أعلن الجيش الاسرائيلي أنه سحب جزءاً من قواته من مناطق في قطاع غزة بعد دخول وقف إطلاق نار بين إسرائيل وحماس حيّز التنفيذ صباح الجمعة، مع انسحاب القوات إلى مواقع متفق عليها داخل القطاع، رغم احتفاظها بنصف مساحة الشريط الساحلي تقريبا.
تُظهر لقطات مصوّرة آلاف الفلسطينيين يتجهون شمالاً عبر طريق الساحل، إلى مناطق تعرّضت لقصف عنيف خلال الأشهر الماضية. وقد دخل وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ بعد موافقة الحكومة الإسرائيلية على المرحلة الأولى من اتفاق وساطة الولايات المتحدة الذي طرحه الرئيس السابق دونالد ترامب، بينما لا تزال المراحل التالية قيد التفاوض.
ينص الاتفاق على أن تطلق حماس سراح جميع الرهائن الإسرائيليين حتى الساعة 12:00 بتوقيت المحلية يوم الاثنين (10:00 بتوقيت بريطانيا)، بما في ذلك نحو 20 شخصاً يُعتقد أنهم أحياء، وإعادة رفات ما يصل إلى 28 رهينة. وفي المقابل ستفرج إسرائيل عن نحو 250 سجيناً فلسطينياً محكومين بالمؤبد في سجونها؛ وقالت إذاعة الجيش إن 100 منهم سيذهبون إلى الضفة الغربية وخمسة إلى شرق القدس، مع توقع ترحيل مزيدين. كما يفترض أن تُفرج أيضاً عن نحو 1700 معتقل فلسطيني من غزة.
كذلك يجرى السماح بمرور قوافل مساعدات دون قيود إلى داخل القطاع لتلبية الاحتياجات الإنسانية الملحة لسكان غزة، الذين تكررت عمليات نزوحهم أثناء الحرب المستمرة منذ عامين. ومن المقرر دخول نحو 600 شاحنة مساعدات يومياً اعتباراً من الجمعة، لكن آليات التنفيذ لا تزال غير واضحة ولم يتأكد بعد وصول كميات إضافية فعلياً إلى المحتاجين منذ بدء وقف النار.
في أغسطس الماضي، أعلن خبراء مدعومون من الأمم المتحدة أنّ جزءاً من القطاع دخل في حالة مجاعة، مشيرين إلى أنّ أكثر من نصف مليون شخص يواجهون ظروفاً وصفوها بـ«كارثية» من جوع وفقر ومخاطر وفاة. وتنفى إسرائيل توافر دلائل على مجاعة في المنطقة.
قال شهود عيان إن القوات تراجعت من الأطراف الشمالية الغربية لمدينة غزة باتجاه الشرق، كما سُجل انسحاب محدود أيضاً لقوات في محيط خان يونس جنوباً. وأفاد بيان للقوات المسلحة الإسرائيلية بأن قواتها «بدأت التمركز على خطوط الانتشار المحدثة» اعتباراً من الساعة 12:00 المحلية، وأن وحدات القيادة الجنوبية ستظل متواجدة «لإزالة أي تهديد فوري».
قال المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف إن القيادة المركزية الأمريكية أكدت أن قوات الجيش أنهت «الانسحاب المرحلة الأولى» إلى ما أُشير إليه بخطّ «أصفر» يظهر على خريطة صدرتها البيت الأبيض ويحدد المنطقة التي ستسيطر عليها إسرائيل بنسبة نحو 53% من مساحة غزة. وأضاف أن «فترة الـ72 ساعة لعودة الرهائن قد بدأت».
ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كلمة متلفزة أكد فيها أنه يفي بوعده بإعادة جميع الرهائن، وإنّ القوات لا تزال «تحاصر حماس من كل الجهات»، مشيراً إلى أن المراحل التالية من خطة ترامب تتضمن نزع سلاح حماس وتجريد غزة من السلاح، بينما لم تُعلِن حماس أي التزام بالتسليم أو النزع.
سادت ارتباكات في توقيت بدء وقف النار، وأفاد شهود باستمرار غارات جوية في الساعات الأولى من يوم الجمعة. وقالت وزارة الصحة التابعة لحماس إن 17 شخصاً قُتلوا خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية. وكرر الجيش دعوته للمواطنين إلى تجنّب الدخول إلى المناطق التي لا تزال تحت سيطرته العسكرية.
حيث انسحبت القوات الإسرائيلية، نشر عناصر أمن تابعون لحماس دوريات في الشوارع، وقد بدت على خوذهم وشاراتهم علامات تتبع «الأمن الداخلي» بدلاً من شكل قوى شرطة نظامية. وبينما تُسجّل عمليات الانسحاب الجزئي، صُوّر آلاف الفلسطينيين وهم يقطعون مسافات طويلة سيراً على الأقدام نحو الشمال، بعضهم يحمل ما تبقّى من متاعهم على الظهور، وقد مشوا في كثير من الأحيان أكثر من 20 كيلومتراً.
على الطرق الضيقة المتضررة، لوّح بعضهم بالأعلام الفلسطينية وأشاروا بعلامات النصر، لكن كثيرين بدا عليهم الضعف وسوء التغذية. قال علاء صالح، مدرس فرّ من مدينة غزة مع زوجته وستة أولاد إلى خان يونس: «الطريق طويل وصعب، لا طعام ولا ماء»، وأضاف أن استئجار سيارة يكلف نحو 4000 شيكل، مبلغ يفوق قدرة غالبية الناس على تحمّله. وقال وائل النجار، الذي كان متوجهاً إلى منزله في جباليا، إنه نام مع ابنه على رصيف بارد أثناء انتظار انطلاق رحلته، وأنه حتى لو دُمرت المنازل فسيعودون، «ننصب خيمة ونعود إلى أهلنا».
تُظهر مشاهد متداولة دماراً هائلاً في أحياء رئيسية بمدينة غزة—منها الشيخ رضوان شمالاً وصبرا والزايدون جنوباً وشرقاً—حيث سويت بنايات كاملة بالأرض. وتعمل فرق الدفاع المدني على انتشال جثث من تحت الأنقاض، فيما تحذر وكالات الإغاثة من ندرة حادة في الغذاء والوقود والمياه النظيفة.
في إسرائيل عبّرت عائلات المعتقلين عن ارتياحها لخبر وقف إطلاق النار. وقال أوري غورين، الذي يناضل منذ 7 أكتوبر 2023 لاستعادة جثة ابن عمه تال حائمي الذي قُتل وأُخذ إلى غزة قبل عامين، إنه تنفّس «صدراً عريضا» عند سماع خبر الاتفاق، لكنه أضاف أن ذلك لا يبدّد قلقه بعد اعتراف حماس بعدم معرفتها أماكن كل رفات الضحايا: «لن ينتهي الأمر حتى يعود الـ48 جميعاً إلى بيوتهم».
اندلعت الحرب إثر هجمات قادتها حماس على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، التي أودت بحياة نحو 1200 شخص وأدّت إلى أسر 251 آخرين، ومنذ ذلك الحين، تقول وزارة الصحة التابعة لحماس إن أكثر من 67,000 فلسطيني قُتلوا بينهم أكثر من 18,000 طفل، الأمر الذي أثار اتهامات من لجنة تحقيق أممية وخبراء بارزين بتورّط إسرائيل في أعمال قد تشكل إبادة جماعية خلال مجريات الحرب، وهو ما رفضته إسرائيل بشدة ووصفت التقارير بأنها «مضللة وكاذبة».