«من سألك ذات مرة عن أعظم ميراث منحتني إياه أمي؟» قالت أرونداتي روي في لقائها الخاص بالعاصمة دلهي مؤخراً. «أجبت: إصبع وسطى مفرط النشاط.» تلك المقولة الساخرة، القاطعة والمضحكة بطعم التهكم، تُعد مدخلاً مثالياً إلى مذكرات الحائزة على البوكر/الناشطة والكاتبة: الأم ماري تأتي إليّ.
المذكرات تروي قصة ماري روي — الأم القوية، المتقلّبة، رمز نسوي ومعلمة ومناصرة وغريبة الأطوار وطاغية وإلهام في آن واحد. امرأة كانت، كما تصفها ابنتها، «مأواي وعاصفتي». ليست هنا محاولة لتقديس سيرة، بل سرد صريح وخشن لعلاقة أم وابنة تسميها «علاقة محترمة بين قوتين نوويتين. حسناً، لنبقَ هادئين».
قبل أن تصبح روائية، كانت أرونداتي روي مهندسة معمارية وممثلة وكاتبة سيناريو ومصممة إنتاج. روايتها الأولى — إله الأشياء الصغيرة — التي استلهمت جزءاً كبيراً من أحداثها من طفولة عائلية، حازت جائزة البوكر عام 1997 ورفعت من شأنها وهي في السادسة والثلاثين. وصفتها أصوات نقدية بارزة بأنها ظهور أدبي يفوق الوصف، وبيعت منها منذ ذلك الحين ملايين النسخ، ما منحها حرية أن تعيش وتكتب بشروطها الخاصة.
بعد انحراف دام عشرين عاماً إلى الكتابات المقالية التي قطعت الآراء بين التوقير والقدح، وبعد رواية ثانية، تعود روي الآن بمذكراتها الأولى. ولكن هذه الصفحات ليست تبياناً معصوماً؛ بل هي تدوين قلبِي، «تقرير من القلب» كما تسميه هي نفسها، يحكي دفعاً وجذباً: علاقة مزعزعة ومؤلمة وأحياناً قاسية، لكنها في نهاية المطاف مؤكدة للحياة.
تُعرّف روي العيش مع والدتها بأنه كان فعل بقاء: «نصف منّي كان يتلقى الضربات ونصف آخر كان يدون الملاحظات»، هكذا تروي عن طفولتها. والدتها لم تكن شخصية متسقة أو مرتبة، لذا رفضت روي تقطيع سيرة مصفوفة؛ كانت تكتب عن شخصية مجعدة، مكسورة، لا تحلّ. ولذلك خرجت المذكرات بمشهدية خامة وبصيرة قاسية.
قصة ماري روي بحد ذاتها استثنائية: غادرت زواجها حاملةً شهادة في التربية، وأسست مدرسة مرموقة في قاعة كانت تابعة لنادٍ روتاري سابق في مقاطعة كوتايام بولاية كيرلا عام 1967، وربحت قضية تاريخية أمام المحكمة العليا نالت بموجبها نساءً مسيحيات حقوق الميراث. كانت أيضاً مصابة بالربو الشديد، دائماً محاطة بـ«خادم مرعوب يحمل جهاز الاستنشاق كما لو كان تاجاً أو صولجاناً». توفيت في 2022 عن ثمانية وثمانين عاماً، بعد أن تنحّت عن إدارة المدرسة على قمة التلة بعقدٍ من الزمان.
وتكتب روي في مستهل الكتاب: «ربما أكثر مما أندب ابنة فقد أمها، أندبها ككاتبة فقدت أكثر موضوعاتها إثارة. في هذه الصفحات، ستعيش أمي، مجرمتي العتيدة.»
نشأت روي في أيامينيم — القرية الرطبة المحاطة بالأنهار في كيرلا، المكان الذي صار خلفية لرواية إله الأشياء الصغيرة — وتعلمت في البيت مع أخيها. كانت القرية مأهولة بناس «استثنائيين وغريبي الأطوار وكوزموبوليتانيين، هزمتهم الحياة»، شخصيات ستعاود الظهور لاحقاً في أعمالها الأدبية.
