صعدت القوات الإسرائيلية وتيرتها في قصف مدينة غزة، حيث شرعت بتسوية مبانٍ بشكل منهجي، شملت مدارس تابعة للأمم المتحدة كانت تؤوي نازحين، بهدف دفع نحو 900,000 ساكن إلى خوض رحلة خطرة جنوباً نحو «المنطقة الآمنة» المزدحمة في مخيم المواصي.
واصل الجيش الإسرائيلي يوم السبت حملته الأرضية والقصْفية المكثفة، مطلقاً ضربات متتالية في محاولة لتطهير المنطقة تمهيداً للسيطرة عليها، وموزعاً منشورات تحذّر الفلسطينيين الجائعين والمرعوبين من ضرورة الفرار حفاظاً على حياتهم.
قصص موصى بها
أفاد مراسل الجزيرة هاني محمود من مدينة غزة بأن طائرات مقاتلة كانت تُسقط قنابل «كل 10 إلى 15 دقيقة» على مبانٍ سكنية ومرافق عامة، وغالباً ما لم تُمنح الناس وقتاً كافياً للإخلاء والانتقال إلى أماكن أكثر أماناً. وأضاف أن «وتيرة ونمط الهجمات يوحيان بأمر واحد: الجيش الإسرائيلي يمارس ضغوطاً قصوى ومتعمدة على أماكن مكتظة بأسر نازحة»، مشيراً إلى أن النازحين باتوا يتركزون في الجناح الغربي للمدينة.
ومع ذلك، وعلى الرغم من تصاعد القصف، فإن كثيرين يماطلون في الرحيل أو يعودون بعد محاولات الوصول إلى الجنوب حيث المخيم المكدّس والفقير بالموارد، والذي تتعرّض فيه الملاجئ لغارات متكررة. وقال الدكتور محمد أبو سلمية، مدير مستشفى الشفاء، إن السكان ينتقلون من شرق غزة إلى غربها، «لكن عدداً قليلاً فقط تمكن من الوصول إلى الجنوب».
«حتى الذين يُفلحون في الفرار جنوباً غالباً ما يجدون أماكن بلا مأوى، إذ إن منطقة المماواسي ممتلئة تماماً ودير البلح أيضاً تعاني ازدحاماً شديداً»، قال أبو سلمية، مضيفاً أن كثيرين عادوا إلى مدينة غزة بعد فشلهم في إيجاد مأوى أو الحصول على خدمات أساسية.
زعمت القوات الإسرائيلية على منصة إكس أن أكثر من 250,000 شخص غادروا أكبر مركز حضري في القطاع. وسُجل مقتل ما لا يقل عن 49 شخصاً في مدينة غزة يوم السبت.
التهجير العكسي
من الجنوب، شهدت مراسلة الجزيرة هند الخضري تدفق عائلات آتية من الشمال إلى مخيم المماواسي، توجهت إلى هناك معتقدة أنها ستجد «ماءً ونظافة وكل ما روّجت له القوات الإسرائيلية». ثلاثة من مواقع توزيع المساعدات المدعومة إسرائيلياً تتواجد في منطقة المماواسي كجزء من استراتيجية لجذب الفلسطينيين جنوباً. ومع ذلك، وجهت منظمات حقوقية وحكومات انتقادات لاذعة لتلك المواقع بعد إصابة أكثر من 850 شخصاً بالقرب من نقاط التوزيع، بحسب أرقام الأمم المتحدة.
قال فرج عاشور، نازح فقد ساقيه في هجوم إسرائيلي، للجزيرة إنه إذا أرسل ابنه البالغ من العمر 13 عاماً للبحث عن طعام «فإنني أرسله إلى موته». كان المماواسي مكتظاً قبل اجتياح مدينة غزة، إذ احتضن نازحين قادمين من شرقي رفح وخان يونس، لكنه الآن وصل إلى حد الانهيار ولا يتسع لوصول المزيد من العائلات التي لا تجد حتى مواضع مناسبة لنصب خيامها.
«ذهبت إلى المماواسي لكن التكلفة كانت كبيرة… وكان من شبه المستحيل إيجاد مكان مناسب دون دفع مبالغ إضافية»، قال عاشور. «بقينا يومين، وخلالهما تعرّضت الخيمة المجاورة لنا للقصف حتى في ما يسمّونه منطقة آمنة». وبعد أن سافر من مدينة غزة، يستعد عاشور للعودة مع عائلته كجزء من موجة عودة قسرية يرى فيها بعض اليأس خياراً أقل خطورة: «لم يكن هناك أمان. كل شيء كذب. في البداية صدّقتهم، لكني أدركت أنه من الأفضل العودة إلى غزة. إن كانوا سيقتلونني فليكن ذلك في غزة بدلاً من أن أخاطر بكل شيء في المماواسي».
قالت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) يوم السبت إن 86 بالمئة من مساحة غزة إما منطقة عسكرية أو مهددة بالتهجير.
عشرات الشهداء
قُتل ما لا يقل عن 62 فلسطينياً في أنحاء القطاع منذ بدء الصباح. تركزت الغالبية العظمى من الهجمات في مدينة غزة، حيث قصفت طائرات حربية ثلاث مدارس أممية في مخيم الشاطئ كانت تؤوي نازحين. وقال المراسل محمود: «أناس كانوا يقطنون شققاً باتوا الآن يبحثون عن ملاذ في مدارس مكتظة تشكّل الملجأ الأخير لعائلات كثيرة، ومع ذلك تتعرض للهجوم ويُطردون إلى الشارع بلا مسار واضح للمكان الذي يمكنهم الذهاب إليه».
على مدار الأسابيع الماضية، عمد الجيش الإسرائيلي إلى هدم ناطحات سحاب في مدينة غزة واحدة تلو الأخرى، مدعياً مراراً أن المباني كانت تُستخدم من قبل حماس دون أن يقدّم دليلاً على ذلك. يوم السبت واصلت القوات استهداف الأبراج الشاهقة، ونشر وزير الدفاع الإسرائيلي إسحاق كاتس مقطع فيديو زَعَم فيه سقوط برج نور وتهاويه. لم تُرسَل أي مادة لترجمتها وإعادة صياغتها. هل يمكنك لصق النص الذي تريد ترجمته وإعادة صياغته؟