بلاك ريفر — ميناء جامايكي تحول إلى قلب الدمار بعد إعصار «ميليسا»
يمدّ السكان أيديهم عبر طرق موحلة، يبحثون في حطام المنازل والمتاجر عن طعام وماء وشيء يبقيهم على قيد الحياة. آخرون يقفزون إلى داخل محلات مدمرة على أمل العثور على مياه معبأة أو مؤن أخرى، بينما يزداد الخوف مع ارتفاع حصيلة القتلى.
بعد أيام على ضرب «ميليسا» — أحد أقوى أعاصير الفئة الخامسة المسجلة بالمنطقة — يعيش أهل بلاك ريفر في حالة فوضى شبه كاملة. الرياح العاتية وأمواج العاصفة اجتاحت المدينة، فحطمت المنازل والطرقات وقطعت التيار الكهربائي والمياه الجارية، مما ترك سكاناً معزولين ويائسين.
قوارب مقلوبة على الأرصفة، ومبانٍ طوبية مشقوقة، وصفائح معدنية عملاقة معلقة بين أغصان الأشجار، وسيارات متساقطة إلى كتل مكشوفة من الحطام — مشهد الدمار يعمّ المكان. لم ترَ فرق الإغاثة شاحنات مساعدات في المناطق المتضررة حتى الآن، وفق إفادات بعض السكان الذين أُضطروا إلى انتقاء ما يمكنهم أكله من بين الركام على جانب الطريق، على بعد نحو 150 كيلومتراً غرب كينغستون.
ما قام به بعضهم من اقتحام للمحلات كان بدافع البقاء: صعد بعض الناس إلى أسقف أسواق مدمرة ورأوا أنه لامحلّ من الانتظار، فطرحوا عبوات ماءٍ وطعاماً إلى من تحتهم الذين كانوا ممّدين أيديهم بحثاً عن لقمة. ديمار والكر قال وهو يجلس في ظل بعيداً عن الرطوبة الحارّة: “علينا أن نأخذ ما نجده في الشارع وفي السوبرماركت. سقف السوق انهار، فدخلنا وأخذنا ما استطعنا، ورمينا الماء والغذاء للآخرين”، وأضاف: “لم نكن أنانيين، كان علينا مشاركة ما وجدنـا”.
انتشر السلب أيضاً في صيدلية محلية؛ نُقل عن ألدواين توملنصون قوله إنه شاهد أشخاصاً يهرعون محملين بأذرعٍ من الأدوية والمشروبات الكحولية، وبعض البنود كانت مغطاة بالطين. امرأةٌ واقفة فوق كومة حطام لخصت الوضع بكلمتين: “فوضى، فوضى. لا طعام، لا ماء. لا نملك نقوداً. نحتاج للمساعدة ولم يصل شيء بعد”.
قصة جيمي إيسون مثال آخر على الخسارة الكاملة: “فقدت كل شيء. نحتاج طعاماً. ليس لدينا طعام.” القلق على البقاء يتصدر أذهان الناس، ويتقاطع مع القلق من ارتفاع حصيلة القتلى؛ أعلنت السلطات في جامايكا أن عدد الضحايا وصل إلى 19، بزيادة كبيرة عن اليوم السابق، في حين أفادت تقارير بأن حوالى 30 شخصاً لقوا حتفهم في هايتي المجاورة.
الموت قريب في بعض الأحياء. قال والكر بصوت متهدّج: “في مجتمعي هناك جثث.” كثيرون لم يسمعوا بأخبار عائلاتهم؛ الطرق غير سالكة، وخدمة الهاتف المحمول متقطعة أو غير موجودة، والإنارة مفقودة في كثير من المناطق المتضررة. والد الطفل ذو الثمانية أعوام لا يملك وسيلة للاطمئنان عليه، ويعيش حالياً في بيتٍ تقبله أو يملك سقفاً سليماً.
قال العمدة ريتشارد سولومون إن “البلدة بأسرها دُمّرت”، موضحاً أنه مع عدم تأييده للنهب، فإنه يفهم الدوافع التي تدفع الناس لالتقاط ما يمكن إنقاذه من المتاجر المتضررة. وذكر أن هناك من يلجأ أيضاً إلى استخدام القوة لاقتحام ممتلكات الآخرين بحثاً عن مؤن.
تُقدَّر الخسائر السكنية بأن نحو 90% من البيوت تضررت أو تدمرت، كما تعرضت مرافق حيوية مثل المستشفى ومركز الشرطة ومقر الإطفاء لأضرار بالغة. وزيرة الإعلام دانا مورّيس ديكسون قالت إن هناك مجتمعات كانت معزولة تماماً وأجزاء من المدينة بدت مسطّحة تماماً.
تتجه المساعدات الآن بوتيرة أسرع إلى مطار العاصمة كينغستون، لكن بعض المطارات الإقليمية الصغيرة القريبة من المناطق الأكثر حاجة لا تزال تعمل جزئياً فقط. تحاول وكالات الإغاثة والقوات العسكرية نقل الإمدادات من كينغستون براً، إلا أن الكثير من الطرق لا تزال غير سالكة، بما في ذلك الطريق الرئيسي إلى بلاك ريفر الذي أغلقته الفيضانات والحطام.
وصلت في فترة ما بعد الظهر فرق هليكوبتر عسكرية إلى بلاك ريفر، ونزل عناصر مسلحون في الشوارع. بعد ذلك، خفتت الفوضى نسبياً إذ تفرقت الحشود التي كانت تنهش في الصيدلية والسوق، ونُزِحَت السيارات المتجمّعة التي كانت تسد الممر الوحيد إلى المدينة، ليعمّ صمت نسبي يحل محلّ الضجيج اليائس.
أحد المسعفين المحليين، ميخائيل ثاركردين، وصف كيف غمر الماء الطابق الأرضي لمقر الإطفاء عندما ضرب الإعصار، وكيف كان مستوى الماء يصل إلى أعلى كتفه بسبب أمواج البحر التي تسللت إلى الداخل؛ وبيّن أن الناجين وصلوا إليه بحالات جرحية ونزوف، من أطفال وكبار على حد سواء، بينما عثر على رجلٍ بلا نبض عندما انحسرت المياه.
برغم ذلك، يبقى الأمل قائماً: “نريد أن تعود سانت إليزابيث”، قال شون موريس معبّراً عن أمنيته في وصول المساعدات. وأضاف ببساطة: “المسائل ليست مالية الآن. نحتاج طعاماً وماء.” لكن الوقت يمر، والناس هنا ينتظرون وصول يدٍ تمدّ لهم ما ينقذهم من على شفير المجاعة والمرض. الان الوضع مرهق وحساس للغاية، والحاجة للساعتدات الإنسانية عاجلة.