غادرت المنزل وهي في الثامنة عشرة متجهة إلى مدرسة العمارة في دلهي بعد رحلة قطار امتدت ثلاثة أيام من كوتشين. طالت فترات انقطاع الاتصال بينها وبين والدتها لسنوات؛ «لم تسأل لماذا رحلت… لم يكن في ذلك حاجة. كلانا كان يعرف. اتفقنا على كذبة، كذبة جيدة. صوغتها — وأحبّتني بما يكفي لتدعني أذهب.»
أبها، كما تكتبه، كان أشبه بشبح: «غريب غامض (وسيم نسبيًا، حسب رأينا) في ألبوم الصور الرمادي الذي كانت ماري روي تحتفظ به مقفلاً في خزانتها وتسمح لنا بمشاهدته أحياناً». جاء من عائلة مرموقة في كولكاتا، لكنه انجرف نحو الإدمان والضياع؛ رجل وصفتْه زوجته بأنه في «هذا العمل الفظيع المتمثل في الجلوس بلا عمل. لا قراءة، لا حديث، لا تفكير». انتهى به المطاف في الشوارع ودور المشردين أو يعمل في مزارع الشاي في أسام.
حوّلت ماري الكثير من غضبها نحو ابنها، حتى وصلت إلى ضربه حتى انكسر المسطر الخشبي، عقاباً لكونه «متوسّطاً» بينما أبدت أخته تفوقاً دراسياً. (الآن لاليث كومار كريستوفر روي تاجر ناجح للمأكولات البحرية وموسيقي).
من خلال فتحة الباب تعلمت أرونداتي درساً: «منذ ذلك الحين، كل إنجاز شخصي يرافقه شعور بالخوف. في اللحظات التي يمدحونني أو يصفقون لي، أشعر دائماً بأن شخصاً آخر، هادئاً، يُعذَّب في غرفة أخرى.» وعندما كانت والدتها تثور عليها علانية، كانت تختفي «كالماء يدور في مصفاة».
مع ذلك، لا تقتصر الأم ماري تأتي إليّ على سجل عائلي ممزق. فالمذكرات طفّاقة بشخصيات غريبة، بروح فكاهية ماكرة، وسخريات المدينة الصغيرة والحياة الحضرية الكبرى. هناك مثال طبيب الأسنان في كوتايام الذي اعتنى بأسنانها المراهقة بفخر لدرجة أنه «لسنوات بعد ذلك، كمالك بقرة أو مشتري حصان، لم يجد غضاضة في فحص أسنانِي علناً في الندوات الاجتماعية ليرى كيف حالها».
تتذكر أيامها في مدرسة العمارة بدلهي حين كانت مفلسة لدرجة أنها ارتدت «خرز البقر» — خرزات زجاجية سميكة مربوطة على قرون الأبقار، اشترتها من رعاة قرب المبيت. تجارة تركت «فتيات مُزَوَّقات في المهاجع وبقرات حافرات في الميادين». وهناك موظف بنك شاب التقت به في رحلة بالقطار إلى البيت، قيّمها قائلاً إنها «لطيفة للغاية، مثل نبات بونساي… ثم، كأنما يطلب سيجارة، عرض عليها الزواج».
على خط سردي ينساب حبها للموسيقى الروك: جو كوبر، جيمي هندريكس، جانيس جوبلين، البيتلز ومسرحية يسوع المسيح السوبرستار كلها موسيقى ترافق الحكاية. ومن بين محطات حياتها الصادمة أيضاً قضاء يوم في السجن عام 2002 بتهمة ازدراء المحكمة — موقف يعكس مدى انخراطها في الجدل العام.
