كييف، أوكرانيا — فضيحة فساد كبرى تورَّط فيها شريك أعمال الرئيس فولوديمير زينسكي، إلى جانب حلفاء سياسيين ومجموعة من المستفيدين المفترضين الذين جنتهم صفقات مرتبطة باحتكار الطاقة النووية، وأثارت اضطراباً واسع النطاق في أوكرانيا المواجهة لأزمة طاقة.
مراقبون قالوا لقناة الجزيرة إن الفضيحة قد تقضي على شعبية زيلنسكي، وتثير سخط المانحين الغربيين، وتؤدي إلى أزمة سياسية داخلية قد تنعكس سلباً على الساحة العسكرية وتؤدي إلى خسائر في الميدان.
“ما يجري فعلياً هو نهب شركة مملوكة للدولة أثناء الحرب، وهذا أمر مؤلم للغاية للشعب”، قالت تتيانا شيفتشينكو من مركز العمل ضد الفساد في كييف.
تيمور مينديتش، الشريك السابق في فرقة “ديستريكت 95” التي قدَّمت زيلنسكي إلى الجماهير ومن ثم إلى الرئاسة، يُعتبر العقل المدبّر المزعوم لشبكة الصفقات مع اتحاد “إينيرغوآتم” الذي يدير محطات الطاقة النووية الحكومية، وفقاً لوكالتين لمكافحة الفساد.
مع تكرار الهجمات الروسية على منشآت إنتاج وتوزيع الطاقة، باتت المحطات النووية المصدرَ الرئيسي للكهرباء في البلاد.
مينديتش (46 عاماً) غادر أوكرانيا قبل ساعات من اقتحام المحققين شقته الفاخرة في وسط كييف يوم الاثنين؛ وفق تقارير فقد سافر إلى إسرائيل. مصدر في أجهزة إنفاذ القانون وصف هروبه بأنه “ليس مفاجئاً”.
بعد يوم، قدَّمت وكالتان مستقلتان لمكافحة الفساد اتهامات لمدينتش وسبعة آخرين بالرشوة وإساءة استخدام السلطة والت enrichment غير المشروع عبر عمولات تصل إلى 15% من عقود مع إينيرغوآتم تُقدر بحوالي 100 مليون دولار. ونشرت هيئتا مكافحة الفساد تسجيلاً صوتياً ومرئياً يظهر أفراد المجموعة يستخدمون ألقاباً رمزية ولغة مشفّرة عند مناقشة رشاوى وعمولات بملايين الدولارات.
زيلينسكي، الذي بنى حملته الرئاسية عام 2019 على مكافحة الفساد، حاول في يوليو تقييد استقلاليتَي هاتين الوكالتين بعدما فُتح تحقيقات بشأن حلفائه وشركائه السابقين. لكنه تراجع في مواجهة احتجاجات شعبية واسعة وتعهد بالحفاظ على استقلالية الأجهزة.
أسماء مستعارة وأوراق نقدية
قال زيلينسكي يوم الإثنين: “أي إجراء لمكافحة الفساد يخرج بنتائج مهم جداً؛ نحتاج إلى حتمية العقاب. يجب أن تكون هناك إدانات.” غير أن شيفتشينكو رفضت هذا التصريح ووصفتَه بأنه “ليس رداً حقيقياً — مثل قول ‘دعوا القضاء يفصل’.” وأضافت أن الذين استولوا على المناصب هم الذين رُشِّحوا بأسمه وأنهم استعملوا اسمه عند تعيين «مراقبين» لشركة الطاقة.
نشرت وكالة NABU نتائج التحقيق على يوتيوب، مُظهِرةً شبكة الأشخاص وتدابير السرية التي اتبعوها. الفيديو جذب اهتمام الجمهور الأوكراني وصار على واجهة الأخبار منذ يوم الاثنين، مع مشاهدات بلغت عشرات الآلاف.
مينديتش، المعروف بلقب «كارلسون»، يظهر في التسجيل وهو يتحدث مع «روكيت» — إيهور ميرونيوك، المستشار السابق لوزير العدل جيرمان غالوششنكو. الوزير أُوقِف عن العمل وأعلن استقالته بعد ضغوط برلمانية. كما استقالت وزيرة الطاقة سفيتلانا جرينتشوك بعد تقارير تفيد بأنها قضت عدة ليالٍ في شقة غالوششنكو وربما كانت متورطة بالملف.
