«أكثر ما يقلقنا هو الطعام» — فنزويليون يعيشون تحت تهديد عملٍ عسكري أميركي

تحت ظل تهديد عسكري من إدارة الرئيس الأميركي، يقضي كثير من الفنزويليين وقتهم في البحث عن لقمة يومهم بدلاً من الانشغال بشبح غزو محتمل. في سوق كوينتا كريسپُ (Quinta Crespo) الشعبي بوسط كاراكاس، تبدو المخاوف اليومية المعيشية أكثر إلحاحاً من لغة السيف والدبابات.

أليخاندرو أوريلانو، بائع خضار منذ خمس سنوات، يحدّث بي بي سي من أمام ركنه الفارغ تقريباً، وهو يحتسي قهوته منتظراً زبائن لا يظهرون. يقول مبتسماً نصف استهانة: «ما راح يصير تدخل، ولا شيء من هذا النوع. اللي مزعجنا فعلاً هو صعود سعر الدولار». قلة المشترين وطول الممرات الفارغة تتحدثان عن واقع معيشة مُنهك لا يطاق.

خلال الأسابيع الماضية، نشرت واشنطن آلاف العسكريين وأسلحة حربية ضمن نطاق الضرب. حتى حاملة الطائرات الأكبر في العالم اقتربت من المياه الكاريبية، وما أدى إلى إلغاء أربع شركات طيران دولية رحلات من وإلى البلاد بعد تحذير أميركي من «نشاط عسكري مكثف في أو حول فنزويلا»، بحسب وكالات أنباء.

تأتي هذه التحركات بعد ضربات جوية أميركية استهدفت زوارق يُزعم أنها متورطة بتهريب مخدرات في الكاريبي والمحيط الهادئ الشرقي، وأسفرت عن مقتل أكثر من ثمانين شخصاً. تقول إدارة ترامب إن هذه العمليات تهدف إلى قطع تدفق المخدرات إلى الولايات المتحدة، بينما يصر مادورو أن هدفها الإطاحة بحكمه.

أما الشارع، فحياته مستمرة وسط نداءات الحكومة للاستعداد للغزو. النقاشات السياسية لا تُشغل بال كثيرين بقدر ما تشغلهم أسعار المواد الغذائية التي ترتفع بصورة حادة. مثال: كيلو الدجاج يعادل أربعة أضعاف الحد الأدنى الشهري الرسمي للأجور. ومع أن الحكومة تمنح مكافآت للمتقاعدين والموظفين، فإنها تبقى بعيدة عن تغطية سلة الغذاء الأساسية.

التدهور الحاد لقيمة البوليفار ساهم بشكل كبير في هذا الانهيار: فقد خسر العملة نحو 80% من قيمتها هذا العام، بحسب أرقام صندوق النقد الدولي، الذي يتوقع ارتفاعاً في الأسعار بنسبة 548% هذا العام، وأن تتصاعد إلى 629% في 2026 — أعلى معدلات التضخم على مستوى القارة.

يقرأ  السلطات تحبط مخططًا مشتبهًا به لاستهداف رئيس الوزراء بارت دي ويفر

كونسويلو، أستاذة جامعية متقاعدة في الرابعة والسبعين، تقول إنها لا تصدق احتمال حرب مسلحة مع الولايات المتحدة، وانه الفكرة نفسها لا تساعد أحداً: «دعوا ما يكون أن يأتي!»، تضيف بأن القلق المستمر يضر بالصحة أكثر مما ينفع. «لم أقم بشراء مؤن بكميات؛ تحتاج إلى مال كثير للقيام بذلك».

الخوف من الملاحقات السياسية يثني كثيرين عن التعليق العلني. اثنان من الاقتصاديين المقيمين في فنزويلا رفضا التعليق خوفاً من انتقام السلطات. مصدر آخر، طلب عدم نشر اسمه، قال إن «التضخم بلغ مستويات تقترب من 20% شهرياً».

الضغط السياسي بعد انتخابات 2024 المتنازع عليها أدى أيضاً إلى موجة اعتقالات كبيرة؛ تشير الأرقام الرسمية إلى أنه تم توقيف أكثر من 2,000 شخص، وما يزال 884 موقوفاً لأسباب سياسية وفقاً لمنظمة فورو بينال. المعارضة ودول عدة من بينها الولايات المتحدة رفضت نتائج الانتخابات واعتبرت إدموندو غونزاليس فائزاً شرعياً.

بعض الناس يعتبرون أي تدخل أجنبي فرصة لتغيير النظام لكن يخشون التعبير عن ذلك علناً. تاجر من سيوداد بوليفار يقول إنه كان ينشر آراءه سابقاً لكنه توقف خشية اتهامه أو تلفيق قضايا ضده: «نحن خائفون، صامتون؛ الناس لا تتكلم علناً، فقط في البيت مع العائلة هناك بصيص أمل».

باربارا مיירّو، حلوانية في الأربعين من عمرها، تقول بصراحة: «نحن ننتظر شيئاً يحدث لأنه من العدل ومن الضروري أن يحدث. لقد عشنا سنوات من البؤس المطلق». أما إستر غيفارا، التي تعمل في مختبر طبي وتبلغ من العمر 53 عاماً، فتعبر عن قلقها من تبعات الانتشار البحري الأميركي: «أخشى لأنني لا أعلم ماذا سيحدث — قد يكون هناك غزو أو ضربة… الناس قد يظنون أن الأمور ستكون على ما يرام، لكن الوضع خطير؛ يمكن أن يموت الكثير من الأبرياء».

يقرأ  بعض المحطات الأمريكية تمتنع عن بث برنامج جيمي كيميل رغم عودته إلى إيه بي سي

خلال منتصف النهار في شارع مزدحم بشرق كاراكاس تستمر الحركة: الباعة يروجون بضاعتهم، والمارة يمرون ذهاباً وإياباً. خافيير خارا ميّلو، البالغ من العمر 57 عاماً، يتجول باحثاً عن بضائع لإعادة بيعها في موسم الأعياد، ويتساءل بفضول عن حاملة الطائرات يو إس إس جيرالد آر. فورد المتمركزة في الكاريبي. لكنه يكرر ما يقوله آخرون: «لا أعتقد أن هناك هجوماً وشيكاً».

القلق يتوزع بين من يفضلون التركيز على مواجهة الأزمة الاقتصادية اليومية، ومن يلتزم الصمت خوفاً من تداعيات سياسية، بينما تظل الدولة وعلى الساحة الدولية محور نقاش مرير لا تنتهي آثاره على الحياة اليومية للفنزويليين. اظن أنه قد ينشأ حوار، أو يُبرَم اتفاق، أو تُبرَم صفقة.

ومع ذلك، يقول إنه عندما تحدث انقطاعات في التيار الكهربائي، يتبادر إلى ذهنه: «لقد دخلوا»، «هم قادمون».

ألمح ترامب إلى أنه منفتح على حوار دبلوماسي مع مادرو، لكنه أضاف أيضاً أنه لا يستبعد الخيار العسكري.

مهما كان، يكرر خافيير: «قلقنا الأكبر بشأن الغذاء. فنزويلا في حالة يرثى لها. التضخم يأكلنا أحياء».

أضف تعليق