أصيبت أختي الصغيرة برصاص إسرائيلي أثناء وقف إطلاق النار في غزة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

غزة — مدينة غزة
أطلق قناص إسرائيلي النار على أختي التي تبلغ ستّ سنوات أثناء حفل زفاف لصديق للعائلة في شمال غزة خلال الهدنة في 3 نوفمبر.

في حي الدرج، بعيداً عن المنطقة الصفراء الخاضعة لسيطرة إسرائيل، كانت سندس تلعب في الطابق الأول من قاعة الزفاف مع أطفال آخرين، سعيدة بملابسها الجديدة، بينما كان الحفل يجري في الطابق العلوي.

فجأةً سقطت أرضاً.

عمّت الصيحات القاعة في الطابق الثاني. صفّرت الرصاصات وسط المدعوين. أصابت رصاصة وصيفة العروس في فكّها، وأخرى طالت ابنة عم العريس في كتفها. تحول فستان العروس الأبيض إلى بقعة من الدم — توقّف العرس قبل أن يرقص أحد.

جرت ماريا، أختي ذات السبع سنوات، مسرعةً: «سندس نائمة على الأرض ولا تستيقظ».

ركضت أمي إلى الطابق الأول تبحث عن سندس في كل مكان، فلم تجد سوى بركة دم. رنّ هاتفها: «نحن في المستشفى الإنجيلي (المستشفى الأهلي). تعالوا بسرعة»، قال أخوها علي.

«قناص إسرائيلي أطلق النار على الطفلة سندس هلس في رأسها»، انتشرت الأخبار ونحن في الطريق إلى المشفى. لم نكن نعرف شيئاً عن طفلتنا.

حين وصلنا كانت سندس مستلقية على سرير المستشفى. غطّى الدم وجهها الجميل، ولطّخ المكياج والملابس الملونة التي كانت سعيدة بارتدائها.

«سندس يا حبيبة، استيقظي»، توسّلتها أمّها، لكنها لم تُشر إلا بأنين خافت.

أخبرت ممرضة تفحص إصابة سندس أمّها: «رصاصتان في الرأس».

أظهر التقرير الطبي ثقبين، رصاصة واحدة وبعض أجزاء من الدماغ مفقودة.

في العناية المركزة

نُقلت سندس إلى مستشفى الشفاء.

قبل دخولها إلى وحدة العناية المركزة، نقّر جراح الأعصاب على يدها اليمنى فحركتها بلا وعي. لكن عند نقّره على يدها وساقها اليسرى لم تتحرّك.

خضعت سندس لعملية جراحية استغرقت ثلاث ساعات وبقيت في العناية المركزة. سُمِح لنا بالزيارة لمدة خمسة عشر دقيقة فقط. عندما دخلت الغرفة أول مرة أرشدني الطبيب إلى طفلة وجهها متورّم ورأسها ضمّاد، أنابيب في كل مكان، لا تشبه إلى حد بعيد سندس الجميلة.

يقرأ  رئيس وزراء قطر يندد بإسرائيل ويثمن التضامن العربي والإسلامي قبيل القمة | أخبار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

مرّ يوم وكانت سندس ما تزال في العناية المركزة حتى احتاج مريض آخر في حالة حرجة إلى السرير فنُقلت إلى جناح المرضى الداخليين.

استيقظت أخيراً بعد يومين، غير قادرة على الرؤية أو تحريك الجانب الأيسر من جسدها. مهما تحدثت معها كان ردّها الوحيد صرخات عالية.

كانت تفرك وجهها محاولةً أن ترى شيئاً فتعجز. «عينيّا معوّجتان… لا أرى شيئاً. لماذا جعلتوني هكذا؟» كانت تصرخ.

الزفاف الذي كانت تنتظره أياما قد محاه من ذاكرتها. في ذهنها لا تزال نائمة في مأوى أقاربنا حيث كانت قبل الذهاب إلى القاعه.

سندس، التي كانت ثرثارة باستمرار، لم تعد سوى أنين ضعيف. كنت أجعلها ترسم لبرهة من الهدوء، لكن الآن أحاول أن أعيد إليها الكلام فتنفجر بالبكاء.

حتى والدي، الذي اعتاد الشكوى، يتوسّلها أن تُصدر صوتاً، ولا تأتينا إلا عبارة: «كفّ عن الكلام. رأسي يؤلمني.»

«لماذا دفنتوني وأنا على قيد الحياة؟» صرخت مرة في وجه أمّها بعد محاولات مؤلمة وعقيمة للتقلب على السرير.

معلقة بالحصار

بعد أيام من الجراحة، بدأت سندس تشعر بسطوع الضوء. كانت ترى أشباحاً أحياناً، وأحياناً لا ترى شيئاً على الإطلاق.