من بين الأسماء الأخرى المزعومة: «تينور» دميترو باسوف، الرئيس السابق لقسم الأمن في إينيرغوآتم، و«شوغارمان» أولكسندر تسوكرمان، الذي يواجه تحقيقاً في تبييض الأموال في الولايات المتحدة وقد غادر هو الآخر أوكرانيا، وفق صحيفة Ukrainska Pravda. المجموعة تُتهم أيضاً بدفع مبلغ 1.2 مليون دولار و100 ألف يورو لوزيرٍ سابق نُسب إليه لقب «تشي غيفارا»، لكنهم قالوا إنهم دفعوا له أوراقاً نقدية قديمة بدلًا من أوراق جديدة “جميلة”.
إدارة إينيرغوآتم لطالما واجهت اتهامات بالفساد؛ مصدر من القطاع قال للجزيرة في 2019 إن رئيس المؤسسة بيترو كوتين متورط في صفقات غامضة وإخفاء معلومات مالية وفصل موظفين متمرسين بعد أن أبلغوا عن تجاوزات. إحدى الخبراء النوويين وصفت المجموعة بأنها «فريق نهّابين» يتقاضى عمولات طائلة.
هزّة سياسية وخطر على الجبهة
يرى فولوديمير فيسينكو من مركز بينتا للأبحاث في كييف أن هذه الفضيحة قد تكون مقدمة لمسلسل سياسي طويل يجذب اهتمام الأوكرانيين سنوات قادمة، وأن خصوم زيلينسكي سيفتتحون هجوماً سياسياً واسع النطاق عليه. وفي زمن الحرب، قد تؤدي مثل هذه المعارك الداخلية إلى «أزمة سياسية داخلية تضعف الدولة بشكل كبير، وقد تصل في أسوأ الحالات إلى هزيمة عسكرية»، حسب تحذيره. لكنه أشار أيضاً إلى أن البداية الصاخبة للقضية لا تضمن نهايتها الناجحة، مستذكراً قضية «العنبر» التي أُُعلن عنها بضجة عام 2017 ثم باءت التحقيقات فيها بالفشل أمام القضاء بسبب أدلة جُمعت بطرق غير قانونية.
أسئلة حول صفقات تسليح ومعدات
يرتبط مينديتش أيضاً بشركة Firepoint الأوكرانية المنتجة لطائرات مسيرة ومعدات استشعار وصواريخ، التي تحقق السلطات بشأنها بعد حصولها على عقود حكومية مربحة. تمويل بعض هذه الصفقات جاء بدعم من ألمانيا، وقد يهدد الكشف عن الفساد استمرار الدعم العسكري الألماني لأوكرانيا. باحثون ألمان وصفوا شبكات الضغط وراء هذه الصفقات بأنها “متواطئة”، واعتبروا أن الفساد المنهجي في مشتريات عسكرية وإدارة المساعدات الخارجية وحتى ابتزاز الضباط لجنود يرغبون في الحصول على إجازات يؤثر سلباً على قدرة البلد على الدفاع ويُسفر عن عواقب وخيمة على الجبهات.
إحساس متكرر بالصور القديمة
ما يثير غضب الأوكرانيين هو أن الفضيحة تبدو نسخة مكررة من كارثة سياسية سابقة أنهكت سلف زيلينسكي. بيوتر بوروشنكو، الذي كان يُعد أغنى رجال أوكرانيا وتولى وزارة الخارجية سابقاً، اختير رئيساً بعد احتجاجات 2014 على روسيا، ووعد بمحاربة الفساد. لكن بعد خمس سنوات انكشف تورط حلفائه في شبكة لبيع معدات روسية مستعملة بأسعار مبالغ فيها للدفاع، مما ساهم في فقدانه القاعدة الشعبية وخسارته لاحقاً أمام زيلنسكي في 2019. شيفتشينكو وناشطات مكافحة الفساد تذكر أن زيلنسكي هزم بوروشنكو على وعد مكافحة الفساد نفسه، وأنه وعد بوضع أصدقائه وراء القضبان لو تكررت تجاوزات مماثلة.