حذّرت اسرائيل جميع سكّان مدينة غزة من البقاء ودعتهم إلى المغادرة فوراً تحسّباً لهجوم بري واسع النطاق.
قال المتحدّث العربي باسم جيش الدفاع الإسرائيلي إن نحو مليون فلسطيني يقيمون في أكبر مراكزها العمرانية مطالبون بالتحرّك جنوباً. «البقاء في المنطقة خطير للغاية»، بحسب قوله.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الاثنين إن الضربات الجوية التي دمّرت بنايات شاهقة في مدينة غزة خلال الأيام الماضية كانت «فقط مقدّمة للعملية الأساسية المكثّفة» لانتزاع ما وصفه بآخر معقل هام لحماس.
ووصفت حركة حماس تصريحات نتنياهو بأنها «عرض علني لجريمة تهجير مكتملة الأركان».
وجلبت خطة اسرائيل للسيطرة على مدينة غزة انتقادات دولية واسعة.
وحذّرت الأمم المتحدة من أن تكثيف الهجوم على منطقة أُعلن فيها عن مجاعة سيقود المدنيين إلى «كارثة أعمق» على مستوى الإنسانية.
وكانت رسالة قوّات جيش الدفاع — سواءً عبر منشورات أسقطت فوق مدينة غزة أو منشورات نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي عبر الناطق العربي العميد أفيخاي أدراعي — واضحة ولا لبس فيها.
وجاء في المنشور: «إلى جميع السكّان والحاضرين في مدينة غزة ومناطقها، من المدينة القديمة وحي التفّاح شرقاً وحتى البحر غرباً: جيش الدفاع عازم على هزيمة حماس وسيعمل في مدينة غزة بعزيمة كبيرة، كما فعل في أنحاء قطاع غزة». وأضاف البيان: «لأجل سلامتكم، إخلوا فوراً».
وافق المجلس الأمني الإسرائيلي على خطة للسيطرة على كامل قطاع غزة، بعد فشل المحادثات غير المباشرة مع حماس بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في يوليو الماضي.
وأُمر الجيش بهزيمة حماس بعد 23 شهراً من الحرب واستعادة 48 رهينة لا تزال المجموعة المسلحة تحتجزهم، ويُعتقد أن 20 منهم ما زالوا أحياء.
شهدت الأسابيع الأخيرة تصاعداً في الهجمات الجوية والبرية على مدينة غزة. وخلال الليلة الماضية نفّذت غارات جديدة على مبانٍ قالت القوّات إنها تُستخدم من قبل حماس لشنّ هجمات على قواتها.
قال نتنياهو في فيديو ظهر بعد ظهر الاثنين إن 50 مبنى شاهق الارتفاع دُمّرت في غزة خلال اليومين السابقين. «كل ذلك ليس سوى تمهيد، مجرد بداية للعملية المكثّفة الأساسية — التوغل البري لقواتنا»، وأضاف: «لذلك أقول لسكان غزة، استمعوا إلي بعناية: لقد حُذّرتم — اخرجوا من هناك!»
ووصفت حماس تصريحه بأنه «عرض علني لجريمة تهجير قسري مكتملة الأركان، تُنفّذ تحت وقع القصف والمجازر والجوع وتهديدات بالموت».
أظهرت صور تدفقاً من الناس يتحرّكون جنوباً على طول الطريق الساحلي من مدينة غزة سيراً على الأقدام، وعربات تجرّها الحمير، ومركبات، يوم الثلاثاء، لكن لم تظهر دلائل على نزوح جماعي واسع.
قالت هناء، أم لثلاثة أطفال، لهيئة الإذاعة البريطانية إنها لا تعرف إلى أين تنقل عائلتها لذا تنتظر حتى تصبح في «خطر حقيقي». «لو عرفت مكاناً أذهب إليه لكنت غادرت وأخذت عائلتي وأطفالي»، أضافت. فقدت هناء منزلها نتيجة القصف الإسرائيلي في بداية الحرب ومنذ ذلك الحين نزحت مع أقاربها. وقالت إن «ما نعانيه الآن لا يُوصَف».