عندما أحسّت بإحباطنا بدأت تخمن: الفراشة الحمراء زرقاء، أو الدمية الوردية وردة قطنية.

رأيت سندس تغضب من نفسها لأنها لا تستطيع الحركة ثم تنهار باكية — حلقة تستمر يومياً.

لم يقدّم جراح الأعصاب إجابات واضحة عندما سألناه إن كانت ستعود طبيعية. كان جوابه البسيط «إن شاء الله» لكل سؤال.

اضطررنا لمواجهته مرّات عدة بأسئلة محددة لنحصل على إجابة صريحة: «تحتاج إلى علاج طبيعي، والأمر بيد الله إن استردّت حركتها أم لا… ستتحسّن رؤيتها إلى حدّ ما، لكن لن تعود كما كانت».

لم تتوقف سندس عن الأنين من الألم، ولم يكن في المستشفى ما يكفي من موارد. كنا نبحث في الشوارع عن مسكّنات وأدوات طبية.

يقرأ  مقتل قائد ميليشيا مناهضة لحماس في غزة

في أحد الأيام احتجت إلى غطاء طبي لتغطية جرحها — لم أجد شيئاً في أربعة صيدليات خلال تجوالي في شوارع مدمّرة. وفي مرّة أخرى احتجت إلى شاش جراحي فلم أجد إلا نوعاً آخر، لكنها كانت بحاجة ماسة فاشتريت ما وجدته.

راسلْت كل منظمة دولية أملاً في إخراجها من غزة. أرسلت تقاريرها الطبية إلى كل من قد يساعد — بلا جدوى.

سمعت سندس حديث الإخلاء وبدأت تحلم بأن تتمكن من الحركة والرؤية مجدداً.

«الضرر قد حصل. ما أفسده الرصاصة لا يمكن أن يصلحه الجراح»، قال لنا طبيب أجنبي عبر رسالة بعدما اطلع عن بعد على سجلاتها، وتحطمت آخر ذرات أملنا.

تدهورت حالتها مع قلة الرعاية في المستشفى المدمّر. أصيبت جروحها بالالتهاب واحتاجت إلى عملية أخرى فقدت فيها كمية كبيرة من الدم.

شعرت أن إسرائيل أطلقت النار على سندس ثم شدّت الحصار حبل المشنقة حول عنقها.

تفادي الموت

على مدار عامين كنا نتخذ قرارات مستحيلة لنحافظ على سلامة أي فرد من العائلة.

عندما أصدر جيش الاحتلال تحذيرات للشمال انتقلنا إلى الجنوب. وعندما حذّر من عملية برية في خان يونس هربنا إلى رفح.

وعند الإعلان عن عملية برية في رفح هرعنا إلى دير البلح. لم نعد إلى شمال غزة إلا بعد دخول الهدنة حيّز التنفيذ في يناير 2025.

كنا ننام في الشوارع، نتحصّن من القنابل تحت قماش الخيام الرقيق. تحمّلنا الجوع لأشهر، ولم نتجرأ على الاقتراب من نقاط إسقاط المساعدات أو من مؤسسة غزة الإنسانية (GHF).

يعلم المحاصرون في غزة تماماً أي مصير قاسٍ ينتظرهم إذا ما جُرحوا.

ظننا أننا استعدنا شيئاً من شعور امتلاك الأرض حين دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ؛ بدا لنا أننا محظوظون لأننا فقدنا منازلنا فحسب وتعرّضنا لسوء تغذية. لكن قناصاً إسرائيلياً سرق منا ذلك الاطمئنان.

يقرأ  الشرطة تكشف نتائج تحقيقها في وفاة عامل متعاقد لدى إتش إي بي بالمكسيك

ماذا فعلت سندوس الصغيرة حتى يطلق الجندي الإسرائيلي النار في رأسها؟ المفترض أننا في هدنة.

المفارقه أن أصدقائي من كل مكان، بدلاً من أن يدينوا عملية القتل، سألوني أولاً إن كانت سندوس تتواجد في “المنطقة الصفراء” التي تسيطر عليها إسرائيل.

تذكرت كل المرات التي كدنا فيها نفارق الحياة ونحن نحاول البقاء في “المنطقة الآمنة”، وأكدت مراراً أنها لم تكن هناك، كما زوّدتهم بموقع قاعة الزفاف حيث تجمّع عشرات الناس.

إطلاق النار على طفلة ستّ سنوات هو جريمة حرب.

ومع ذلك، لم يتصدر ذلك عناوين الصحف.

لم يكن أمراً غير مألوف في غزة.

لم تكن سندوس محظوظه بما يكفي ليُدان قتلها على المستوى الدولي أو لتنال رعاية طبية مناسبة.

أضف تعليق