ابتكار استراتيجية التعلم والتطوير عبر غرس ثقافة المرونة
تخيّل مؤسسةً تصبح فيها هندسة التعلم والتطوير سريعة الاستجابة، والمواد التدريبية محدثة دائماً، والمحتوى والأساليب المتقادمة تُعالَج قبل أن تؤثر سلباً على مخرجات التعلم. هذه ليست رواية خيالية، بل واقع شركات مرنة تكسر الممارسات غير الفعالة وتحوّلها إلى تجارب تعلم مؤثِّرة. المؤسسات التي تستثمر في غرس المرونة تُمكّن القوى العاملة من التكيّف بسرعة مع المستجدات، وتعلّمها متى يتعيّن التعلّم ومتى تتبنى نزع المعرفة القديمة. النتيجة: ميزة تنافسية عبر تزويد الموظفين بما يحتاجونه بالضبط لتحقيق أعلى درجات الإنتاجية والكفاءة.
أفضل الممارسات لغرس ثقافة المرونة
بناء ثقافة مرنة يمنع رسوخ “الممارسات الميتة” — أي استراتيجيات التعلم غير الفعالة — داخل المؤسسة. فيما يلي ممارسات راسخة تتبعها الشركات الناجحة لتعزيز المرونة وتشجيع التعلم المستمر والتحسّن المتواصل.
1) اجعل التعلم تجربة
لتحسين استراتيجية التعلم والتطوير وجعلها أكثر مرونة، يجب إعادة تشكيل تصوّر التعلم داخل المؤسسة. النهج التقليدي يقيد التعلم بسلسلة أحداث معزولة — ورش، وحدات، أو دورات — ويقاس النجاح بحضور المتدربين فحسب. التعلم الحديث يتجاوز هذه الأحداث المحددة ليمتد عبر التفاعلات مع الزملاء، المشاريع التعاونية، وقواعد المعرفة التي يمكن للموظف الرجوع إليها لتحسين أدائه. فعاليته تقاس بتحسّن الأداء وقدرة الفرد على التكيّف. في ثقافة المرونة، لا يضطر الموظف للتوقف عن العمل ليتعلم؛ بل يندمج التعلم بسلاسة داخل المهام اليومية، معزِّزاً للعمل بدلاً من مقاطعته.
2) درّب القادة على القدوة
المرونة تبدأ من القمة، وبالأخص من القادة والمديرين الذين يعكسون السلوكيات المرغوبة لدى الموظفين. أهم هذه السلوكيات: الفضول والتواضع الفكري. التصرّف كمن يظن أنه يملك كل الإجابات يعيق التعلم المستمر ويحدّ من المخاطرة والتجريب. قائد متواضع يسعى علناً لسد ثغرات معرفته ويشارك في مبادرات التعلم يُرسّخ رسالة مفادها أن التعلم علامة على النمو والابتكار. من المفيد أيضاً قياس مشاركة القادة في برامج التعلم لتشجيع انخراط أوسع من الموظفين.
3) عزّز مشاركة المتعلّم من خلال التخصيص
ثقافة المرونة تعتمد بدرجة كبيرة على مشاركة المتعلّم. عندما يكون الموظف مُلتزماً بتطوّره، يصبح أكثر انفتاحاً على الأفكار الجديدة وأكثر استعداداً لبذل جهد إضافي لتحقيق نتائج تعلم أمثل. أحد أبرز سبل رفع مستوى المشاركة هو تخصيص مسار التعلم لكل موظف وفق تفضيلاته، نقاط قوته، وقيودّه. منصات تجربة التعلم (Learning Experience Platforms) تيتيح مجموعات متنوعة من المواد بصيغ متعددة وتمكّن المتعلّمين من تكوين المزيج الأمثل لاحتياجاتهم. كما لا يجب إغفال أهمية لوحات المتابعة المستمرة التي تُمكّن الموظف من تتبّع إنجازاته ورؤية تقدّمه على نحو شفاف.