أما رزان صلّة، طالبة، ف فرّت من مدينة غزة قبل يومين بسبب القصف وتشارك الآن غرفة مع نحو عشرين من أقاربها في مدينة دير البلح الوسطى. «تحرّكنا بالسيارة مقابل 375 دولاراً (276 جنيهاً إسترلينياً). ليس كل الناس نزحت — ما زال هناك من في مدينة غزة لأنهم لا يملكون مكاناً يذهبون إليه أو لأن وسائل النقل باهظة الثمن»، نقلت في رسالة صوتية إلى الـBBC. وقالت رزان إن «عدم الاستقرار والتشرّد» تركاها «متعبة جداً جداً»، وأضافت: «لقد فقدت أملي».
أعلنت وكالات الأمم المتحدة وشركاؤها الإنسانيون الأسبوع الماضي أن إعلان تكثيف العمليات العسكرية الإسرائيلية في مدينة غزة في 7 أغسطس كان «له تبعات إنسانية مروّعة على النازحين في مخيمات التجمع». وحذّروا من أن العديد من الأسر غير قادرة على الانتقال بسبب التكاليف الباهظة والتحديات اللوجستية، فضلاً عن غياب أماكن آمنة، وأن مطالبة مئات الآلاف بالتحرّك جنوباً قد تُعدّ نقلًا قسرياً بموجب القانون الدولي.
وأفادوا يوم الأحد بأن أكثر من 97,000 شخص نزحوا حديثاً منذ 14 أغسطس. لوحظ عبور نحو 50 ألف شخص فقط من شمال غزة إلى جنوبها تلبيةً لتعليمات الجيش الإسرائيلي.
أمَرهم الجيش بالتوجه إلى ما أُعلن عنه حديثاً “منطقة إنسانية” في المواصى.
وأشار إلى أن المنطقة تضم بنية تحتية أساسية، بما في ذلك مستشفيات ميدانية وأنابيب مياه، وأن إمدادات الغذاء والخيام والأدوية ستُنقل إلى هناك بالتنسيق مع منظمات دولية.
غير أن المواصى تعرّضت لقصف متكرر من القوات الإسرائيلية طوال فترة الحرب، والامم المتحدة تؤكد أنه لا مكان في غزة يمكن وصفه بـ”الآمن”.
وحذرت الأمم المتحدة أيضاً من أن المخيّمات الخيامية هناك مكتظة بالفعل، وأن المستشفيات المحلية تعمل بأضعاف طاقتها الاستيعابية.
وأضافت أن عدداً محدوداً من الخيام وصل خلال الأسابيع الأخيرة، لكن الحاجة لا تزال ماسة لمئات الآلاف من النازحين.
وقالت الأمم المتحدة إن إسرائيل، التي تسيطر على معابر القطاع، يجب أن تسمح بدخول كميات كافية من الغذاء والإمدادات الأخرى لوقف انتشار المجاعة.
يوم الأحد، حذر مسؤول الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة توم فليتشر من وجود نافذة ضيقة حتى نهاية سبتمبر لمنع اتساع رقعة المجاعة لتشمل وسط مدينة غزة أو دير البلح ومدينة خان يونس الجنوبية، مشدداً على أن “النافذة تُغلق بسرعة”.
منذ أن أكّد خبراء الأمن الغذائي المدعومون من الأمم المتحدة وجود مجاعة في مدينة غزة في 22 أغسطس، أفادت وزارة الصحة التابعة لحماس بأن ما لا يقل عن 121 شخصاً توفوا جوعاً وبسبب سوء التغذية في أنحاء القطاع.
وأعلنت إسرائيل أنها توسع جهودها لتسهيل وصول المساعدات، ونفت صحة أرقام وزارة الصحة بشأن الوفيات المرتبطة بسوء التغذية.
أطلقت القوات الإسرائيلية حملة في غزة رداً على الهجوم الذي قادته حركة حماس على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، والذي أسفر عن مقتل نحو 1,200 شخص وأسر 251 آخرين.
حتى الآن، قُتل ما لا يقل عن 64,605 شخصاً في الهجمات الإسرائيلية على غزة منذ ذلك الوقت، وفق بيانات وزارة الصحة في القطاع.