى بسياسة “أميركا أولاً” — لأن واشنطن نادراً ما تقدم دعمًا ماليًا مباشرًا لدول أخرى في حالات لا تشكل تهديدًا على الاستقرار المالي العالمي، أما شراء عملة سوق ناشئة متعثرة بشكل مباشر فهو سابقة غير مسبوقة، وفق براد سيتسر من مجلس العلاقات الخارجية. ويزيد من المخاطر تاريخ الأرجنتين الطويل من تخفيض قيمة العملة وإخفاقات في سداد الديون، آخرها في 2020.

يقرأ  واشنطن تسحب تأشيرة رئيس كولومبيا بعد زيارته إلى الأمم المتحدة

بيسنت نفسه ليس غريبًا عن مخاطبة مخاطر العملات؛ فقد صنع سمعته كتاجر عملات في فريق جورج سوروس، وشارك شهرةً في المضاربة ضد الجنيه الإسترليني عام 1992. هذه المرة وجد نفسه على الطرف الآخر من مقامرة مماثلة للدفاع عن عملة أجنبية، مبررًا موقفه بامتصاص صدمة محتملة في المنطقة والاحتياط من سيناريو فنزويلا. بعد الانتخابات كتب على وسائل التواصل أن سياسة إدارة ترامب “السلام عبر القوة الاقتصادية تعمل”، ثم أعلن لاحقًا أن “الجسر الاقتصادي الأرجنتيني قد حقق الآن ربحًا للشعب الأميركي”.

الخزانة الأميركية لم تكشف تفاصيل كافية لتقييم ادعاءات بيسنت: لا جدول زمني دقيق ولا أرقام كاملة عن مستوى مشتريات البيزو أو مبيعاته، ولا معلومات عن أصول أخرى قد رهنها الطرف الأرجنتيني لتأمين خط التبادل. محللون قدّروا أن مشتريات الولايات المتحدة من البيزو قد تبلغ نحو 2 مليار دولار — رقم ليس هائلًا بالمطلق. وفي الداخل الأميركي، انتقد ديمقراطيون هذا الدعم في ظل تقليصات إنفاق وحالة إغلاق حكومي، ملمّحين إلى أن بيسنت قد يحمي زبائن ماليين لهم استثمارات في الأرجنتين. حتى بعض الجمهوريين تساءلوا عن مدى اتساق المساعدة مع شعار “أميركا أولاً”.

من جانبه، جادل بيسنت بأن الدعم ليس إنقاذًا تقليديًا وأنه لن تكون هناك “خسائر من دافع الضرائب” وادعى أن البيزو “مستهلك بأقل من قيمته”. لكن إجماع الاقتصاديين لا يميل إلى هذا التقييم القصير الأمد: السواد الأعظم يرى أن البيزو مُقوّم بأعلى من مستواه الطبيعي وأن البنك المركزي الأرجنتيني يدعمه اصطناعيًا عبر تحديد نطاقات تداول منذ أبريل. استمر البنك في إنفاق مليارات لشراء البيزو للحفاظ على الاستقرار، مستنزفًا من تمويل صندوق النقد الدولي ومقوّضًا احتياطياته الأجنبية الضرورية لسداد الدين.

التحالف بين ربط العملة وحماية الاحتياطيات وضع صانعي السياسة أمام مفترق طرق: إما السماح للبيزو بالهبوط بشكل أكبر أو المجازفة بضرورة إنقاذ آخر. هذا معضلة لبيسنت بعد وعوده بتفادي الخسائر الأميركية. كما تساءل سيتسر: هل ستكون الولايات المتحدة مستعدة لدعم الأرجنتين للحفاظ على البيزو عند هذا المستوى؟ هل يواصل بيسنت التكثير من الرهان أم يعترف بأن تدخلَه كان جسرًا انتخابيًا ويترك السعر يتعدل؟

يقرأ  سوثبي تراهن على الثقافة الشعبية —جيتار إيدي فان هالين بقيمة مليوني دولار

الذعر الذي سبق الانتخابات دفع الشركات والأسر الأرجنتينية إلى التهافت على الدولارات لحماية مدخراتهم، مستذكرين انهيار العملة عام 2019 بعد خسارة الرئيس ماكري. وفق مدير Grit Capital في بوينس آيرس، كان لدى كل من تحدثوا معه رغبة قوية في شراء الدولارات؛ كانت أزمة ثقة. بعد الانتخابات خفت الطلب بعض الشيء، لكن البيزو لم يستفد من انتعاش مستدام كما رأينا في سندات وأسواق الأسهم التي قفزت أكثر من 20% فورًا.

شركات أرجنتينية بدأت تعود إلى أسواق الاقتراض الدولية بعد تجمّد سابق، ولكن المحللين يتوقعون أن تبقى البنوك الأميركية حذرة في الإقراض، رغم جهود بيسنت لترتيب 20 مليار دولار تمويلًا خاصًا. آراء المحللين متدرجة: كاثرين إيكسوم من Gramercy ترى احتمال ارتفاع البيزو على المدى المتوسط إذا واصلت الحكومة تنفيذ إصلاحات اقتصادية جادة، لكنها تحذّر أن الطريق طويل ومليء بالمهام. أما أنتوني سيموند من Aberdeen فيتوقع مزيدًا من الانخفاض، مع احتمال أن تجبر الوقائع الاقتصادية صانعي السياسة على مزيد من المرونة في إدارة العملة.

في الحصيلة، نجاح التدخل الأميركي في الأرجنتين قد يختلف بحسب المقياس: ناجح سياسيًا في دعم ميلي وحزبه، لكنه ما يزال على محك مالي وسياسي مع مخاطر متصاعدة على الاحتياطيات، واحتمال الحاجة إلى دعم إضافي أو قبول تراجع أعمق للبيزو واعتبار التدخل جسرًا انتخابيًا مؤقتًا. المعضلة أمام بيسنت واضحة: أن يضاعف الرهان أم أن يترك العملة تتكيّف مع الواقع.

أضف تعليق