الأم ماري تأتي إليّ، إذن، ليست مجرد مذكرات عن أم عظيمة أو سيئة؛ إنها عمل عن الحب والعنف، عن العبقرية والعيب، عن الخوف والاندفاع، وعن الطريقة التي تشكل بها العائلة الأجساد والذاكرات والكتابات. في نهايات الصفحات تكون ماري — صاخبة، زعامة، مُبهرة — حاضرة، لا تختفي، وتبقى موضوعاً لا ينتهي. كان ألبوم The Rolling Stones “Gimme Shelter” يدور بلا انقطاع على مسجل أسطوانات قديم بينما كانت روي تعمل على أطروحة مدرسة العمارة. كانت تستمع إلى أغنية “She’s Leaving Home” على حلقة متكررة، كفتاة شابة تُخطط لهروبها. وعنوان الكتاب، المستمد من أغنية البيتلز، كما تقول، “هبط على معصمي كفراشة”.
“هذه هي الموسيقى التي وضعت البسمة على شفتيّ والصلابة في عمودي الفقري”، قالت لي في صباح خانق في موطنها كيرال، وكان عبق المطر لا يزال في الهواء، وهي تتكلم عن الكتابة والذاكرة والسياسة والموسيقى.
مذكراتها ليست سيرة تقليدية، بل، كما تصفها، “عن علاقتي بأمي… عن كيف صنعتني كاتبةً كما أنا — ثم امتلأت بالاستياء من ذلك”.
واجهت روي قضايا وصفتها بأنها تضعها في موضع “معادية للوطن” و”معادية للإنسان”.
تصف روي الكتابة بأنها فوضوية وجسدية: “أخربش وأرسم، لكني أنتقل سريعًا إلى الحاسوب. ظننت أنني سأكتب المخطوطة كاملةً بخط اليد — وبحلول الفقرة الثالثة استسلمت.” استغرقت المذكرات عامين، لكنها تقول إن فعل الكتابة هو ما يبقيني على قيد الحياة: “هل تصورتَ كم سأكون منهكة لو لم أكتب؟ ذلك كان سيقتلني.”
ذات مرة امضت يومًا في السجن بتهمة ازدراء المحكمة. وواجهت دعاوى قضائية أخرى اتهمتها بتبني مواقف “مناهضة للوطن” و”معادية للإنسان”. سألتها إن كانت، بعد عقود من الكتابة عن السدود العملاقة وكشمير والأسلحة النووية والنظام الطائفي والمتمردين الماويين — وهي قضايا تدور كلها حول العدالة — هل يشعر غياب التغيير بالعبث، أم أن الإصرار ذاته يصبح الهدف؟
“أنا إنسانة تعيش مع الهزيمة. الأمر ليس متعلّقًا بي شخصيًّا، بل بالأشياء التي كتبت عنها — لقد دُمِّرت مرارًا وتكرارًا. هل نصمت لأن لا شيء يتغيّر؟ لا. علينا أن نستمر فيما نقوم به.”
“نحتاج إلى الانتصار. لكن حتى إن لم ننتصر، علينا أن نواصل.”
في حفل إطلاق كتابها أوائل هذا الأسبوع، امتلأت مئات المقاعد في قاعة كلية النساء الفسيحة في كوتشي — التي تُسمى بحقّ “قاعة مريم الأم” — بينما راقب جمهور زائد البث المباشر من الخارج. بحُليّتها من شُرفة المسرح ومراوح السقف وصفوف الكراسِ الحديدية ذات الوسائد الحمراء، حملت القاعة أجواء مسرحٍ قديمٍ بُكرةٍ واحدة.
بدأ الحفل بطريقة غير متوقعة، إذ صعد شقيق روي إلى المنصة لتقديم وداع موسيقي — ففتح بـ”Let It Be” للبيتلز قبل أن ينتقل بسلاسة إلى “Mother” لفرِيق Pink Floyd.
غنّى: “يا أم، هل تظنين أنهم سيحبون هذه الأغنية؟”
كان وداعًا حاميًا لماي روي، امرأة شديدة، جريئة وغير مروّضة في حياتها وعلى الصفحات.