4) اجعل نزع المعرفة والتجريب أمراً طبيعياً
عند السعي لتجديد استراتيجية التعلم والتطوير وغرس المرونة، يصبح نزع المعرفة القديمة موازياً لأهمية التعلم الجديد. الممارسات غير الفعّالة غالباً ما تكون متجذرة في آليات العمل وطرق التدريب. لذلك، قبل مطالبة الناس بتعلّم شيء جديد، ينبغي مساعدتهم على التخلي عن عادات قديمة. هنا يأتي دور التجريب: بتطبيع فكرة المحاولة مع إمكان الفشل الآمن والتكرار، يقل احتمال التمسك بالممارسات المتقادمة. بهذا الأسلوب يمكن اختبار أساليب ومواد تعليمية جديدة، جمع ملاحظات الموظفين حول ما نجح وما لم ينجح، واتخاذ قرارات مستندة إلى بيانات لتحسين فاعلية استراتيجية التعلم.
5) شجّع التعاون وتبادل المعرفة
لتعزيز المرونة، من الضروري وجود نظام لتبادل المعرفة داخل المؤسسة. عندما تتدفّق المعرفة بسلاسة بين الأقسام والمستويات، يصبح التعلم عملية متكاملة. يمكن لكلّ فرد المساهمة والاستفادة من قاعدة ثرية من الرؤى الجماعية، مما يسهل الوصول إلى الحلول عند ظهور مشكلات. التعاون يلعب دوراً محورياً ويمكن تعزيزه عبر لوحات النقاش، المشاريع الداخلية، ومنصات التشارك التي تربط الموظفين من مختلف الأقسام والمواقع. بهكذا أدوات تُكسر صوامع المعرفة ويُعزَّز ثقف المشاركة وتبادل الأفكار بدلاً من احتكارها.
6) استثمر في ملاحظات الموظفين
مع أن معظم المؤسسات تدرك أهمية الاستماع لموظفيها، كثيراً ما تفشل في القيام بذلك بوتيرة تكفي لإحداث تأثير فعلي. كيف تبني ثقافة مرنة إذا استغرق جمع آراء العاملين أسابيع للتعاطي مع قضايا مستعجلة؟ بدلاً من الاعتماد على استبيانات سنوية، أقم آليات تواصل دورية وسريعة تُتيح للموظفين التعبير عن رأيهم مباشرةً. وعند جمع الملاحظات، راجعها واستخرج منها رؤى قابلة للتنفيذ تُسهم في تحسين المبادرات التعليمية. عندما يشعر الموظف أن صوته مؤثر وأن آرائه تُؤخذ بعين الاعتبار في مبادرات التعلم، يزداد التزامه وانخراطه.
7) طبّق منهجية الاختبار والتعلّم
الخطوة النهائية نحو بناء ثقافة مرنة تقود المؤسسة إلى النجاح هي تبنّي منهجية الاختبار والتعلّم. في هذه العملية التكرارية تختار المؤسسة عنصراً محدداً من استراتيجيتها التعلمية تختبره على مجموعات صغيرة، تجمّع بيانات وتستخرج رؤى، ثم تعدّله وتعيد اختباره حتى الوصول إلى النتائج المنشودة. هذا النهج يمكّن من تطبيق تغييرات صغيرة تُوسع تدريجياً لتشمل جمهوراً أكبر، ويقلّل المخاطر المصاحبة للتنفيذ واسع النطاق الذي قد يربك الموظفين ويعطل العمل. احتضان هذه الثقافة يعزّز روح التجريب والانفتاح داخل المؤسسة ويمهّد الطريق للابتكار.
الخلاصة
بناء ثقافة مرنة أمر جوهري لتعزيز التعلم المستمر والابتكار داخل المؤسسة. يتطلب ذلك إعادة تشكيل نظرتكم إلى التعلم، إعطاء وزن أكبر لملاحظات الموظفين لجمع رؤى قيّمة، والاعتراف بدور القيادة لأن التحوّل يبدأ من القمة. وأخيراً، طبعوا التجريب واعتمدوا اختبارات تكرارية للميزات والأدوات الجديدة حتى تُمكّنوا استراتيجيّة التعلم والتطوير من تكوين أفضل توليفة تتلاءم مع أهدافكم المؤسسية واحتياجات التعلم. بهذه الطريقة ستصبح عملية التكيّف مع تغيّرات الصناعة سهلة وطبيعية للجميع.