أيام قليلة بعد إعلان حماس وإسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة، يبقى دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع محكوماً بقيودٍ خانقة تحرم مئات الآلاف، لا سيما الأطفال المرضى، من المساعدات الحيوية التي لا تحتمل التأخير.
حتى يوم الخميس، لم تتجاوز الشاحنات الداخلة إلى غزة أقل من ثلاثمائة شاحنة يومياً، في حين أن الحاجة تقدّر بنحو ستمائة شاحنة لتغطية الاحتياجات الأساسية. ومن الشاحنات المسموح بدخولها، بيّنت تقارير أن عدداً كبيراً يحمل بضائع تجارية بدلاً من مساعدات إنسانية حقيقية تُسلم للفقراء أو للمرافق الصحية.
هند الخضّري مراسلة الجزيرة من دير البلح نقلت شهادات عن واقع مأساوي: الأطفال لا يملكون شيئاً من ضروريات الحياة من ملابس وأحذية وحِزَم نظافة وأدوية. المستودعات فارغة، وما لم تتوافر المخزونات في المخازن فلن تبدأ عمليات التوزيع على الأرض. وأضافت أن ما يدخل هو إلى حدّ كبير بضائع تُعرض للبيع في السوق، بينما السكان ليس لديهم قدرة شرائية والبنوك لم تفتح بعد.
في مستشفى جمعية أصدقاء المريض في مدينة غزة، يصف الأطباء حالة بعض الأطفال المصابين بسوء تغذية بأنها “يائسة”، مع نفاد الأدوية والغذاء وحتى الوقود الذي يُبقي المستشفى قادراً على العمل. قال الدكتور مصعب فرّوان، أخصائي الأطفال، إن المستشفى لا يزال ينتظر وصول الإمدادات الطبية والإنسانية، وإن تحسناً ملموساً سيحصل فور تَوافُر تلك المواد، خصوصاً للأطفال الذين ظلّوا أكثر الفئات هشاشة خلال عامي الحرب.
أمّ طفلة تُدعى رقيّة عبّرت عن يأسها من تأخر المساعدات؛ نقص الغذاء حرَمها من القدرة على إدرار الحليب لرضيعتها، التي وصلت إلى حالة سوء تغذية حادة و”تقترب من حافة الموت”. المستشفى لم يقدّم حتى الآن الحاجيات البسيطة من بسكويت وحليب ومكملات غذائية تسمح للطفلة بالتعافي.
عامان من القصف الإسرائيلي المكثف تسببا في تدمير كثير من المنشآت الطبية ومقتل مئات الكوادر الصحية، ومع حصارٍ إنساني كامل منذ نيسان/أبريل انهار بنية القطاع الصحي كلياً.
اتُفق الأسبوع الماضي بين طرفي النزاع على هدنة تشمل إعادة كل الأسرى الإسرائيليين —أحياءً وأموات— مقابل نحو ألفي فلسطيني محتجزين في السجون الإسرائيلية. وتنصّ المرحلة الأولى من الاتفاق على رفع الحصار الإنساني لتمكين إدخال الغذاء والماء والمساعدة الطبية، لكن القيود الإسرائيلية ما زالت تُخنق تدفق المساعدات، وخصوصاً إلى المرضى الأكثر احتياجاً في المستشفيات.
في ذات مستشفى جمعية أصدقاء المريض، تنتظر تهاني حسونة بفزع على ابنتها الرضيعة ألما، التي تعاني من علة قلبية خطيرة. تعاني الطفلة نقص رعاية بسبب غياب الأجهزة الطبية اللازمة، ولا تكتسب وزناً وتعتمد كلياً على الأكسجين للتنفس. تقول الأم إنها كل يوم تترقب فتح المعابر حتى تتمكنا من السفر لإجراء عملية قد تنقذ حياتها.
حتى يوم الخميس، لم تعلن إسرائيل إعادة فتح معبر رفح جنوب غزة. هيئة تنسيق شؤون المدنيين (الكوغات) التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية أعلنت أن مرور مساعدات إنسانية عبر رفح لم يكن متفقاً عليه، وأن المعونات ستستمر بالدخول عبر معبر كرم أبو سالم ومعابر أخرى. في الواقع، تُنتظر البضائع على جانبي الحدود وسط طوابير وعوائق لوجستية وسياسية.
في مستشفى الشفاء، قال المدير الطبي محمد أبو سلمية إنه لم يشهد أي تحسّن ملحوظ في الخدمات الصحية أو توفر الأدوية منذ بدء الهدنة، ووصف الوضع الصحي في القطاع بأنه “مأساوي” والواقع لم يتبدّل بعد.
الوضع الإنساني في غزة يبقى هشاً للغاية: رفع الحصار يبقى شرطاً أساسيّاً لتجنّب كارثة صحية أوسع، لكن حتى الآن تبقى الشاحنات أقل من المطلوب والمضبوطات التجارية تملأ الفراغ، والأطفال هم الضحايا الأكثر معاناة الذين ينتظرون وصول المساعدات التي قد تُنقذ أرواحهم — وما زالت آمالهم معلّقة بقرارٍ سياسي وتطبيقٍ عملي يسدّ الفجوة بين الاتفاقات والواقع على الأرض. انقاذ هذه الفئة يتطلب فتح المعابر وتوفير وقود وعقاقير ومستلزمات طبية عاجلة.